نهضت اليوم باكراً..من رواية بلاد القبلات للروائية العالمية لونا قصير
نهضت اليوم باكراً ..من رواية بلاد القبلات للروائية العالمية لونا قصير

الأديبة العالمية / لونا قصير
نهضت اليوم باكرا كالعادة متحمسة، ألقيت نظرة على النافذة، شمس الصباح المشرقة تعدني بكثير من الآمال.. كان الوقت ضيقا والموعد بعد ساعة..يجب أن أقرر ماذا أرتدي، الوقت يداهمني.. أخيرا قررت فكان القرار نفسه: سروال قديم لم يزل في حالة ممتازة، وقميص فضفاض يفي بالغرض ويخفي شوائب كثيرة. وقفت أسرح شعري، جمعته بسرعة، الوقت يمر، وأفكاري مشوشة.. ألقيت النظرة الأخيرة على المرآة قبل خروجي من المنزل وأخذت حقيبتي التي لا تبرحني أينما ذهبت..
يقال عنه إنه شخصية مهمة في عالم السياسة ولديه شركات كثيرة ومتمكن في عمله.. التقيته من قبل في عدة مناسبات لكن لم يجري بيننا أي حوار مباشر.. طلبت منه أن نلتقي في مكتبه ولكنه عرض علي أن نجتمع في مطعم مشهور متحججا أن المكتب بعيد وسيوفر علي تكبد مشقة قيادة مسافة طويلة.. وافقت، فالمطعم عائلي وأين المشكلة؟
أخيرا وصلت ودخلت المطعم، لم يكن من الصعب التعرف إليه، فقد التقيته من قبل مع زوجته عدة مرات.. كان جالسا وفي يده سيجار، وكأسه أمامه.. اتجهت إليه وسلمت عليه.. وقف وأزاح كرسيا كأي رجل تعلم أصول التعامل مع النساء، واللياقات الاجتماعية.. شكرته جلست ووضعت ملفاتي على الطاولة.. عرض علي كأسا من الويسكي.. لكنني رفضت متحججة بالمرض.. ساد الصمت وراح يتأملني بنظرات ثاقبة..
يبدو أنه ينتظر منذ ساعات والكأس التي على طاولته ليست الأولى.. إنه اجتماع عمل وليس سهرة أو لقاء حميما!!! ومن المفترض أن يقتصر على فنجان قهوة..
-
كيف حالك؟
-
الحمد لله..
-
كيف العمل؟
-
أشكر الله..
-
هل أنت سعيدة في عملك الحالي؟
-
لا بأس..
-
أريد أن أسألك سؤالاﹰ شخصيا لو سمحت؟
-
تفضل..
-
لماذا كلامك مبهم، وأجوبتك مختصرة في كلمات؟ غريب أمرك يا سيدتي؟
-
لا أبدا تسألني وأجيبك.
-
لماذا تعملين؟ أنت سيدة جميلة جدا، وألف رجل يتمنى وجودك معه؟
-
لم أفهم قصدك، و هل العمل حكر على الرجال فقط؟
-
لا لا أبدا!! أحببت أن أعرف وخصوصا أنك من عائلة ميسورة.. لكن يبدو أن ظروفك صعبة هذه الأيام.. هذا ما سمعت.. لذلك أردت أن أتحقق من الشائعات فقط لا غير.. تفضلي سيدتي ماذا لديك؟
باشرت بالشرح والكلام عن العمل، وما تقدم شركتنا من خدمات، وأفسر له بشغف..
نظراته الغريبة، كانت توحي لي أنه لا يسمع شيئا.. يبدو شاردا في عالم آخر .. ينظر إليّ فقط ويومئ برأسه وينفخ سيجاره بقوة .. أكاد لا أرى ملامح وجهه من عبق الدخان.. لكنني لم أتوقف، علني مخطئة!!!
أخيرا ابتسم.. لمت نفسي لظني به، فابتسامته أوحت أنه اقتنع ومشواري الطويل لم يذهب سدى.. وباشر الكلام من جديد..
-
تعلمين كم أنت جميلة!
-
شكرا..
أمعن النظر إلي، لعل عينيه الذابلتين قد تغريانني.. وبدأ يستفيض في الكلام عن نفسه وأحلامه وتمنياته، وأخيرا باح البطل بغرامه، قائلا:
-
أنا يا سيدتي الجميلة، جلت العالم وعاشرت أجمل نساء العالم وجميعهن أغرمن بي..
-
جميل ولكن ما علاقة هذا الكلام بعملنا؟
-
كيف لا؟ أنتظر هذه اللحظات منذ سنوات جميلتي!
رحت أردد بيني وبين نفسي: يا لها من بداية جميلة.. يبدو أن الصفقة ماتت قبل أن تبدأ، ويبدو أن البطل مغرور جدا، ولم يلق نظرة على مرآته قبل الخروج من منزله معتقدا أنه يستطيع أن يشتري نساء العالم بجاهه وماله..
يكمل بوقاحة..
-
سيدتي من بين مليون امرأة.. لم تعجبني إلا واحدة أو اثنتان.. بكل صراحة أنت تلك الواحدة من المليون!!
-
أشكر إعجابك لكن أرجوك أنا هنا من أجل هدف معين وأنت تعلم جيدا سبب قدومي!
ابتسم أمام ارتباكي الواضح لهذا الموقف الغريب وراح ينفخ سيجاره أكثر وأكثر.. كأنه يحاول أن ينسج في رأسه قصصا زائفة قبل استسلامه الأخير.. علمت ما سبب اجتماعه في المطعم وماذا وراء هذه الأنشودة؟ تجمدت في مكاني..
فجأة اختفت ضحكته، وعقد حاجبيه.. فبدا إنسانا آخر، ينظر إلى كأسه، ولكنه لا يجرؤ أن يشبك عينيه في عينيّ كي لا تنفضح مجاملاته الكاذبة أمام غاية قد خطط لها.. وراح يكمل بسخرية..
-
»حبيبتي كم أنت بريئة.. أنا أعرض عليك بكل بساطة كل ما تتمناه أي امرأة.. ما همك من العمل والركض يمينا ويسارا.. قولي لي ما تشتهي نفسك وأنا مستعد أن أنفذه لك.. شرط أن تقبلي أن تكوني حبيبتي«.
ساد الصمت.. أفكر.. ماذا أفعل؟ كان لا بد لي أن أتصرف.. هل أرمي فنجان القهوة في وجهه فيستفيق من سكرته المضحكة! إنه ليس وقحا فقط بل متعجرفا! أم أصبر وأحاول أن أذكره من جديد بطريقة لبقة عن سبب اجتماعي معه…
تمالكت أعصابي وقلت له:
-
أقدر لك عرضك ولكن لا أصبو إلى كل ما عرضته علي.. أنا هنا للعمل .. أشكر مديحك لجمالي.. أنت رجل شهم وذو ذوق، وأنا أقدر لك ذوقك الرفيع لاختياري من بين مليون امرأة.. لكن تعلم أنني امرأة متزوجة، وأنت تعرف زوجي فكيف تكلمني بهذه الطريقة!
جوابي له فيه الكثير من الازدراء، لقد علم أن في كلامي سخرية فاضحة. خلع نظارتيه عن وجهه بعصبية.. بان الغضب على وجهه، وراح يضحك بطريقة هستيرية مما لفت جميع الأنظار إلى طاولتنا. إنه فعلا مصاب بداء العظمة.. علمت أنه سينتقل إلى الخطة الثانية وهي التحطيم المباشر..
-
أنت يا سيدتي لا تفهمين.. وأعتقد أن لديك من البساطة ما لا يوصف.. كيف لامرأة أن ترفض هذا العرض المغري؟
بدأت الإهانات المباشرة!! وأصبح كلامه جارحا.. ها هو الآن ينعتني بالبساطة والغباوة.. كأنه ندم على كلامه وبدأ يسألني أسئلة ليصعب مهمتي، ويفتش عن وسيلة للخروج من هذا المأزق بطريقة مشرفة..
وقفت بعصبية!
-
شكرا لك، يجب أن أذهب.
-
توقفي.. لا تذهبي.
أصررت على الذهاب، لم يعد لدي أي شيء أقوله وأي كلمة أخرى منه سأفضحه في المطعم، ولا أريد افتعال أي مشكلة أو فضيحة أهين نفسي من أجل رجل تافه.
ثم قال بسخرية:
-
دعيني أفكر وأتصل بك غدا.
-
شكرا..
خرجت من المطعم خائبة. شعرت بالغضب، لكنني لم أعد أخاف منه اليوم. لن أتراجع، عزيمتي أقوى منه. أمشي وأتمايل يمينا وشمالا، في معركة ضارية مع الرياح القوية.. كدت أن أتوقف فخطواتي الضعيفة لن تستطيع مجابهة في كل مرة أعاصير تفوق قوتي آلاف المرات… هل يجب أن أتحدى الطبيعة، أم أنني أريد أن أخوض معارك لا أعرف نهايتها، لكن مهما جرى سأقول: حاولت كالمرات السابقة..
كنت أستطيع أن أرحل من أول ما ابتدأ الكلام ولكنني لم أفعل.. في قناعتي، أن بعض الرجال يحاولون إظهار عقدهم ولكن البعض الآخر لديهم الكثير من الذكاء فهم يحترمون أنفسهم وينتبهون إلى سلوكهم.. لكن يبدو أن صديقنا لا يهتم ولا يأبه.. اعتقد أنه يستطيع امتلاك كل شيء بماله..
كنت لا أزال في طريق العودة وإذا بالهاتف الخليوي يرن.. إنه هو!!!
لثانية شعرت أنني ظلمته.. سيعتذرمني حتما، ويندم على تصرفاته. رددت بلهفة، لكن من كلمة آلو حزرت من صوته أنه لا يبشر خيرا..
– آلو.. سيدتي الجميلة، لقد فكرت كثيرا.. إسمعي جيدا.. إنك حقا بسيطة لرفضك طلبي وافهمي أنني لا أريد العمل معك، ولن أقبل إلا إذا ﹺوافقت على شروطي.. فكري جيدا..
وأغلق الخط في وجهي…
بكيت يومئذ لإهانته لكن لثوان فقط.. كم من مرة التقيت بأمثاله لكنني أعترف أنه أخذ الميدالية الذهبية برتبة حقارة مميزة.. عدت أدراجي من حيث أتيت.. أفكر ..
تآلفت مع ظمأ النفوس الجائعة، ولم تعد تستطيع أن تؤثر بي ولن أذرف الدموع بعد اليوم.. إن جاءوا ليأخذوني معهم إلى دنياهم..
غشاوتهم لن توقفني ولن ترعبني..
ومهما كانت الممرات ضيقة.. مهما كانت الطريق صعبة.. غاب عنهم أنهم مهما حاولوا أن يعموا بصيرتي.. فسأبقى قابعة في هالة تشع نورا.. أقوى من أي ظلام ومهما طال شأنه.. فالسلام عليهم وعلى دناءتهم التافهة.
غضبت منه كثيرا.. وعاودت الاتصال به لأقول له:
– إفعل ما تشاء.. فالأشياء عندي سواء.. فكيف إن كنت أنت شيئا من الأشياء..
وأغلقت الخط أنا هذه المرة.
التقينا بعدها عدة مرات في حفلات لجمعيات كالعادة.. لم أكلمه ولم يكلمني..
الروائية اللبنانية المبدعة”لونا قصير”… أمينة الرواية والقصة

{ليس الحياة بأنفاس نرددها * إن الحياة حياة الفكر والعمل}
الاسم : لونا أحمد قصير
الجنسية : لبنانية – فرنسية
النشاط : (أديبة)
1- روائية
2- عضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين
مسقط الرأس والمنشأ:مدينة طرابلس-لبنان
(أتمت علومها فى مدينة طرابلس ، و بسبب نشوب”الحرب الأهلية اللبنانية” سافرت مع أهلها إلى فرنسا. بعد سنتين من الإغتراب، آثرت العودة إلى لبنان حيث أمضت “لونا” خمساً من ربيع عمرها في “مدرسة مار إلياس”، و تخرّجت منها شابّة واعدة، في مقتبل العمر، لتلتحق بمدرسة الحياة، وهي الأصعب والأقسى. تركتنا “لونا” حبلى بالأماني، تحبّ الحياة وتصبو إلى جمالات تملأ الآفاق و أمدائها اللامتناهيّة..)
**رحلة الحياة والإبداع :
سنة ٢٠٠٦، هاجرت إلى البلدان العربية و تحديداً قطر ومن ثم انتقلت إلى سلطنة عمان للعمل في المجال الإداري. عملت في مجال التسويق في لبنان لسنوات طويلة ومن ثم سافرت إلى الخارج للعمل.
بدأت الكتابة اليومية منذ عمر مبكر، لكنها لم تتجرأ أن تخوض عالم الكتابة إلا منذ عام 2014، صدر أول باكورة أعمالها .. كتابها الأول (القميص الزهري) الذي تم توقيعه في “مؤسسة الصفدي” في لبنان، طرابلس في شهر نيسان ٢٠١٤..
الإصدارات الأدبية:
1- كتاب “القميص الزهري”: نصوص متنوعة، وجدانيات وخواطر وقصص قصيرة ، باكورة أعمالها / 2014
2- رواية “بلاد القبلات” دار الفارابي لبنان بيروت/2015
3- رواية “فراشة التّوت” دار أبعاد لبنان بيروت / 2016
4- راوية مرآة الروح / مؤسسة شاعر الفيحاء الثقافية/2018
(((تم اختيار القميص الزهري ورواية بلاد القبلات ورواية فراشة التوت ورواية مرآة الروح من قبل لجنة الوطنية التابعة لوزارة الثقافة اللبنانية لقيمتها الأدبية وذلك خلال الأعوام 2014، 2015، 2016، 2018)))
{{{شاركت شعبة المبدعين العرب، ودعيت كأمينة للرواية والقصة القصيرة.. 2014، مصرـ القاهرة}}}
1- دراسة أكاديمية في كتاب : الأدب القصصي في لبنان الشمالي/ د. نزيه كبارة. 2015 (لبنان)
2- دراسة أكاديمية لرواية “فراشة التّوت” برعاية د. إيمان عبد المالك الحلو عميد كلية التربية للبنات، وبعناية الباحثين المشاركين في “المؤتمر العلمي الدولي” الثالث الذي تنظمه جامعة “الكوفة” في “العراق”، فقد فكك الباحثون: د. أنسية أبو القاسم خزعلي و د. رقية رستم بور (جامعة الزهراء) ود. عواد الغزي، (جامعة ذي قار) البُنَيَّة السردية في الرواية واتخذوها نموذجاً للرواية المعاصرة في تجليات المتاهة السردية. 2017 ( العراق)
3- دراسة فيزيائية ( المعنى السردي) أثر الفراشة في رواية فراشة التّوت/ دار ماهر/ للأستاذة زينب لوت ( الجزائر) 2017
4- دراسة أكاديمية لرواية “بلاد القبلات” ورواية “فراشة التّوت” ونقد في كتاب: ثمانون كتاب في كتاب/ د. مصطفى الحلوة 2017 (لبنان)
5- كتاب حوارات – مقابلات مع كُتاب من جميع أنحاء الدول العربية- مصطفى بو غازي- الجزائر
6- كتاب قيد الإنجاز- أستاذ جورج طرابلسي – عنوانه: علمتني الحياة
7- دراسات ونقد أدبي نشرت في صحف عدّة في لبنان والعراق ومصر والجزائر والكويت وباقي دول الخليج وباريس..
8- ترجمة نصوص من كتاب القميص الزهري من اللغة العربية إلى اللغة الأمازيغية.. المنار الثقافية الدولية
9- مقالات من قبل نقاد عن الرواية نشرت في صحف عدّة، منها الأنوار والبيان وجريدة الرؤية والجمهورية والإنشاء واللواء وغيرها
10- مقابلات تلفزيونية مع العديد من قنوات التلفزة والمحطات الإذاعية والصحف والمجلات المحلية والعربية.
11- مقالات عديدة نشرت في الصحف العربية..
12- دراسات أكاديمية ونقدية من قبل دكاترة في لبنان والجزائر والمغرب والعراق، وثقت في كتب البعض منها نشر والبعض الاَخر قيد الطباعة..
13- رواية غرفة مغلقة ستصدر في آوائل عام 2019- اللغة العربية وتترجم حاليا إلى اللغة الفرنسية..
((أديبة تكتب حتى إذا نضبت محبرتها وجفت فتكتب بدمائها))
((لقد حاولت أن أقدم بعد خيوط من نسيج عمر الروائية اللبنانية المبدعة / لونا قصير لكننى لم استطيع أن أوفيها حقها لما قدمت من عطاء .. تحياتى لكى يا نهر العطاء))
والله ولى التوفيق