المضامين التربوية في مسرح الطفل للدكتورة إيمان الكبيسي

المضامين التربوية في مسرح الطفل للدكتورة إيمان الكبيسي

بقلم /  د. إيمان الكبيسي

يعد المسرح منبرا معرفيا وجماليا والية من اليات التواصل الإنساني لنقل الخبرات الإنسانية والقيم الثقافية والمعارف والاتجاهات ، للارتقاء بمستويات الانسان الفكرية والذوقية والخيالية، في جو يوحي بالتسلية والمتعة في إدراك المعارف، ما يُضفي عليه وظيفة تعليمية توجيهية التصقت به من (سوفوكلس) مرورا (ببريخت) حتى وقتنا الحالي، عبر توظيف كل أنواع الفنون التي تعمل من خلاله مجتمعة والتي تعمل على تنمية المهارات والقدرات وتنمية الذائقة الفنية، هذا الموضوع يلقي بظلاله على مسرح الطفل بوصفه نمطا دراميا يهدف إلى تنمية شخصية الطفل تربويا واجتماعيا وثقافيا وجماليا، عبر تغذيته بالقيم والخبرات بأسلوب مشوق وممتع وبستراتيجية بيداغوجية تحمل الطفل نحو فضاءات غاية في الأهمية، اذ ان هوية أي نظام تربوي هي هوية المجتمع والثقافة التي تقوم الثقافة بتمثيلها والحفاظ عليها عبر علامات واستعارات تهدف الى شد انتباهه، وتيسير إيصال المعنى له، ومد ذهنه بخبرات معرفية وتربوية وجمالية، ولا يقتصر مفهوم مسرح الطفل على تلك الوظائف ، بل يتعداها إلى انه فن له خصوصيته ولغته الخاصة ذات دلالات ثقافية، والتي ينبغي على المتلقي فهمها وفهم الموسوعة الثقافية المؤسسة لها اذ ان فهم الفنون هو فهم دقيق للثقافة، فمن خلال الفنون يتحقق فهم المفاهيم والتقاليد وكل شكل من أشكال الفن.    

يعتمد مسرح الطفل على استعمال الألفاظ اللغوية والتواصل الشفوي في التعبير، ونقل الخبرات في جو من المرح واللعب، وبث رسائل ثقافية بلغة تواصلية تتخذ من  الصورة والصوت وباقي  مكملات العرض المسرحي من عناصر التشكيل البصري والسمعي، فهو ذلك المسرح الذي يعالج الموضوعات المشاركة في الفنون الأدبية التي تتناسب مع عقلية الطفل، والمتعلقة بطبيعة الطفل وما يصدر عنه من أفعال، فذهن الطفل ينقاد بشكل كامل لما يجري على خشبة المسرح، لان المسرح اداة فاعلة من الوسائل التربوية التثقيفية الموجِهة للطفل، فهو  يقوم على نص مؤلف أو معد مستعملا التقنيات المسرحية المختلفة (اضاءة، ملابس، ديكور، مؤثرات صوتية، ماكياج) يؤدية ممثلون محترفون بمشاركة الأطفال ومصاحبة موسيقيين وراقصين، ينقسم على الطفل في المسرح نوعين من التفكير اولهما الحسي معتمدا على الأشياء الملموسة، والثاني الصوري المرتكزعلى تكوين صورة حسية، أما بالنسبة للتفكير المجرد فهو اعلى من مستوى تفكير وادراك الطفل الا في مراحل متأخرة من نموه، بحيث يتمكن من فهم الترميزوالتشفير.

يطرح مسرح الطفل الأحداث والمواقف والأفكار مجسدة أمام الطفل في تعامل مباشر مع حواسه، عبر أحداث مسموعة مرئية ملموسة دون  اغفال اللغة المنطوقة في ثنايا النص، ويشترط في التعامل معها بالبساطة والاقتضاب. ولهذا المسرح ابعاد تتحدد بـ :

البعد الجمالي في مسرح الطفل:

لمسرح الطفل بعدا جماليا مهما يرتكز في اجراء التأثير الفني عند المتلقي، وإيصال الخبرة الجمالية التي لا تنفصل عن كل خبراتنا الحياتية، فتعطي الأشياء مدلولات جمالية نتيجة استخدامها في الحياة الواقعية، تمد الانسان بقيم جمالية نحو الشيء الذي يدركه فكل ما يصلنا عبر الحواس  من الألوان وانغام واصوات يمثل أول مراحل الخبرة الجمالية التي تُنظم وبابعاد جمالية عميقة في العمل الفني، فمسرح الطفل فن جمالي يجسد الواقع بإبداع فني وفقا لمعطيات الطفل المعرفية عبر توظيف عناصر جذب الانتباه والإثارة والإمتاع، التي تعتمد الجانب المعرفي في الوصول إلى غاياته، ومنها الإمتاع، فانتفاء الامتاع يجرد المسرح من وظيفة مهمة ويقلل من تأثيره ويجعله محصورا في الوعظ والإرشاد، فهو يستغل اي مجال من مجالات الفنون ويوظفه من موسيقى وصور وإشكال تعطي دلالات جمالية تهدف الى إثراء القيمة المعرفية وإيصالها بانسجام الى المتلقي، الذي قد يشعره بالصدمة لمشاهدة صورا غريبة أو سماع نغم عذب وهذه الصدمة تشعره براحة نفسية ومتعة فنية تجعله يتأمل العمل الفني ويلم بكل مفاصله وصولا إلى المتعة الجمالية التامة.

لقد حدد (الكعبي) عدد من المرتكزات التي من الممكن اعتمادها في تشخيص الأبعاد الجمالية في مسرح الطفل وهي الآتي:

1- التشويق احد عناصر العرض المسرحي له تأثير في الإبهار وتفعيل قدرات الطفل الذهنية نحو عناصر العرض التي يتفاعل معها معرفيا وجماليا، هادفا الإمتاع.

2- قدرة العرض المسرحي على مخاطبة حواس الطفل والتفاعل بشكل جمالي معرفي ما يعمل على تنشيط الحواس وربطها بكل ماله علاقة فنية وجمالية في العرض المسرحي من ممثل، وديكور، وإضاءة، ولغة الجسد، ومكياج، والموسيقى، والغناء، الخ…لإحداث التأثير بين المسرح والطفل.

3- امكانية العمل المسرحي على التحليق بمخيلة الطفل عبر آفاق بعيدة، باستخدام الخيال فالعمل المسرحي يقوم  باستفزاز مخيلة الطفل كونه كائن خيالي، فيحفز مهاراته ومواهبه نحو الابتكار الإيهامي الذي يجسده العمل المسرحي.

4- مقدرة العرض على خلق الايهام بين اللعبة المسرحية والطفولية عبر الحواس والمهارات للاستمتاع.

5- امكانية المسرح في إدخال البهجة والسرور في نفس الطفل عبر الموسيقى والأغاني والحكايات الطريفة.

6- يجسد العرض المسرحي عنصر الإثارة في حبكة الحكاية، بسلاسة متناسبة مع تلقائية الطفل وذائقته.

البعد المعرفي لمسرح الطفل:

تعمل الاتجاهات المعرفية في مسرح الطفل على ترقية وعي الطفل وسلوكه وإحساسه وإرادته، وغيرها من مقومات تنمية الشخصية وتطويرها، مستندة  إلى النظرية المعرفية التي ترى في الطفل كائن حي يبذل جهده لزيادة ثقته بعالمه حتى يؤدي دوره في هذا العالم بفاعلية وكفاءة، ويتمكن من التوصل إلى خبرات تعينه في أداء الواجبات الموكلة اليه مجتمعيا، فيرى (جان بياجيه) إن للطفولة دورا مهما في تنمية شخصية الفرد، عبر إعادة الترتيب التصاعدي للعمليات العقلية الناتجة عن الخبرات البيئية، موضحا عبر نظريته، مراحل النمو العقلي في مختلف مراحل النمو الطفولة، عبر تفاعله مع المحيط الخارجي، فهو ينظر إلى النمو بوصفه عملية تفاعل بين الفرد ومحيطه الخارجي، وليس حاصل من الخبرات والمعارف التي يكتسبها الطفل عن الأشياء والظواهر الخارجية، وهنا يأتي دور مسرح الطفل فيثري نشاط الطفل الفكري والعقلي والسلوكي ويفتح له آفاق معرفية جديدة عبر تواصله مع مجتمعه.  

اذ تم تصنيف البعد المعرفي ضمن ثلاثة اتجاهات هي (الاتجاه التربوي، والاتجاه التعليمي، والاتجاه الإرشادي) تمثل الأول بذلك الابتكار الذي يحتفظ بحضارة الانسان وتطويرها، ويشمل الجوانب العقلية والاجتماعية، والمهارات اليدوية والحركية المتنوعة، وهو وثيق الارتباط بالاتجاه التعليمي فهما يضعان الحجر الأساس للبناء الإنساني للشخصية، فيعمل الاتجاه المعرفي على زيادة الخزين المعرفي والعلمي للطفل، ويعزز من مهاراته ومواهبه ويمضي  بها نحو التطور والإبداع، أما الاتجاه الثالث الذي يعمل على إسناد الاتجاهين السابقين  عبر عمله الهادف إلى تمييز بين ما هو ايجابي وما هو سلبي في العملية التعليمية.

 ان مسرح الطفل يعتمد تقديم المعرفة باستعارت تُقدم للمتلقي فنون مكثفة مثل الأدب، الموسيقى، الغناء، الحركات الإيقاعية، الديكور، الإضاءة، الملابس، التمثيل، الإخراج، الخ، دون الحاجة الى الرتكان  إلى أن الموعظة المباشرة، فعتدما  ثقف الوجدان ينصلح البنيان. لهذا البعد جملة من الأهداف هي إدراك العلاقات والتبصر في المواقف من خلال زيادة انتباه المتعلم (المتلقي) واكسابه مهارة التفكير الناقد والتفكير الابداعي حول القضايا المطروحة في الموقف الدرامي، بتقديم خبرات متنوعة عن طريق الموقف الدرامي الذي يثير تساؤلات حول ما يعرض من خلال العناصر البصرية والسمعية ما استخدمه في العرض، فعند طرح القيم الدينية والوطنية والاجتماعية وغيرها، وتجسيدها جماليا الابتعاد عن المباشرة والإقحام، عبر توظيف رموز ودلالات منبثقة عن واقع الطفل الاجتماعي والبيئي،هو ما يمثله ذلك البعد المعرفي لمسرح الطفل.

البعد النفسي لمسرح الطفل:

يمثل المسرح واحد من ابرز الوسائل التي تُستخدم لتحقيق التوازن النفسي، وعلاج الانطواء، والسلوك العدواني، فضلا عن دوره في الترويح النفسي ، عبر اندماج الممثل مع المتفرج في جو العمل المسرحي وتقمصه، فهو يعيد التوازن النفسي والجمالي للطفل اذ يتجه المسرح عبر الأغنية واللحن والرقص والرسم الى سد الاحتياجات العاطفية للمتلقي، تحفيزه لتلقي كل جميل، أما على المستوى الذهني، فيتمثل في القالب الدرامي الذي يتضمن التعبير عن الكثير من الأفكار التي تجول في عقل المتلقي، وتتابع الأحداث وتصاعدها وتواجد الصراع المتنامي.

يعمل الارتباط النفسي بين العمل الفني وانفعالات الطفل على بناء شخصية الطفل بشكل متزن.

فقد تنبه علماء النفس إلى دور المسرح في العلاج النفسي من خلال مفهوم التطهير الذي أرسى (أرسطو) دعائمه.

تنبثق أهمية هذا البعد نتيجة لتأثير المسرح الذي  يعمل على تنمية ثقة الطفل بنفسه، والتخلص من الانفعالات السلبية، فيتحقق التوازن النفسي، وتنمية الحس الجمالي عبر مشاهدة العروض المسرحية واختيار نصوص ترقى الى المستوى التربوي،كما يسهم المسرح  في علاج  الكثير من المشاكل النفسية لدى الطفل مثل الخجل والسلوك العدواني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى