الجنة الخضراء التي تتنفس سياحة
تونس كما لم أراها من قبل

تونس كما لم أراها من قبل
الجنة الخضراء التي تتنفس سياحة
روبرتاج : هندة طوبال
زرت تونس الخضراء عشرات المرات على مدار أكثر من عشرين سنة ، فقد كانت دوما وجهتي المفضلة لقضاء العطلة الصيفية واحتفالات رأس السنة الميلادية وحتى للتداوي ، وكنت متيقنة أنني أصبحت اعرف هذا البلد السياحي المضياف جيدا لتأتي القافلة الإعلامية السياحية التي نظمها الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين بالتعاون مع الديوان التونسي للسياحة بالجزائر ، إلى أجمل المدن التونسية وتثبت لي العكس فقد بينت لي أني لم اكتشف من سحر وكنوز تونس الخضراء إلا القليل فقد كانت فرصة لي لأعيد اكتشاف المدن التي طالما زرتها من جديد وارى فيها جوانب وأماكن عديدة لم أرها من قبل وكذلك ازور مدنا أخرى لم أزرها سابقا.
سوسة : امتزاج عبق التاريخ بزرقة البحر وبفخامة الفنادق ومراكز الترفيه
محطتنا الأولى في القافلة الإعلامية السياحية كانت مدينة سوسة التي تعد الوجهة السياحية الأولى والمفضلة للجزائريين ففيها يتعانق عبق الحضارة والتاريخ بجمال الطبيعة وزرقة البحر وفخامة الهياكل والمنتجعات السياحية ، إذ توجد بها مدينة عريقة متجذرة في الأصالة عبارة عن متحف مفتوح على الهواء الطلق وهذا ما جعلها تصنف من بين معالم التراث الإنساني من طرف اليونسكو سنة 1988، ومن بين أهم المعالم الأثرية رباط سوسة الذي أسس في القرن الثامن الميلادي والذي يعد من أجمل الحصون في الشمال الإفريقي ّ، ناهيك عن جامع سوسة الكبير التحفة المعمارية والصرح الديني البارز في المنطقة ككل.
كل هذه الزخم الحضاري والتاريخي والديني يمتزج في تناغم مع حداثة ومعاصرة رسمتها منتجات سياحية فخمة وفنادق ذات خدمات جد راقية وفضاءات كبرى للترفيه، وخاصة بمرسى القنطاوي ذو الطابع الأندلسي وهو ميناء ترفيهي ومرفأ لليخوت السياحية ذو سمعة عالمية بموقعه الاستراتيجي على ساحل البحر الأبيض المتوسط إذ يوفر أنشطة ترفيهية متنوعة منها الغطس والجولات البحربة المصحوبة بالأغاني والعروض وأشهرها ما يسمى بعروض القراصنة والتي تبهر السياح من كل بقاع العالم بحركات اقرب منها إلى الخيال كالمشي والنوم على ألواح المسامير و أكل الزجاج وإدخال سكاكين وسيوف في الجسم دون أن يتأذى بالإضافة إلى عروض الرقص مع إشراك المسافرين ما يضفي حميمية وجو مبهر على تلك الرحلات، وأمام السائح في مرسى القنطاوي خيارات متنوعة للإقامة بين فنادق جد راقية إلى شقق فندقية تضمن أكثر خصوصية للزبون سيما العائلات .
ولهواة ومحترفي لعبة الغولف من مختلف بقاع العالم توفر مدينة سوسة واحدا من اكبر ملاعب الغولف في تونس ب 36 حفرة والذي يحتضن مسابقات وطنية وعربية وحتى دولية ويعد فضاءا للجذب السياحي بامتياز خاصة بالنسبة للسياح الأوربيين سيما الفرنسيين والبريطانيين والألمان والنمساويين.
ولان السهرات والحفلات الفنية من أهم عناصر الجذب السياحي فان مدينة سوسة توفر عروضا متنوعة تتلاءم ومختلف الفئات العمرية والأذواق، إذ نجد عديد المطاعم الفاخرة وحتى المقاهي الراقية تبرمج حفلات عائلية تقدم عادة الأغاني الشرقية وخاصة الطربية إلى جانب الأغاني التونسية التقليدية والأغاني الجزائرية وحتى المغربية والليبية لتلبية مختلف الأذواق، أما الشباب الباحث عن الصخب فمعظم النوادي الليلية والفنادق توفر سهرات متنوعة بين الأغاني الغربية وأغاني الراي الجزائرية الحاضرة بقوة في الشقيقة تونس في النوادي والفنادق وحتى في الأسواق والمحلات التجارية.
المنستير: تدعو الجزائريين لاكتشافها بعروض جد مغرية
محطتنا الثانية في القافلة الإعلامية السياحية التي نظمها الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين كانت مدينة المنستير مهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة التي استقبلنا فيها بكل حفاوة وكرم المندوب الجهوي للسياحة فواز بن حليمة حيث كانت لنا فرصة لزيارة ضريح الراحل بورقيبة وقصر إقامته الصيفية المشيد عام 1960 ورباط المنستير هذا الحصن الصغير الذي شيد في القرن الثامن الميلادي لحماية الزهاد المسلمين الذين استقروا بالمنطقة في تلك الحقبة وللإشعار بالخطر إذا تعرضت المدينة للغزو ة ، ليتحول اليوم إلى واحد من أهم المعالم السياحية بالمدينة بساحاته الشاسعة وأبراجه العالية وجدرانه المسننة.
وبعيدا عن المعالم الأثرية والتاريخية توفر مدينة المنستير سلسلة من الخلجان والشواطىء ببحرها اللازوردي مع عدد كبير من الفنادق الراقية والتي يميزها عن غيرها توفر اغلبها على المصطحات المائية الكبرى التي تعد فضاءا ترفيهيا مفضلا للأطفال وحتى الكبار إلى جانب انفرادها بحدائق خلابة. وحسب السيد فواز بن حليمة المندوب الجهوي للسياحة بالمنستير فان المدينة لم تكن معروفة جيدا من قبل السياح الجزائريين إلا انه تم لاتفاق مع الديوان التونسي للسياحة فرع الجزائر والوكالات السياحية على التعريف بالمنطقة والترويج لها خاصة وأنها توفر خاصية تنسجم وقيم وعادات الجزائريين وهي تقديم عروض خاصة بالعائلات ككل حيث تضع الفنادق في خدمتها أسعارا مخفضة إلى جانب توفير نوادي للصغار تستقبل الأطفال من العاشرة صباحا حتى الواحدة زوالا ومن الثالثة حتى السادسة مساءا لترك الأولياء في أريحية وإعطاءهم فرصة الاستجمام بكل حرية ، وقد بدأت هذه التسهيلات والعروض تجذب الجزائريين الذين ارتفع عددهم في السنتين الأخيرتين ومع ذلك يبقى ذلك قليلا مقارنة بطموحات المندوبية الجهوية للسياحة التي تسعى جاهدة إلى التعريف أكثر بإمكانيات المدينة سيما من خلال استضافة الوفود الإعلامية الجزائرية ومسؤولي الوكالات السياحية ناهيك عن الترويج الالكتروني عبر المواقع الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي.
المهدية: الوجهة المفضلة للباحثين عن الهدوء والسكينة
تعد المهدية والتي كانت أول عاصمة للدولة الفاطمية في القرن العاشر مدينة سياحية بامتياز إذ يؤكد المندوب الجهوي للسياحة السيد محمد مجدالية أنها تتوفر على 27 نزلا بطاقة استيعاب عشرة 10700 سرير ناهيك عن خمس محطات معالجة بمياه البحر و 28 وكالة سياحية وتقدر الاستثمارات في القطاع السياحي ب550 مليون دينار تونسي مع توفير 150 مليون دينار من العملة الصعبة وأربعة ألاف منصب عمل، وسجلت المدينة ارتفاعا في كل المؤشرات السياحية سنة 2018 حسب ذات المصدرحيث زارها 250 ألف سائح من جنسيات مختلفة وياتي في الصدارة التونسيون وبعدهم الروسيون بنسبة 30 بالمىة من العدد الإجمالي للسياح.تتوفر المهدية على مدينة عتيقة بها رواق شهير يسمى بالسقيفة الكحلة وهو سوق تباع فيه ملابس الأعراس المطرزة والمذهبة، بالإضافة إلى ورشات ومحلات للنسيج الذي يعد من أشهر الصناعات التقليدية بالمنطقة ، إلى جانب ميناء صيد يعد من اكبر الموانئ في تونس ككل، ولا يمكنك الخروج من المهدية دون أن تمر بقصر الجم وهو مسرح اثري أدرج سنة 1979 على لائحة مواقع التراث العالمي من طرف اليونسكو، ليتحول اليوم إلى ركح لأهم الفنانين العالميين إذ تقام فيه سنويا مهرجانات وحفلات لفرق عالمية. ولان الفن والمهرجانات من أهم عوامل الجذب السياحي فان المهدية تحتضن عديد المهرجانات على مدار السنة على غرار مهرجان الأغنية السمفونية ومهرجان عيد البحر ومهرجان الحرير ومهرجان التراث ومهرجان الزيتون.لكن رغم هذا الزخم التاريخي والفني والسياحي حيث تجمع المهدية بين السياحة الشاطئية التي تأتي في الصدارة والسياحة التراثية والسياحة الاستشفاىية وسياحة المؤتمرات إلا أنها تظل وجهة مجهولة بالنسبة للسياح الجزائريين إذ تبقى أعدادهم جد ضئيلة ما جعل المندوبية الجهوية للسياحة حسب المشرف الأول عليها السيد محمد مجدالية تسطر خطة عمل محكمة مع فرع الديوان التونسي للسياحة بالجزائر للترويج للمدينة مع المشاركة في مختلف المعارض والصالونات السياحية المنظمة بالجزائر كما تمت دعوة عديد الوكالات السياحية الجزائرية لزيارة المنطقة والترف عن قرب على مقوماتها ومنتجاتها السياحية.
صفاقس : الوجه الأصيل لتونس
صفاقس ثاني المدن التونسية من حيث المساحة وعدد السكان تعد نموذج للمدينة التي حافظت على أصالتها وعراقتها بأسوارها المسننة المشيدة في العصور الوسطى وجامعها الكبير الذي بني في القرن التاسع وتنوع الأنشطة الثقافية ما أهلها لتكون عاصمة للثقافة العربية سنة 2016، ففيها سور المدينة ومدخل باب الديوان والمتحف الشعبي الشهير دار جلوللي وهو قصر جد جميل يعود تشييده إلى القرن 18 بالإضافة إلى الأسواق التقليدية العريقة اين تعج بالدكاكين وورشات الحرفيين الذين حافظوا على الصناعات والحرف التقليدية من الزوال ، لكن رغم هذا الثراء تبقى الحركية السياحية في المنطقة ضعيفة وحسب المندوب الجهوي للسياحة السيد توفيق القايد فان المندوبية وضعت مخططا استراتيجيا لتسليط الضوء أكثر على مقومات المدينة من خلال وسائل الإعلام التقليدية وكذا عبر الإعلام الجديد بالتنسيق مع فعاليات المجتمع المدني والجمعيات الشبابية ، وحسبه فان من أجمل الأماكن السياحية بالجهة جزيرة قرقنة الخلابة وهي عبارة عن أرخبيل يتكون من جزيرتين رئيستين غربية وشرقية ب 12 جزيرة صغيرة أين تجتمع زرقة البحر بالرمال الذهبية باخضرار الحدائق.
القيروان: درة السياحة الدينية والثقافية
إن كنت تبحث عن السلام الروحي والسكينة وتنشد الغوص في التاريخي الإسلامي وترغب بزيارة أهم المعالم الثقافية والأثرية فلا تبحث كثيرا هنا وهناك فالقيروان أول عاصمة للمغرب العربي توفر لك كل هذه الخيارات، بتراثها الإسلامي المميز الذي أهلها لتكون عاصمة لثقافة الإسلامية سنة 2009، ومعالمها التاريخية والثقافية والأثرية التي صنفت ضمن التراث العالمي من طرف اليونسكو سنة 1988، وتستمد هذه المدينة الخلابة مكانتها من كونها أول مدينة يدخلها الإسلام في شمال إفريقيا ما جعلها تضم حاليا عددا هائلا من المساجد أشهرهم على الإطلاق جامع عقبة ابن نافع ، كما تتوفر على عدد معتبرا من الأضرحة ومقامات الصحابة الكرام، وطبعا لا يمكنك مغادرة القيروان دون زيارة احد أقدم الآبار في تونس وهو بئر بروطة الواقع في قلب المدينة وسط المباني التراثية أين لازالت المياه تستخرج من الأعماق بطريقة بدائية جد مثيرة حيث يدور جمل حول البئر وقد تم ربط عدد من الجرار حول عجلة أو اسطوانة وكلما دار الجمل تخرج الجرار الماء وتصبه في بعضها البعض ويصب منها في إناء كبير يسقى منها الزوار حيث يعتقدون أن مياهها تشفي من العديد من الأمراض، كما تحكي الروايات الشعبية أن من يشرب منها يعود إليها.
والقيروان هي عاصمة الزربية حيث تشتهر بهذه الصناعة التقليدية العريقة ويوجد سوق شهير يسمى بسوق الربع أين يباع السجاد المتقن الصناعة ، وبالمدينة أسواق كثيرة كسوق العطارين وسوق النحاسين وسوق الخضار، كما تعرف المنطقة ببيع الحلويات وأشهرها على الإطلاق المقروض المحشو بالتمر أو اللوز.
الحمامات : عنوان للمتعة والإبهار والرفاهية
قلما يجتمع في مدينة واحدة السحر الذي اجتمع في الحمامات فهي مزيج بين الحداثة والرفاهية والتقدم وبين الأصالة والعراقة التي تتجسد في معالمها العديدة كمدينتها القديمة التي تجسد بامتياز فن العمارة التونسية التقليدية بأزقتها الضيقة والمتعرجة التي تحتضن العديد من الأسواق التي توفر كما هائلا من منتجات الصناعات التقليدية والحرف اليدوية مثل السجاد المحلي والقطع الجلدية والأقمشة المطرزة والسيراميك المزخرف، ومن ابرز معالم ومظاهر الأصالة أيضا القصبة وهي قلعة أثرية بإطلالة خلابة على البحر ويعود بناؤها إلى القرن الثالث عشر ميلادي، وبالعودة إلى مظاهر الحداثة والتطور توفر المدينة أول مركب سياحي مدمج في شمال إفريقيا وهو ياسمين الحمامات وحسب المندوب الجهوي للسياحة السيد بدير بوراوي فان ياسمين الحمامات تتربع على مساحة 277 هكتار تتوفر على 45 وحدة فندقية منها 39 فندق قيد التوسيع بطاقة استيعاب أزيد من 19 ألف سرير بالإضافة إلى 8 مراكز للمعالجة بمياه البحر وميناء ترفيهي بطاقة استيعاب 720 باخرة سياحية ، ولعل أشهر فضاء ترفيهي بالمنطقة قرطاج لاند وهو منتزه ترفيهي يحاكي العصر القرطاجي يناسب جميع الفئات والأعمار والذي يتضمن عديد الألعاب الترفيهية والألعاب المائية وسينما خماسية الأبعاد وحديقة حيوانات مصغرة والكثير من المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية .