تأثير الألعاب الرقمية على صحة الأطفال .. للباحثة السفيرة ميساء بن ميم
تأثير الألعاب الرقمية على صحة الأطفال .. للباحثة السفيرة ميساء بن ميم

الباحثة / ميساء بن ميم (تونس)

إن أجمل فترة في حياة كل منا هي مرحلة الطفولة لما فيها من براءة وعفوية ومرح وبهجة. كما أن أطفال اليوم ، هم شباب الغد والمسؤولون عن مستقبل كل بلد ينتمون إليه فإذا كان أطفال اليوم يقرؤون كتباً وقصصاً فالمستقبل سيكون مشرقاً ومزهراً فالعلم يبني بيت لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف. ولكن هل يستطيع الأطفال ممارسة الأنشطة الثقافية واشباع هواية المطالعة لديهم في ظل الظاهرة التي باتت متفشية في هذه الفترة ألا وهي ظاهرة الإدمان على الألعاب الرقمية؟.
إن الانفتاح على العالم الرقمي مهم جداً والألعاب الرقمية مسلية إذا لم يتجاوز استعمالها الحد ولم يصل إلى درجة الإدمان الذي من أعراضه حسب ما قام به الأطباء النفسيون “أن الآباء يقومون بانتزاع الهواتف أو الحواسيب من أيادي أبنائهم بالقوة لمنعهم من اللعب لمدة طويلة ولا يبالون ببكائهم وقد أصبحوا مدمنين، فهذا يؤثر على مستوى الذكاء ويتلف الجهاز العصبي أيضاً كما يذبل زهرة حب التعلم والدراسة التي تينع في قلب كل تلميذ ويؤدي الإدمان إلى الانطواء والعزلة مما يجرف التلاميذ وخاصة المراهقين إلي تعاطي المخدرات ويمنعهم من بناء علاقات اجتماعية متماسكة”.
ولاختبار مدى تأثير الألعاب الرقمية على نفسية الأطفال ودرجة تفاعلهم مع ما يحيط بهم اتفق طاقم طبي فرنسي مع الأب والأم لإحدى العائلات التي يعاني أبناؤها من هذه الظاهرة على أن يأتوا إلى البيت عند الغداء أثناء انكباب الأطفال على شاشات هواتفهم ويقومون بإجراء الاختبار فوافق الوالدان. وفي الموعد المحدد حضر أفراد الطاقم إلى البيت وبدأ الاختبار: قاموا أولاً بتغيير ألوان الأشرطة التي تزين المطبخ وأغلفة الجدران ورغم ذلك لم يظهر على الأطفال أي تأثر ولم يبدُ أنهم تفطنوا لما حصل فطلب الأطباء من الوالدين وبقية الإخوة الذين لا يستعملون هواتف أن يغادروا البيت ونادوا جارتهم وزوجها وأبناءها بعد أن ارتدوا ملابس تحمل نفس لون ما ترتديه عائلة الأطفال المدمنين ولكن يا للعجب لم يتفطن الأطفال لما يحصل من حولهم فقد كانوا غارقين في شاشاتهم وهنا ولجلب انتباههم تعمد الأطباء قطع الكهرباء والذي انجر عنه انقطاع اللعبة فقد كانت الهواتف واللوحات الرقمية موصولة بالكهرباء.
في هذه اللحظة رفع الأطفال أعينهم ليعرفوا سبب ما حصل فرأوا الظلام يخيم على البيت . عندها أعاد الأطباء الإنارة إلى المنزل ففوجئ الأطفال بأن كل شيء قد تغير من حولهم فظهرت علامات الدهشة على وجوههم التي شحبت من كثرة استعمال الهاتف ونظروا بأعين خبا بريقها إلى الأشخاص الجدد الذي حلوا محل باقي أفراد العائلة وأدركوا مدى تأثير الإدمان على مستوى تفاعلهم مع ما يحيط بهم من أحداث. ولعلاجهم نقلهم الأطباء إلى منزل لا تصل إليه ذبذبات الشبكة العنكبوتية لمدة شهر حتى يتعودوا على عدم وجودها وبالطبع فقد وجد الأطفال صعوبة في التأقلم مع هذه الظروف المختلفة التي سيعيشون فيها ولكنهم تعافوا في النهاية.
ومن الألعاب الرقمية المدمرة التي قتلت أطفالاً وأودى بهم استعمالها إلى الهلاك بعد أن تدمّرت نفسيتهم والتي قد تفشى استخدامها بكثرة ليس في العالم العربي فقط بل في العالم كله وهي الحوت الأزرق ولعبة مريم والتي تعتمد أساساً على أن يعيش الطفل حالة اكتئاب بسبب الموسيقى المصاحبة للعبة وسبب الإدمان عليها هو الأحداث المشوقة التي تشدهم إليها وتحفزهم على مواصلتها حتى ينتهي بهم المطاف إلى الانتحار .
وقد انقطع الأطفال عن لعبة الحوت الأزرق منذ فترة بعد أن بينت وسائل الإعلام ووزارة التربية خطورتها.
وللإدمان على الألعاب الرقمية خاصة ألعاب الحرب والعنف التي يلعبها الفتيان عادة، عدة أسباب:
أهمها وأخطرها أن يرى الطفل والديه يستعملان الفيسبوك كل يوم ويسهرون إلى أوقات متأخرة من أجل ذلك فيبدأ هو تدريجياً في استعمال الألعاب الرقمية حتى يصل إلى درجة الإدمان، يلعبها إما تقليداً للكبار الذين يراهم مركزين أعينهم في الشاشة وإما لأن استعمال الفيسبوك من قبل الوالدين يحول بينهم وبين التحدث إلى أبائهم ومراقبة نشاطاتهم فيفقد الطفل بالتالي الإحساس بالانتماء إلى الأسرة ويجد ضالته في الألعاب الرقمية، ثم يتساءل الآباء والأمهات عن سر تغير أبنائهم إلى درجة أن الطفل المدمن لا يتناول الطعام إلا أمام الهاتف أو الحاسوب وينسى الوالدان أو لا يفكران مطلقاً في أن أبناءهم يحاولون تقليدهم فيجرفهم تيار الإدمان وأنهما السبب في ذلك.
يقوم بعض الآباء أو الأمهات بمحاولة لإبعاد أبنائهم عن هذه المخاطر المحدقة بهم فيشترون لهم القصص ويطلبون منهم قراءتها وإلا فسوف يعاقبونهم بينما لا يقرأ الآباء بدورهم وبالتالي فإن الطفل يكره قراءة القصص لأنها سبب لعقابه ولأنه لا يرى أباه وأمه يقرآن ويشجعانه، فرجاءاً من كل أب وأم يودان حماية أبنائهما من السقوط في هذه الهاوية التي لا قرار لها أن يقرؤوا هم أيضاً قصصاً وإن لم يستطيع بعضهم قراءتها لعدم معرفته بالقراءة والكتابة أن يقللوا قدر الإمكان من استعمال الفيسبوك وأن يخصصوا وقت فراغهم لأبنائهم حتى وإن كان التعب الذي تحسه الأم لكثرة ما تقوم به من الأشغال المنزلية حائلاً بينها وبين ذلك فلتحاول أن تحافظ على اجتماع الأسرة كل ليلة فهذا يولد لدى الطفل الإحساس بالانتماء ويخرجه من العزلة والانطواء ويحفزهم على المضي قُدُماً في طريق الإبداع فيبنون مستقبلاً مزهراً لوطننا الجميل الأخضر.
