خواطر من بادية اليمن بقلم الشيخ شايف ابو حاتم
في ليلة من الليالي الماضية، ليلة مظلمة شديدة السواد، أستيقظت مذعوراََ من نومي على أصوات شديدة تكاد تهز منزلنا الموجود في وادي ثاجر بقبيلة نهم-محافظة صنعاء-والذي يتكون من عشب وطين وحجر.
رحت ببطء إلى النافذة لأعرف ما الذي يحصل؟! وما حقيقة هذه الضجيج؟!
يا للهول! ماهذا الذي لا أراه؟!
أفرك عيناي بلطفِِ وأكتم نفسي لبرهةِِ عسى أن أعرف حقيقة ما الذي يجري وما يدور من حولي.
رويداََ أَمدُّ يدي اليمنى لفتح النافذة غير أنها سبقتني بفتح نفسها ليصتدم مصراعيها بحافة أصابعي فتألمني وتعزز من إندهاشي وتزيد من إستغرابي.
فجأة! ولثانيتين يظهر نوراََ من طرف السماء..أنتهز الفرصة وأرى من خلالها طشات غيثِِ وابلِِ سابلِِ تهطل متسارعة ومتتالية قد جعلت من نفسها خيوطاََ تربط السماء بالارض وتقبّلها فيرتسم لي أجمل منظرِِ وأقوى صورةِِ وأعمق لوحةِِ أرمق من بين خيوطها ما يلوح خلفها من إبتسامةِِ حسينيةِِ أثلجت صدري وأنتزعت كل ما بداخلي من خوف وذعر لتخلق لي راحة وطمأنينة لا استطع أن أحلل عقدة من لساني للتعبير عنها لتفقهوا وصفها.
يستمر العلي برعده..يصِّوت له..يناديه، فيجيبه فقط ببسمته ويكتفي بلمعانه.
فجأة! هدأ كل شي وأختفىتماماََ.
بعد ذلك إني آراني أسمعُ تحتحة وخرير السيل يطربني ويوشك على الوصول.
ياويلي! يتوجب علي أن أستقبله وأسبقه.
أخذت كشافي بيدي اليسرى، التقطت معولي باليمنى ثم انطلقت.
مشيت بوادي جدي الواسع والعريض المليء بالذرة، اقطع الجربة تلو الجربة، أتسابق انا والسيل وبالكاد سبقته.
شمرت عن ذراعي، كشفت عن ساقي، وماهي إلا لحظات فَيَصل، وببرودته يلامسني وينساب من بين قدماي ليشعرني بالانتعاش. وجهته ووزعته لهذه القطعة وتلك ثم جلست على مقربة أنظر وأنتظر.
شَرِبَت الأرض، سُقِيَت الاشجار ورُوِيَت الذرة والزهر والثمار.
أخذت نفساََ طويلاََ وزفرت زفرة ثخينة ثم عدت إلى منزلنا فأكلت ما يتوجب علي أن آكله ونِمت..نعم نِمت..وبعمق.