أن تكتب طفلة فذاك أمر عادي .خربشات أو اندفاعات عاطفة أو حفلة مجاز تُرتدى فيها أقلام مستعارة.أمّا هذه الكاتبة فوجه آخر للإبداع بكثير من معايير القصّة القصيرة.فقد وصفت المكان حقيقة ورمزا فبدأ لنا كالوجود المليء بالأشواك واعتنت بالزّمان ..وانساقت إلى إضمار للتّكثيف.علاوة على إشارة استباق بارعة في الشجرة المقسومة الى نصفين تمهيدا لقطع الرّأس.والبنية الهرميّة واضحة بنسقها التّصاعدي.وليس يخفى ذاك الاجتهاد في تكريس وحدة الموضوع وتقصّي حدث مهمّ هو معاناة الضحيّة من وحشيّة الإرهاب انتهاء الى الذّبح ،شأنه في ذلك شأن كلّ أهالي المنطقة المنكوبة ..فالشخصيّة الرئيسية،تكثّف معاناة جماعيّة.وقد حظيت كلّ تقنيات القصّ بالعناية الفائقة .ووصف الاستبطان يشي بقدرة كاتبة تمتلك مواهب الكبار.جعلت من قلمها وشعورها المرهف والواقع التونسي نسيجا متناغما في حبكة القصّ.ولا أبالغ ان قلت أنّنا توجّعنا للواقعة وللصورة القصصيّة وهي تستعيدها بوعي حادّ تشكّل على ضوء اتّساق في التّصميم وهندسة دائريّة للحدث.
صغيرة في مصاف كاتبة متمرّسة هي ميساء بن ميم ،وذات طبعتها تجلّيات الإنسان في أسمى معاني الإنسانية .وقلم واعد بولادة عالم قصصيّ رحيب تمضيها أيقونة النًور داخل العتمة .