الثالوث المحرّم في إبداع المرأة العربيّة

الثالوث المحرّم في إبداع المرأة العربيّة

د. حاتم العنانى (المستشار الإعلامى للوكالة)

 

إنّ العمل الإبداعيّ، سواء أ كانت أداته التعبيريّة الكلمة أو الصوت أو الصورة، لَهُو في كلّ الأحوال من مجال التمثيل. ويقتضي التمثيلُ مسافةً ضروريّة بين المنجز الفنيّ والواقع الموضوعيّ، فإن هو إلّا فكرة عن العالم تتجسّد فنيّا، وليس هو العالم بذاته وإن أشبهه. يتيحُ التمثيل للمبدع، من الناحية النظريّة، حريّة مطلقة في اختيار مضامين إبداعه وفي معالجة ما يطرقه من مواضيع، طالما أنّ إنتاجه لا يزيد عن محاكاة الواقع وليس يدّعي مطابقته أو استنساخه.

ويفسّر هذا العقدُ الضمنيّ في التلقّي، الجامعُ بين المبدعِ وجمهوره، المنزلة الفريدة للمنتج الإبداعيّ. فعلى خلاف الخطاب الحجاجيّ، علميّا كانَ أو صُحفيّا أو سياسيّا، يُفترض بالخطاب الإبداعيّ أن يتعالى عن أشكال الرقابة بأصنافها، فيكون للمبدع الحقُّ الكامل في أن يخرق أفق الانتظار المألوف، فيُحرجَ المتلقّي ويستفزّه.
غير أنّه، إذا كانت حريّة الخلق الإبداعيّ حقّا مكفولا من الناحية القانونيّة بالنصوص الضامنة لحريّة التعبير، فإنّ المضايقات التي يتعرّض إليها المبدعون الخارجون ضمن أعمالهم، بطريقة أو بأخرى، عن الحدود المرسومة في نظم التعامل الاجتماعيّ والأخلاقيّ، تبيّن أنّ العقد الحقيقيّ الجامع بين المبدع والجمهور يختلف جوهريّا عن العقد النظريّ الذي يقتضيه مفهوم التمثيل. فالضجّة التي تقوم حول أغنية، أو رواية، أو معرض للفنّ التشكيليّ، أو مسرحيّة، أو شريط سينمائيّ، تشهد بأنّ في الذهن الجماعيّ ضوابطَ صارمة يُترقّب من المبدع الانصياع إليها وإلّا عُدّ عمله ناشزا، مارقا عن دائرة المقبوليّة.
واللافت للنظر أنّ محاكمة العمل الإبداعيّ بمعايير غير فنيّة صنيعٌ متواتر لا يختصّ به مجتمع دون آخر ولا نمط من القرّاء مخصوص. فكثيرا ما تتصدّى جمعيّات مدنيّة لعملٍ فنيّ جيّد بدعوى أنّه يسيء إلى صورة المرأة مثلا، أو يسيء إلى الأقليّات، أو إلى تصوّر معيّن للأسرة. وقد تدعو إلى منعه أو مقاطعته لأنّه لا يمْتثل إلى رؤيتها المجتمعيّة وأفكارها الحداثيّة. وأحيانا أخرى يصدر التشنيع على العمل الإبداعيّ من أوساط تدّعي المحافظة وتحمل على عاتقها الدفاع عن الأخلاق، فيسوءها مثلًا خروج المنحوتة، أو الرسم التشكيليّ، أو النصّ الروائيّ، أو المشهد السينمائيّ، عن مقتضيات الحشمة والحياء. أو تجد في أحداث النصّ الروائيّ مساسا بالدّين واستخفافا بالعقائد. وكثيرا ما تنطمس عند هؤلاء المدافعين عن منظومة القيم كما يتمثّلونها، الفروقاتُ الأساسيّة بين الرّاوي والكاتب، وبين الممثّل المسرحيّ والدور الذي يتقمّصه، وبين الشخصيّات التخييليّة وشخوص الواقع المعيش.
ولو شئنا أن نُعدّد ما يحصيه محاكمو الإبداع على المبدعِ من مخالفاتٍ وتجاوزاتٍ في مجالات الخلق الفنيّ المختلفة لاقتضى الأمر قوائم طويلة تمتدّ على أحقاب مختلفة ورُقع جغرافيّة متباعدة. وقد يُستشهد ضمن هذه القوائم بأسماء شعراء سُجنوا أو قتلوا بسبب قصيدة سياسيّة، وكتّابٍ روائيّينَ حوكموا وصودرت أعمالهم بتهمٍ أخلاقيّة من قبيل الاعتداء على الآداب ونشر الرذيلة، وسينمائيّين ومسرحيّين تلقَّوْا تهديدات بالمسّ من سلامتهم الجسديّة بعد أن اتُّهموا بمعاداة الأديان والاعتداء على مشاعر المتديّنين، وهلمّ جرّا من أمثلة ‘الجرائم’ الإبداعيّة.
وفي الجملة، تتعلّق هذه التهم أساسًا بثلاثة مجالاتٍ حسّاسة عُرفت على سبيل الاستعارة باسم الثالوث المحرّم. وأقطابُه معروفة: الجنس والدّين والسياسة. فأمّا القطب الأوّل فيشمل، إلى جانب ما قد يصوّره المبدعُ من مظاهر العلاقات الحسّية بين المرأة والرجل، تمثّلات الجسد الأنثويّ أساسا وطرق استثماره في المنتج الفنيّ. وأمّا الثاني، فمجاله المعتقد، ومداره على المذاهب والملل والنحل وثنائيّات الكفر والإيمان، كما قد يصوّرها المنتوج الإبداعيّ. في حينَ يتعلّق القطب الثالث بالمواقف الإيديولوجيّة والتيّارات السياسيّة وكيفيّة حضورها في مجالات الفنون والآداب، لا سيّما في البيئات المحكومة بالدكتاتوريّات.
وتزداد دائرة المحرّم اتّساعا في المخيّلة الجماعيّة متى كان صاحب العمل الفنيّ مصنّفا جندريّا ضمن صنف النساء. فعندها يضيق المباح وتغدو ملامسة حدود الممنوع اعتداء صارخا على الأعراف، واستفزازا خطيرا للمشاعر، وتخريبًا ممنهجا لمنظومة القيم. فإذا أضفنا إلى ذلك انتماء المبدعة إلى مجتمع عربيّ محافظ وتوجّهها بفنّها إلى جمهورٍ ما يزال يأخذ بعين الاعتبار جنس المبدع في تذوّق العمل الفنيّ، أضحى حضور الثالوث المحرّم في إبداع المرأة العربيّة مسألة جديرة بالدرس والتدبّر. وقد اتّخذناها لذلك موضوعا لملتقى المبدعات العربيّات الذي سينعقد في دورته الرابعة والعشرين بمدينة سوسة التونسيّة أيّام 9 و10و11 أفريل 2020 تحت عنوان:
الثالوث المحرّم في إبداع المرأة العربيّة
ونقترح على المشاركات مقاربة الموضوع وفقا للمحاور التالية:
– هل كان حضور القضايا الحسّاسة في إبداع المرأة العربيّة أدبًا وسينما ومسرحا وفنّا تشكيليّا من قبيل زنا المحارم والبيدوفيليا والمثليّة الجنسيّة معبّرا عن هواجس فنيّة وله أبعاد جماليّة أم إنّه لم يخل من أغراض تجاريّة ذات أبعاد تسويقيّة؟
– هل كان لتناول المبدعة العربيّة للقضايا المحرّمة خصوصيّات فنيّة بنائيّة تميزها عن التناول الرجاليّ؟ وإلى أيّ مدى كان الرمز والتورية والمجاز مركب الإبداع النسويّ في تناول المحرّمات؟
– كيف تناولت المبدعة العربيّة في الشعر والرواية وفي المسرح والسينما قضايا التطرّف الدينيّ وحريّة المعتقد وبعض الفتاوى الفقهيّة المثيرة للجدل وعددا من المسائل الخلافيّة في الأحكام؟
– هل ظهرت في الإبداع النسويّ أعمالٌ ذات بعد نضاليّ سياسيّ واضح أم إنّ قطب السياسة كان أضعف أقطاب الثالوث المحرّم حضورا في أعمال المبدعة العربيّة؟
– إلى أيّ مدى تناولت كاتبات السيرة الذاتيّة القضايا المحرّمة في سرد سيَرهنّ؟ أم إنّ الرقابة الذاتيّة تزداد وطأة كلّما تناقصت المسافة بين الشخص الحقيقيّ والشخصيّة الفنيّة؟
شروط المشاركة:
– أن تكونَ المُشاركة روائيّة أو شاعرة أو فنّانة تشكيليّة أو مبدعة مسرحيّة أو مخرجة أو منتجة سينمائيّة أو مختصّة في النقد الأدبيّ أو المسرحيّ أو السينمائيّ.
– أن يكون البحث أو (الشهادة) متعلّقا بأحد محاور الملتقى.
– تعمّر استمارة المشاركة وترفق بسيرة ذاتيّة وبملخّص عن المداخلة في حدود 250 كلمة.
– ترسل الملخّصات على العنوان الالكترونيّ:
mobdiaat.arabiyat@gmail.com
مواعيد مهمّة:
– تاريخ الملتقى: 9- 10-11 أفريل 2020
– آخر أجل لاستقبال الملخّصات: 20 جانفي 2020
– الردّ على المشاركات المقبولة فحسب: 1 فيفري 2020
– إرسال نصّ المداخلة كاملا: 9 مارس 2020
الجهة المنظّمة: جمعيّة المبدعات العربيّات بسوسة (جمعيّة ثقافيّة تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافيّة التونسيّة).
ملاحظة:
تتكفّل جمعيّة المبدعات العربيّات بالإقامة الكاملة للمشاركات طيلة أيّام الملتقى من تونس ومن خارجها وبالنقل من المطار ذهابا وإيابا بالنسبة إلى المشاركات من البلاد العربيّة.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى