قصة خمسة شباب ضحوا بحياتهم لإنقاذ قرية الرمالي بالمنوفية  !!

قصة خمسة شباب ضحوا بحياتهم لإنقاذ قرية الرمالي بالمنوفية  !!

قصة خمسة شباب ضحوا بحياتهم لإنقاذ قرية الرمالي بالمنوفية  !!

بقلم/ أمير شفيق حسانين

لم يتخيل أحد من أبناء بلدة الرمالي بالمنوفية ، بأن حريقاً سيشب بمقلي للب والسوداني داخل القرية ، فيقتل خمسة من أبناء القرية وهم في ريعان شبابهم !!  ثم يأبي الحريق أن يتنحي عن كوارثه أو يقف عند ذلك الجُرمْ، ولكن إمتدت نيرانُه وألهبتُه لتحرق خمسة شباب آخرون ، فجعلهم يصارعون الموت بالمستشفي ، لعلَ الله أن يكشف عنهم ما لحق بهم من ضُر!!

مُصيبة أصابت شباب الرمالي بقويسنا في شهر رمضان الفضيل، وجعلت الدموع تنهمر بغزارة وتفيض من أعْيُن البكَائين حُزناً علي كل فقيد ومُصاب في حريق القرية الغاشم!!

وجعلتُ أسْأل نفسي ، أكان من بين محتويات المقلي ، ما هو سريع الإشتعال ؟! ، فالمقلي كان بداخلها فُرنْ للقليْ وأربع إسطوانات للغاز الطبيعي كبيرة الحجم ، وكميات من عُبوَات البيرسول ، وأدوات لإشعال الفرن وكمية من السجائر..وربما وُجِدَتْ المُعلبات البلاستيكية التي تُباع مع لوازم السبوع ، وجميع الأشياء المذكورة تشتعل كالبرق !! إذن فالكارثة كانت علي مقربة منا ونحن لا ندري ، ثم وقعت الكارثة بالفعل، فأهلكت خمسة أنفس بُرءاء ، بعدما أرهقها العناء من عذاب الحريق بضع أيام وليالي ..أما دولة القانون المُغَيَبْ ومسئولي الأمن الصناعي الذين كانوا في نُعاس ، فكان إهمالهم في تحرِي الدقة في قانونيَةْ مشروع المقلي ومحتوياته الخطيرة وخاصةً البيرسول ، جزءاً كبيراً من حدوث الفجيعة !!

الأقوال تضاربت حول كيفية إحتراق مقلي الرمالي بقويسنا ، وأرجح الأقوال بأن السبب هو تسريب الغاز الطبيعي من خلال الخرطوم المتصل بفرن القَليْ بعد إشعال الفرن بفترة قصيرة ، والذي أدي لسرعة إشتباك وإنتشار النيران في باقي أرجاء المحل ، وما زاد حجم البلاء والكارثة ، هو وجود عُبوَات البيرسول بجوار النيران ، فكانت العبوَات تسخن من شدة النار فتشتعل وتنفجر في وجوه المُطفئين ، الواحده تِلو الأخري ، لقد كانت عُبوَات البيرسول بمثابة القنابل المُدوية في وجوه من تقدموا للإطفاء، كان سِحرْ البيرسول عجيباً، وكأنه هو السلاح القاتل الذي قضي علي أنفُس الأبرياء !!

لم يُكْتَبْ لمواجهي الحريق ، أن يفلت أحدهم من الضُر.. ولم يطَلع أحد منهم الغَيْبَ فيعلم بأن عاقبة صنيعهم وخيمة وأليمة، وأن الموت مُدرك نصفهم أو يزيد !!

ومع تأجج نيران الحريق ، وصدْمة المطفئين أمام الطريقة التي إنفجرت بها عبوَات البيرسول ، كانت فرص النجاة من الموت ضئيلة جداً ، حتي أن بعضهم أُصيب بتسمم دموي إما نتيجة لتعَرُضه لغاز البيرسول ، شديد الأذي للجهاز التنفسي والرئتين ،أو ربما أن الميكروبات كَستْ لحوم الأبرياء ، المتساقطة جلودهم ، فتمكن المرض من أجسادهم ففتك بمَنْ فَتَكَ منهم بلا هواده !!

ثم أن أنابيب الغاز بداخل مقلي الرمالي ، لو أنها إنفجرت كذلك ، لكانت تحولت الكارثة إلي كوارث..كان سينفجر العقار الواقع أسفل المقلي ، وربما تصدعت معه عقارات مجاورة ، ولسقط العشرات والعشرات من الضحايا من بين قتلي وجرحي، ولكثرت الأشلاء وتلطخت جميع الأرجاء بالدماء !!

لم يأتي في مُخيِلةْ أحد بأن حريق الرمالي الشرس سيُفضي إلي هلاك نِصفْ من واجهوه ، غير آمنين لمكْرِهْ ، أو آخذين حِذرهم ، رغم إستخدامهم طفايات الحريق والمياه لإقصاء النيران!

كانت أجسادهم تتألم من عذاب الحروق ، بل كادت جروحهم أن تصرخ من العذاب الذي هُمْ فيه ، بعدما تأخرت سيارة الإسعاف عن الحضور لحمل هؤلاء المحروقين.. لم تحضر الإسعاف إلا بعد الحادثة بساعة ونصف الساعة تقريباً ، رغم أن المسافة بين قرية الرمالي ومستشفي قويسنا لا تتعدي زمنياً قرابة عشرون دقيقة فقط ، بعدها حملت الإسعاف أهل البلاء إلي مستشفي قويسنا المركزي ، التي إمتنعت عن علاج ذوي الحروق، بحجة أنها غير مؤهلة لعلاج مصابي الحروق !!

كان عامل الوقت هام جداً في ذلك الظرف الحرج ، ورغم ذلك فإن تأخُرْ سيارة الإسعاف ، أدَي لضياع كثير من الوقت ، وجعل صحة الضحايا في خطر مُؤكد ، وبعدها تم نقلهم إلي المستشفي الجامعي بشبين الكوم ، والتي رفضت – كذلك – علاج  المصابين ، فشَرَع َمرافقو أصحاب البلاء في البحث عن مستشفي خاص لإنقاذ حيواتهم !

وربما لعدم وجود الكفاءة الطبية الكافية أو بسبب عامل الإهمال داخل المستشفي الخاص التي عُولِجَ بها المصابون أو ربما بسبب إرتفاع نِسبْ الحروق بأجسادهم ، ساءت حالاتهم يوماً بعد يوم ، فمعظم المحروقين كانوا يتعرضون لأعراض مرضية واحده ، وهي إرتفاع شديد في درجة حرارة الجسم ، ثم تتم الوفاة بعدها بساعات ، حتي فوجئنا  بأرواح ثلاثة من شباب الحريق تفيض لبارئها سوياً في يوم واحد ، وفي اليوم التالي لحقت بهما روح الفقيد الرابع ، ثم لحقت روح الفقيد الخامس بهم في اليوم الذي تلاه !!

ليظل شهر مايو من عام 2018 ميلادية ، مُخلِداً لذكري شهداء الحريق ، وليسكن الحزن طويلاً داخل أفئدة أمهات قرية الرمالي ونسائها وشيوخها ، عرفاناً بفضل أصحاب الأرواح الزكية الذين لاقوا الموت ،غير فارين منه..ماتوا لكي نحيا ونأمن من خوف.

تضرُع ودعوات لمَنْ قبضهم الموت في المُصاب الأليم بأن يرحمهم الله ، وأن يَلْطُفْ بمن لا يزالوا يتوجعون من آثار الحريق الذي بطشْ !!

amirshafik85@yahoo.com

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى