تنافر الأطراف وكل يحب الوطن

تسع شعوب العالم في كل بقعة من بقاع الأرض نحو تحقيق الإستقرار ويبذلون الغالي و النفيس للوصول إلي وفاق وطني في الفن والعلم والحضارة والدين والسياسية ………
وما كان سعي أبناء جنوب السودان نحو الانفصال عن الدولة السودانية إلا اعتقاداً منهم في أن الدولة المستقلة هي الاّلية الأنسب للتحرر بكل أبعاده ……
ليباغتوا بعد ذلك بمخاطر وتحديات لم يكن يخطط لمواجتها …. من الانشقاقات بين التيارات السياسية الجنوبية والاقتتال بين الجماعات الإثنية لتصفية قضايا ثأرية إثنية قديمة والافتقار الي الإدارة الرشيدة لإدارة البلاد سياسياً وإقتصادياً ووجود الضعف التنظيمي والانشقاق ناهيك عن هشاشة الدولة ورخاوتها ………
وبالتالي تحول الوضع من تباين الأراء و إختلاف وجهات النظر إلي صراع داخلي علي الثروة والسلطة يستمد إمداده من النزاعات الإثنية والتنافس الشخصي بين عناصر النخبة السياسية والتدخلات الخارجية فهو غير مدفوع بأي دوافع ايديولوجية أو دينية أخري ….والنتيجة تدخل خارجي وقتلى ونازحين ……
وما كانت الحرب الأهلية في الصومال إلا للأختلاف في وجهات النظر بين أشراف القبائل وإنقسامهم إلي تحالفات وإتحادات عرقلت سير العملية السياسية خاصة فيما يتعلق بالبرلمان والإنتخابات الرئاسية …علاوة علي التعصب القبائلي الأهوج…..و تدهور أجهزة الدولة وعدم قدرتها علي تأدية مهامها الأساسية لأنها تحتاج إلي تأهيل لتسير أمور المواطنين ناهيك عن تفشي الجماعات إرهابية بفضل الفوضى العارمة التي تحظي بها الصومال……والنتيجة تدخل عسكري وقتلى وجراحى ومصابين ……
وما كانت إحتجاجات ومظاهرات وانتفضات سوريا إلا إيمانا منهم بقدرتهم في تغير أوضاع البلاد نحو نحو إطلاق الحريات ورفع حالة الطوارئ ثم تفاقمت الأمور بفضل رد فعل أجهزة الدولة وتصاعدت الأمور علي نحو غير مسبوق لتتطالب بإسقاط النظام نتيجة إستخدام النظام لأسلحته البرية والجوية ضد المدنيين وتسليح المعارضة بالأسحة الثقيلة حيث تمكنوا من إسقاط الطائرات وتدمير المصفحات ……..وبفضل إختلاف مصالح قوي أجنبية وما بين مؤيد ومعارض للنظام نتج عن ذلك توازن في القوة العسكرية للفئتين المتنحارتين ثم رجحان كافة النظام والسيطرة علي سوريا فيما عدا محافظة إدلب …..والنتيجة …..قتلى ومصابين من بينهم نساء وأطفال ونازحين وتدخل أجنبي كامل ….
وما الحرب الأهلية اليمنية التي تدور بين جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح المدعومين من ايران من طرف، والقوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي المدعومين من السعودية والإمارات والبحرين والكويت ومصر من طرف أخر، إلا نتيجة لعدم التوصل لأي اتفاق بين الأطراف المتقاتلة، علي الرغم من أنهم جميعا لا يريدون سوي رفعة البلاد وتحررها، فيما يهاجم مسلحو تنظيم القاعدة الطرفين السابقين علي حد سواء……….
إلي هنا نجد أن القاسم المشترك في كل هذا عدم الموضعية و الإفتقار للغة للحوار بين الأطراف وتعصب كل طرف لرأيه تعصباً أعمى دون سماع ومناقشة الطرف الأخر …..ولربما أستمع لمجرد السماع دون حمل ذلك الرأي محمل الجد ودراسته ومناقشته …….
كمان أن الأمر في بدايته ما هو إلا إنطلاقة من واجب واطني يحتم علي المرء إنفعالته نحو قضية ما …..تتحكم في عواطفه واتجاهاته …. ليجد نفسه بعد ذلك في مرحلة متقدمة من صراع العروش …..
فلا مناص إلا الاستفاقة والبحث عن مسار جديد هدفه الأول والأخير مصلحة الوطن بالتحاور والمشاورة دون التقاتل والتناحر في ظلام دامس ….وتحاشي الرشوة و الأعتبارات الشخصية …. والتزام الموضوعية والحيادية التامة …
نظرية المؤامرة والتخوين تعد قاسم مشترك في إحباط سبل التفاهم والتواصل بين الأطراف علاوة علي إقصاء بعض الأطراف وتبادل الأتهامات بدلاً من الجلوس حول مائدة المناقشات للوصول إلي حلول ترضي الجميع……..
وربما كان تعنت بعض الأطراف هو السبب الرئيسي في إستمرار الأزمات ويكأن هذا التعنت لأجل التعنت وحسب ….
ربما كان التعليم هو السبب………. ربما لم يتعلموا أداب الحوار…..
وربما كانت رغبتهم القوية في السلطة……..وتمكن حب المال والشهرة من قلويهم….
ولا أدري ما ستخبرنا به الأيام القليلة القادمة….
هل سيتعلم الفرنسيون من تجارب الشرق الأوسط وإفريقيا؟
علي خلفية مظاهرات أصحاب السترات الصفراء
أم أن