هيرقليون .. مدينة الأشباح

فى ظل غوص العقل فى أعماق البحر هائما بين أمواجه التى تتقاذفه بين الواحدة تلو الأخرى حتى يكون تائها بين أحضانه ، يجهل طبيعة الأمور التى تجرى من حوله حتى يتصادف خلال برهة من الزمن أمام عالم آخر يهيمن عليه ظلام جوف البحر لكن يشع منه طفيف من الضوء بمثابة منارة تنير لكل من يقع عليه عيناه فيجذبه نحو ضياءه وكأنه فى عالم أشبه بالخيال . رحلة عاشها غواص يعشق البحر بل يعتبره بمثابة ملاذ له يضع فيه أحلامه وأحزانه وآماله حتى يصبح مثل الريشة تتقاذفها أمواج البحر فيشعر كأنه ولد من جديد . فى يوما ما قرر هذا العاشق أن يستأذن من البحر بمدينة الإسكندرية الساحرة للوقوع فى أحضانه حتى تمكن من النزول ومن ثم أصبح يغوص ويغوص وكأن أهل البحر بمثابة اصدقاء له يرحبون بوجوده بينهم . ظل هذا الغواص يتجول فى هذا العالم الآخر وهو متعجبا من ذاك العالم المذهل الذى لا يدركه ولا يتمكن من استيعاب ذات الجمال سوى من يراه ، ظل يغوص ويغوص فى عمق يغمره الظلام وكأن الليل حل عليه بين الثانية والأخرى حتى وقعت عيناه على ضوء عجيب وكأنه ضوء يشع وسط تلك العتمة المظلمة . كان متعجبا جدا وظل فى مكانه يتأمل فى ذاك الضوء التى كان بمثابة منارة تضئ عمق البحر كله . قرر أن يقترب من ذلك الضوء وكان الشغف يأخذه إليه دون أن يشعر بذلك ، ظل يقترب ويقترب وكان الضوء يزداد أكثر فأكثر حتى اقترب منه ، بدأ يتأمل عيناه فى محاولة للبحث عن سبب ذلك النور حتى فجأة وجد نفسه وسط عالم خفى يسكن فى قلب عالم ظاهر غير مكشوف المعالم . وجد نفسه وسط مدينة وكأنه واقف على الأرض وليس عائما فى الماء تحمله دون أن تتلامس أرجله تلك الأرض المذهلة ، ظل يستمر فى غوصه بين ذراعى اسوار تلك المدينة وهو يتأملها يمينا ويسارا متعجبا عما يراه . كانت المدينة مدينة فرعونية يرجح تاريخها إلى ١٢٠٠ عاما ، مليئة بالتمثيل الضخمة والأحجار المنحوتة والمنقوش عليها وادراج تأخذه إلى ذلك العالم وكأن الزمن قد أخذه إلى الوراء حتى يتمكن من معايشة تلك الحياة العجيبة التى ما زلنا حتى الآن نحاول فك شفراتها وحلها . كانت تلك هى مدينة هيرقليون التى اختفت منذ ١٢٠٠ عاما ولم يستطع أحد اكتشافها أو محاولة تفسير كيف تم اختفاءها ، بدأ ذلك الغواص يعيش قصتها ويتمحور فى جميع أنحاء المكان ويتأمل كل ركن بها حتى أوشكت أنبوبة الأكسجين الخاص به على الإنتهاء مما اضطرته للخروج من تلك المدينة التى لم يرد مطلقا الخروج منها حتى يستكمل قصتها . قام بروى تلك القصة والإبلاغ عنها حتى تمكنت الجهود المعنية من استخراجها من أعماق البحر المتوسط بالإسكندرية من بحر أبو قير على وجه خاص ، تم استخراج كنوز مدفونة كانت تتعايش معها الكائنات البحرية وكأن تلك المدينة أصبحت جزءا من عالمهم الخاص ، فكانت مدينة تاريخية ذات حضارة راقية مترسخة فى صفحات التاريخ الا أنها كانت بمثابة مدينة الأشباح فى أعماق البحر وجوفه .