الناقدة التونسية هدى كريد تقول : الشّاعرة الليبية البارعة / غادة البشارى تخلق من الوجع ترانيم جميلة ولحظة دهشة تلتحم بحروف صادية إلى معنى السّعادة

الناقدة التونسية هدى كريد تقول : الشّاعرة الليبية البارعة / غادة البشارى تخلق من الوجع ترانيم جميلة ولحظة دهشة تلتحم بحروف صادية إلى معنى السّعادة

د. حاتم العنانى (المستشار الإعلامى للوكالة)”مصر”

نص الشّاعرة الليبية / غادة البشاري

***********************************************
لا تطفئيني بغتة
 
“1”
عاشقةٌ مهزومةٌ أنا
قيلولتي حفنة أشواق
وقهوتي منهوكةٌ بملح الفِراق
فمُذ تجنَّى عليّ غيابك
ظمأ في غائلتي سلسبيل الدنيا …!!
 
*********
 
“2”
وعلى حين شهقةٍ غراء
تبللني رعشتها بنكوصٍ مهيب
يتضاءل جسد حلمي
أستفيق
هناك عند تخوم المنتهى
 
ثمة بداياتٍ تلج الضوءَ لسراح أثيم
ثمة أحزان لا تليق إلا بي
 
*********
 
“3”
 
ومضيت للتو
أتوارى في حُرقة الزهر
ممتلئةً برعشة الحقولِ الباردة
وفزعِ الرحيلِ عنك
هكذا أنا … مع كل مساء
أستحيل عروساً
ترتدي احتراقات البنفسج
وتُزفّ إلى ليلٍ سفوحٍ وثنيّ
 
**********

 

“4”
تترصدني .. وظلي
حكاية أفق ابتلع عبء التراب
فتلعثم إيابُه عند شفاه الضوء
وسال نحيباً سخيّاً كسكيب دماء الشفق
 
لا تطفئيني بغتة
دعيني أرتق عتمتي على مهل ..!!

نقد النص للنافدة التونسية هدى كريد (أستاذ اللغة العربية)

************************************************************

فلول النّور و ملحمة الدّيجور

************************************

إلى مخاطبة مبهمة يتوجّه الكلام في العنوان وهو عتبة النّصّ .رسالة تحمل في طيّاتها معالم الغرابة .أنثى لا ترفض الغياب وإنّما تكره أن يحدث فجأة.تخيّب الكلمات أفق انتظارنا خيبة جميلة ،دهشة هي روح النّص من البدء إلى المنتهى.وحين يكون الغياب هو المشتهى يصول الاستسلام ويجعل التّجربة الشّعوريّة عجزا وخلاء. مشهد البدء اعتراف بالهزيمة في مضمار العشق .فتتصّدرالتّركيب راية الخذلان النّكراء عبر التّقديم (عاشقة مهزومة أنا) وتعزف لحون الحزن في ما زوشيّة من يستعذب الألم. من هنا تحتشد دوالّ العدم (الفراق، ملح ،ظمأ، نكوص،أحزان، الباردة،الرّحيل ..) ولا شيء يبعث على الدّهش أكثر من شهوة فناء في العشق .ولا غرابة أكثر من بدايات تستوي بالنّهايات وزغاريد كالنّوح..لاتدري إن كان عرسا أو مأتما. كأنّما استوت الأضداد إذن في عبثيّة سيزيف .وتذوب الصّور الشعريّة زفرات حرّى.وفي محرقة المشاعر تبرعم المجازات وتحتشد الصّور عبر توليفة بصريّة رباعيّة بصريّة. تتشظّى الأطراف متباعدة كعقاب من قطّعت الخيول أطرافه..المسيح بالقوة حاضر في العذابات .وكلّ رمز تاريخيّ أو أسطوريّ يتضمّن العذاب كامن بالضّرورة في الصّورة باعتباره معادلا ذاتيّا .ولعلّ الايقاع البصري لايقتصر على التّرقيم بل يتعدّاه الى النّجوم المتهاوية إلى الأرض،سطح القصيدة.وفي النّثيرة يتعاود العنوان لازمة صغرى تقوّي أجراس الايقاع. رتق كالفتق داخل الظّلمة.انّ التّجربة تطفح بالألم لكنّ الشّاعرة البارعة تخلق من الوجع ترانيم جميلة ولحظة دهشة تلتحم بحروف صادية إلى معنى السّعادة .ونحن في لهاث دائم وراء الجدّة في الصّورة تطالعنا بما لم نتوقّع .أشبه بوهم أو حلم يسفّه واقعا .مكيدة جميلة يحوكها قلم روّضته الكاتبة اللّيبيّة غادة البشاري.

هدى كريد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى