عمارة اسكندرية
قصة قصيرة

فى ظل اوهام كثيرة يعيشها البشر فى حياتهم ، دائما ما يتساءلون دوما عن الحقيقة التى تعد سر من اسرار الدنيا والتى لا يعلم أمرها سوى الله عز وجل ، وفى وسط أقوالا كثيرة تتداول حول أمور نخفى علمها ولا ندرك حقيقتها ولا نملك سوى تصديقها حتى وإن كان ذلك الأمر لا يقبله العقل والمنطق .
نظل نتأمل فى كل بيت تمر نمر بجانبه فى الطرقات التى تعد بمثابة سفينة نستقلها فى حياتنا دون أن ندرك الى اين ستتجه .
نجد أن لكل بيت من تلك البيوت علامة استفهام تثير أسئلة المارين بها لمعرفة قصته ، لكن الحقيقة الوحيدة التى تعتليه هو أن لكل مكان شخص يسكنه ويحرسه ليس بالضرورة أن يكون من الانس لكن ربما يكون من الجن ايضا .
فى يوم من الايام كانت هناك ليلة جميلة من اجمل لحظات العمر خاصة عندما يرتبط الإنسان بشخص يحبه طوال حياته حتى الزوال ، وهكذا كان الأمر بالنسبة إلى عريس تلك الليلة الذى كان فى قمة سعادته بأن شاء القدر وجمع بينه وبين حبيبته بعد مصاعب قد فرق بينهما لسنوات عدة ، وخلال لحظات من الوقت تحولت تلك اللحظة من اجملها الى اتعسها بل اصعبها على الاطلاق حتى انقلبت من ليلة العمر الى ليلة الموت .
شاب يبلغ من العمر ٢٥ عاما اسمه حسين كان يعمل مهندسا كهربائى بأحد الشركات الهندسية بالإسكندرية ، كافح ومر بالكثير من الصعوبات فى الحياة إلا أنه تمكن من التغلب عليها والتشبث بالأمل الذى كان داوم قلبه للبقاء على تلك الحياة .
تجاوز ظروف عائلته الصعبة ، وتمكن من استكمال تعليمه حتى تمكن من النجاح بامتياز ليس فقط فى الاختبارات التعليمية وانما الحياتية ايضا .
كان حسين وهو فى العاشرة من عمره مغرما بفتاة من عمره ، كانت جارته فى الحارة تسكن فى الجهة المقابلة لمنزله ، قد قضوا طفولتهما سويا حتى يشاء القدر ويفرق بينهم ، فكانت تلك من أصعب اللحظات التى مرت عليه فى فترة طفولته ، لكنه قاوم هذا الفراق وظل دائما مؤمنا بأن رباط الحب سيجمع بينهما مرة أخرى .
ظل حسين يقضى عمره وهو ينتظر تحقيق ذلك الأمر الذى يسكن فى جوف قلبه وروحه وكأنه خيالا يرافقه طوال حياته .
فى يوما ما جاء له عرض عمل فى أحد الشركات الهندسية الأخرى ، وقد وافق على هذا العرض وانتقل إليه على الفور حيث كانت بمثابة فرصة رائعة ستحقق له ما قد تمنى وايضا مساعدته فى توفير كافة سبل معيشته . كان هذا التحول بمثابة نقطة التحول التى ولدت الامل بداخله ثانية ، لكنه لم يكن بديلا عن أمله الاول والاخير وهو عودة حبيبته مجددا .
كان حسين يوجه كافة تركيزه على عمله ودراسته للنشروعات التى يشرف عليها حتى جاء له خبر بوجود زميل جديد له بالعمل سيعاونه فى إتمام كافة الأعمال الموجهة إليه .
فى بداية الأمر غضب كثيرا وحاول السيطرة على غضبه وكتمه وعدم إظهاره لأى أحد وذلك بسبب انزعاجه بأن هناك من سيعاونه فى أعماله ، فكان يرفض ذلك الأمر ويحب أن يتولى المسئولية الموجهة إليه دون مساعدة من أحد .
وفى تلك اللحظة دخل عليه زميله الجديد للتحول بركان الغضب الذى يثور بداخله الى بحر عميق يسكنه الهدوء والفرح ، حيث لم يجد مجرد زميل عادى سيعاونه بل كانت فتاة فى غاية الجمال تمكنت من توليد تلك المشاعر الدافئة التى تسكن فى أعماق روحه منذ سنوات عدة.
ظل حسين واقفا ينظر إليها وهو يتعجب من ذلك الأمر الذى يدور بداخله والإبتسامة التى ترسم على عينيه ، حتى تذكر حبه الطفولى ومن ثم سيطرت عليه حالة من الحزن و الاشمئزاز لخيانته لحبه الاول ، فتلك المشاعر التى ولدت فى لحظة لم يدركها كانت بمثابة خيانة لذلك الحب الذى عاش عليه لسنوات .
حاول مرارا وتكرارا عدم مقابلة تلك الفتاة مجددا ، لكن طبيعة عمله تمنعه من ذلك ، وفى يوم تم إجراء اجتماع عملا بينهما ، كانت تلك الفتاة تقوم بعرض شرح كافة تفاصيل الخاصة بالعمل ، وفى ذلك الوقت قامت بإعطاء جهازها الحاسوب الى حسين لكى يستعرض كافة التفاصيل الأخرى حتى وقعت عيناه على صورة لفتاة صغيرة ، ظل ينظر إليها بشدة ويتأملها ثم نظر إلى زميلته وعيناه تكاد تدمع فرحا وقام بمساءلتها اذا كانت تلك الصورة تتعلق بها ، هزت رأسها بنعم وقالت ان تلك الفتاة بالصورة تكون هى عندما كانت صغيرة .
وقف حسين واستلمت عيناه فى رؤيتها مجددا شوقا وفرحا وليس حزنا كيفما كان وقد أبلغها أنه هو ، هو ذاك صديق طفولتها وأنها هى حبيبة قلبه التى انتظر لرؤيتها لسنوات طويلة حتى أتى موعد اللقاء لكن فى اغرب صورة له .
ظلت عيناهما تتشوقان فرحا بلقاءهما سويا مجددا ، فى تلك اللحظة قام حسين بطلب يدها للزواج مباشرة وقد وافقت على الفور وكأنهما يتسابقان الزمن الذى قد فرق بينهما لسنوات .
وقد ارتبط بها فعليا وقاموا بتجهيز كافة الأمور الخاصة ببيتهما الذى سيجمع بين جدرانه حبهما ، لكن حسين لم يسترح مطلقا لذلك البيت ولم يدرك نهائيا ما هو السبب وراء ذلك وكان يشعر دائما بأن هناك أحد يخنقه ويضيق
صدره مما لم يتمكن من التنفس طوال وجوده داخل ذلك البيت .
اقاما حفلا صاخبا بمناسبة زواجهما والذى كان بمثابة أسطورة يتحاكاه الناس عن جماله وروعته ومدى رونقة العروسان اللذان كان يكملان ذلك الحفل جمالاً ، وينتهى الحفل ويعود العروسان الى البيت ، كان حسين قلبه ملئ بالفرح والسعادة لكن عندما وقف أمام البيت كانت قدماه ترجعان خطوات للوراء وكان نفسه يضيق وكأن هناك أمرا مريبا سيحدث ، استشعر فى تلك اللحظة بأن هناك من يناديه أو يلامسه لكن لم يضع فى مخيلته هذا الأمر .
قد حاول تجاوز ذلك الخوف الذى كان يملأه ودخل البيت لكن كان يلتفت يميناً ويسارا وكأن البيت يراه لأول مرة .
قد أثارت تصرفاته انتباه حبيبته مما دفعها إلى مساءلته عما يحدث له لكنه لم يقل شيئا وحاول اخفاء اى قلق بداخله حتى لا يتسبب بانزعاجها.
مرت ساعات وظل حسين واقفا فى الشرفة لا يعلم عما يحدث له بالتحديد خاصة شعوره بأن هناك أحدا آخر معه بالبيت يرافقه حتى سمع صراخ حبيبته وكأن كل ما فى البيت يهتز من قوة صراخها .
اسرع حسين فى خطواته الى حبيبته لمعرفة ما الذى جرى لها لكن كان باب الغرفة مغلقا بشدة وكأن هناك من أغلق الباب من الداخل ، حاول فتح الباب كثيرًا لكنه لم يستطع وكانت حبيبته صراخها يتعالى أكثر فأكثر مما أثار ذلك جنونه وحاول كسر الباب لكن فجأة وجد نفسه يندفع بعيداً وكأن هناك أحد قام بحتفه بقوة .
كان الأمر مريبا بالنسبة له وحاول استيعاب ما قد حدث إلا أن صراخ حبيبته كانت بمثابة موقظا له ، استشعر حسين بالخوف ليس على ذاته وانما على حبيبته بالغرفة لأنه أدرك بخطورة الأمر .
مرت ساعات وساعات ولم يستطع فتح الباب وظل يبكى على صراخ حبيبته وهو مكتوف الايدى لا يستطيع فعل اى شئ حتى فجأة وجد الباب ينفتح لوحده ، اسرع حسين ودخل الغرفة مسرعا حتى وقف ثابتا لم يستطع التحرك أو التفوه بأية كلمة ، ظلت عيناه هى التى تمكنت من الحديث بدموعها التى كانت تنهمر بقوة منهما .
فكانت الصدمة هى رؤية زوجته مشنوقة فى أعلى السقف بفستان زفافها وقدميها ويديها يسيلان منهما الدماء ، تقدم إليها حسين وظل جالسا بجانبها وبدأ ينظر إليها بقوة وكأنه يتذكر كل اللحظات الجميلة التى مرت بينهما ، قام باحتضان قدميها وهى معلقة فى الهواء باكيا حتى أصيب بالجنون.
من بعد ذلك ظل هذا البيت مهجورا لا يسكنه أحد ولا يتمكن أحد من التقرب إليه أبدا .
قصة تداولت بين عدد من الناس حول عمارة مهجورة بالاسكندرية قيل أنها مسكونة وكانت تلك العمارة التى حاول حسين تبنيها لبناء حياته مع زوجته ، لم تتوقف القصة إلى هذا الحد بل تداولت قصص كثيرة لاناس حاولوا الإقامة فى تلك العمارة العملاقة ذات الموقع الممتاز الذى يثير أنظار كل من تقع عيناه فيجذبه إلى شراء بيتا والعيش فيه لكن لا يدرك مطلقاً أن نهايته بها ستكون نهاية مأساوية لم يتخيلها العقل .
الجميع قد صدق تلك القصة التى تم وردها ، وهى قصة حقيقية حدثت بالفعل ، حدثت مع كل شخص أحب وزاد نبضات قلبه شوقا وحبا، فقصص الحب جميعها تتشابه بدايتها وتستكمل مسيرتها الا واقعة واحدة وهى وفاة الحبيبة التى بدونها ينتهى الحب ويتوقف القلب وتنتحر النفس ، فحبيبة حسين لم تمت بل ظلت على قيد الحياة تنعم بحياتها ، ستقول الآن كيف ذلك ؟
اود أن أقول لك أنه لم يحدث شيء من تلك الأمور الأخيرة التى وقعت حدوثها بالبيت بعد انتهاء حفل زفاف حسين ، بل استمرت حياتهما بصورة طبيعية وانجبا ثلاثة أطفال صغار يتشاركون ملامحهما سويا وظل حبهما على قيد الحياة ينمو مع مرور العمر .
الرسالة التى تود تلك القصة ايصالها أن لكل مكان له أسراره وغموضه ، ربما تكون تلك الأمور وارد حدوثها ونستطيع أن نقول ذلك من خلال ما نستمع اليه من قصص مرعبة تثير خوفنا من بعض الأماكن التى قد تكون مظلومة مما يتداول حولها ، لكن فى المقابل لا نستطيع أن نقول أن تلك الأمور من المستحيل حدوثها ، ربما تحدث فى حالات محددة لكن كل ما فى الأمر أن تلك الأمور هى بمثابة عالم خاص لا تحاول مطلقا التقرب منه أو معرفة أسراره ، واستمر العيش فى سلام بثقة فى الخالق ، فالسلام والحب هما اهم ما فى الحياة .