التكنولوجيا وظاهرة الطلاق في المجتمع العربي

حوار روعة محسن الدندن مع الدكتور السيد إبراهيم
أصاب الإنهيار الأسرة العربية وتزايدت نسبة الطلاق في معظم الدول بسبب الحروب والتكنولوجيا فأظهر هشاشة الروابط الأسرية
ولكن الكثير يقول أن الطلاق ليس له علاقة بالتكنولوجيا أو الحروب وإنما هذه الأسباب كشفت جوهر كل إنسان
ويريد اصلاح حياته أو أن يحيا حياته كما يحب
وبدأ كل منهما بالبحث عن توأم روحه
مما أحدث شرخا كبيرا بين العلاقات الأسرية
وحول هذا الموضوع يسعدني أن أتحاور مع ضيفي
الدكتور السيد إبراهيم أحمد، رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين والعرب
أرحب بكم مجددًا الأستاذ الدكتور السيد إبراهيم في “حوارات روعة” وأبدأ معكم بطرح الأسئلة:
1 ــ هل أحدثت التكنولوجيا مشكلات فكرية وأخلاقية للأسرة العربية وأثرت سلبًا على المستوى التعليمي والأسري والفكري والعقلي والاجتماعي والديني؟
أولا دعيني أتوجه بالشكر لمحاورتنا الوطنية الكبيرة المهمومة بقضايا أمتها على كافة المستويات الأستاذة روعة الدندن، وها نحن نبدأ حوارًا هاما يتماس مع الأسرة العربية.
يجعل بعض المفكرين الفيصل بين الدول المتخلفة أو النامية وبين الدول المتقدمة في دخول الأخيرة دخلت الثورة الجديدة في مجال العلم والتكنولوجيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بينما الدول المتخلفة لم تدخلها بعد أو بل الأحرى لم تقترب منها، وعلى هذا فنحن كعرب جميعا دخلنا فقط سوق الاستهلاك للتكنولوجيا التي أحدثها الغرب ليس إلا. هناك بالفعل تفاوت في التعامل مع التكنولوجيا ونقلها بين المجتمعات العربية فلا تقف كلها على خط واحد؛ فهناك دول الخليج العربي وهي تنقل آخر ما وصل إليه العلم ولكنها ليست إلا مستهلكة.. ودول عربية تنقل بقدر أموالها واحتياجاتها بعض التكنولوجيا في بعض القطاعات .. غير أن الكل في النهاية مستهلك..
ومن هنا يصبح الاستهلاك السيء من خلال التعامل الرديء مع أدوات التكنولوجيا هو الذي أثر بالسلب على الأسرة العربية التي هي الملومة في الأساس وليست التكنولوجيا التي أثرت بالإيجاب في دول كثيرة من العالم في مجالات التعليم، والأسرة، والفكر الاجتماعي وغيره.
٢- أحدثت التكنولوجيا حالة عدم استقرار للعلاقات الاجتماعية بسبب التغيرات التكنولوجية كيف يمكننا مواكبة هذه التغيرات وتوظيفها بالشكل الإيجابي للأسرة العربية؟
يعتبر التغير الاجتماعي من أهم موضوعات علم الاجتماع الحديث، الذي يقترن بالتغيرات والتحولات البنيوية التي تحدث في جميع المجتمعات، فالتغير هو سنة الحياة وهو قانون طبيعي واجتماعي يتحكم في جميع أوجه وعناصر الحياة المادية والمعنوية حسب الزمان والمكان..
ويشمل التغير الاجتماعي، مجمل التغيرات والتحولات التي تحدث في المجتمع والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وذلك بسبب عوامل عديدة تتراكم حتى يصل المجتمع إلى درجة من التجمع الحضري الذي يعمل على هدم ما هو قديم وبناء جديد مكانه عن طريق نمو الإمكانات والطاقات والقدرات العلمية والتكنولوجية في داخله، لأن كل نظام اجتماعي يحمل في داخله بذور تغيره. وبالتالي نحن نتعامل مع مجتمع رشيد لم يتعرض كله لمثل هذه الهزات في الاستقرار الاجتماعي أو العائلي.. بدليل تعامله مع التكنولوجيا في وجوهها الإيجابية الكثيرة والتي أفادت العالِم، والطالب، وربة البيت، والباحث، بل أفادت ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين.. يا أستاذة روعة: لكل شيء في الدنيا جانبه السلبي وجانبه الإيجابي، والمسئولية تقع على من يختار!
٣- الانقسام والانفصال الأسري ليس حديث العهد وإنما حدث منذ ظهور التلفاز والكمبيوتر والأنترنت فهل السبب يعود للأوضاع الاقتصادية والضغوط الحياتية وهما السبب الرئيسي للانقسام والمشاكل الأسرية؟
إن التكنولوجيا وسيلة هادفة غايتها خلق الحلول للمشكلات التي يعانيها المجتمع، أي مجتمع في أي مكان، فهي وسيلة محايدة تمامًا، خادمة للإنسان بالكلية، إن استعملها في خير أطاعته، وإن استعملها في شر أطاعته، إن استعملها في ضر لم تمتنع، وإن استخدمها في نفع فعلت. ولهذا لا يجب أن ننظر إلى التكنولوجيا على أنها مصدر الشر في مجتمعاتنا العربية دون أن ننظر إلى من يستخدمها، ونسأله كيف تستخدمها، هي كالسكين تنفع الإنسان في نواحي كثيرة من حياته، وقد يستخدما في الشر حين يطعن أو يقتل بها، فالعيب ليس فيها ولكن من يستخدمها.
باستقراء موضوع الانقسام والانفصال الأسري في المجتمع العربي وجدنا أن هناك نفوس تقف وراء السعي نحو جر الخراب على البيت وقد يكون الرجل هو البادئ أو المرأة، والمشكلة أننا كنا لعهد غير بعيد كنا نعلق على الفقر والمشكلات الاقتصادية كافة المسئولية في إحداث حالات الطلاق، وقتل الرجل لزوجته، وتخلص المرأة من الرجل أيضا بالتصفية الجسدية البطيئة، وهروب الرجال من البيوت لفشلهم في إيجاد عمل ما.. أو يجد عمل لا يكفي احتياجات الأسرة، فظهرت المرأة المعيلة..
لكن ما رأيك في ارتفاع الدخول في الدول العربية الغنية ومنها بالطبع دول الخليج العربي مقارنة بالدول العربية المتدنية في الدخول، وتجدين أن النتيجة أن دولة قطر أصبح فيها الطلاق كارثة حتى أصبحت هي ومصر يتناوبان الدول الأولى عربيا وعالميا في ارتفاع نسبة الطلاق؟!
ـ فعلا مفارقة غريبة يا دكتور..
ـ سأثبتها لسعادتك بالإحصائيات والأسباب.. ولقد قمت بعمل مقارنة في أحد البحوث بين دولتي قطر والأردن في عام 2017م، وقد تبين الآتي:
تصدر الإحصائيات الخاصة بالزواج والطلاق في قطر عن طريق وزارة التخطيط التنموي والإحصاء منذ عام 1982م، ومن خلال احصائيات أستقي تلك البيانات منها، وقد بلغت نسبة الطلاق في قطر عام 2000م 31ر8% لتقفز هذه النسبة إلى نسبة مخيفة، فقد بلغت في عام 2012م 34%، فقد بلغت عدد حالات الطلاق 68 حالة في شهر مايو 2016م بنسبة 54%، وقد بلغ عدد حالات الطلاق بين الإناث القطريات 48%، وقد بلغ نسبة الطلاق في قطر من أعلى نسب الطلاق العربية، وفي شهر أكتوبر من نفس العام 2016م بلغت نسبة الطلاق للقطريين الذكور 82 حالة بنسبة 62%، بينما كان في أكتوبر 2015 116 حالة طلاق.
أما الإناث القطريات فقد بلغ مجموع حالات الطلاق بينهن 75 حالة بنسبة 57%، وقد كان في أكتوبر 2015م 67 حالة. لتصل إلى 71% في أوائل 2017م، تضم النسبة 54% من القطريات، ونسبة 46% من المقيمات، 807 حالة من الذكور، و706 حالة من الإناث، وبهذه النسب احتلت قطر الترتيب الرابع في إحصاء عام 2016 بين الدول العربية الأعلى في معدلات الطلاق، واحتلت المركز الثاني بعد دولة الكويت الأولى عربيًا وخليجيًا.
ـ وبالنسبة للمملكة الأردنية؟
ـ بحسب احصاءات قاضي القضاة في الأردن، بلغت عدد حالات الطلاق في الأردن من عام 2005م إلى عام 2010م 65 ألف حالة طلاق وقع معظمها في المدن الأردنية الكبرى، وقد كانت عدد الطلاق في عام 2010م وحدها 4883 حالة، وبلغت في العام التالي 2011م 3728 حالة، وفي العام التالي له 2012م 11078 حالة، وفي العام التالي له 2013م 12602 حالة، وقد بلغت في العام التالي له 2014م 4523 حالة، وفي عام 2015م بلغ عدد حالات المطلقات 5599 حالة، ولقد راجعت جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” عدد حالات الطلاق المسجلة من عام 2011م إلى 2015م بأن هناك زيادة في عدد حالات الطلاق خلال تلك الفترة بلغت 2ر37% وهذا ثابت وموثق من دائرة الإحصاءات الأردنية، وبهذه النسب المتصاعدة احتلت المملكة الأردنية الهاشمية المركز الثالث بين الدول العربية الأعلى في معدلات الطلاق.
ـ هذا بالنسبة للإحصائيات.. فماذا عن أسباب وقوع الطلاق في البلدين، والمفارقة فيها كما ذكرت؟
ـ هناك تشابه في بعض الأسباب بين المجتمعين العربيين، وهناك اختلاف بالنسبة للواقع الاقتصادي المختلف بينهما اختلافا كبيرا؛ ففي المجتمع القطري والأردني تتشابه الأسباب التالية:
1ـ تصور كل من الزوجين صورة ذهنية عن الآخر ثم يتفاجأ بالصورة الحقيقية التي تورث النفور والشقاق.
2ــ المغالاة في رسم أحلام وردية تجافي الواقع المعاش وتخلق صدمة الواقع الصدام بين الزوجين.
3ـ غياب الزوج الدائم يحدث جفوة كبيرة بين الزوجين، ويأتي هذا الغياب لانشغاله بحياته التي كان عليها من سهر وسفر مع الرفاق، أو تعلله بانشغاله بعمله.
3ــ غياب الزوجة عن زوجها وانشغالها بنفسها وبصديقاتها، والاعتناء بجمالها، يوغر صدر الزوج عليها، فيتولد الشقاق الذي يودي بهما إلى الانفصال.
4ـ خروج المرأة القطرية والأردنية إلى العمل، عزز كيانهما النفسي ودعم موقفهما الاقتصادي الأمر الذي جعل كل واحدة منهما وخاصة القطرية في رفض أوامر زوجها حتى أصبحت العلاقة بينهما ندًا لند وهذا التصرف لا يقبله الرجل العربي في كل المجتمعات العربية.
6ـ يحاول الزوج إسقاط علاقة والدته بأبيه على علاقته بزوجته، في واقع مغاير فيحدث الشجار الدائم ومصيره المعروف.
7ـ يساهم تدخل أهل الزوجين في تفاقم المشاكل بينهما التي تعجل بالانفصال، وخاصة في المجتمع الأردني؛ فقد تدفع الظروف أن يتزوج الأردني في بيت عائلته أو عائلة زوجته، فتكون فرصة تدخل الأهل أكبر.
8ـ يساهم التسرع في اتخاذ القرار بالزواج دون تفكير أو روية من الزوجين أو أحدهما يؤدي إلى سرعة اتخاذ قرار الطلاق في نفس الوقت بنفس الحماس وأيضًا دون تفكير أو تمهل.
9ـ كثرة المطالب التي تطلبها الزوجة من الزوج أو العكس، ولا يستطيع الوفاء بها.
3ـ تراكم الديون على الزوج بسبب إسراف الزوجة والأولاد ينعكس أثره في ارتباطه بزوجته وبيته.
4ـ سهولة الإجراءات القانونية في تتميم الإجراءات تساهم في سرعة إيقاعه وتنفيذه.
5ـ التسابق المحموم بين الزوجين في إدارة أمور الأسرة، مما يوجد صراع بينهما يؤدي حتمًا للطلاق.
6ـ عدم التكافؤ بين الزوجين في المستوى التعليمي والثقافي والعقلي والاجتماعي.
7ـ الخرس الزوجي، وانعدام التفاهم، أو التفاهم بالألفاظ النابية، أو الصراخ والسباب أو استخدام العنف من الرجل ضد المرأة في الأغلب، ومن المرأة ضد الرجل في بعض الحالات، كلها من الأسباب التي تؤدي إلى الجفاء ثم الطلاق في النهاية.
ـ وما أوجه الاختلاف في الأسباب بين البلدين؟
يكمن في ـ سهولة الإجراءات القانونية في تتميم إجراءات الطلاق في الأردن الأمر الذي يساهم في سرعة إيقاعه وتنفيذه، وإذا كان الوضع الاقتصادي المتدني في الأردن من أسباب الطلاق القوية، فالرفاهية المادية في قطر كانت عاملًا من عوامل الهدم، وكانت القدرة المادية هي الدافعة لسرعة قاطرة الطلاق، ولو أحسن الزوجين استثمار الرفاهية لسلكت بهما طرقًا أجمل.
٤- هل العلاقات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر بديلا عن العلاقات الحقيقية وهي الخيار البديل لبناء علاقات اجتماعية افتراضية أكثر أمانا وبعيدة عن سلطة الأهل والمجتمع؟
سألتِ حضرتك في سؤال سابق عن الانقسام والانفصال الأسري الحادث بسبب ظهور التلفاز والكمبيوتر والإنترنت، وبطبيعة الحال يلجأ كثير من الأزواج، وكثير من الشباب الغير قادر على الزواج نحو هذا الحل الأسهل ـ من وجهة نظرهم ونظرهن ـ والأصعب في نفس الوقت؛ فالأزواج ، وأعني الزوج والزوجة، يتصورون أن إنشاء هذه العلاقات الافتراضية ليست حراما من الوجهة الدينية أو الاجتماعية لأنها تقوم بين أشخاص يستعيرون أسماء وصور بل بلدان لجنسيات أخرى، فما الضرر في ذلك؟!
أما من الناحية الدينية، فالخيانة الزوجية يجب ألا تدور فقط حول إقامة علاقة جنسية، فكل وأي علاقة تتجاوز حدود الشرع تعتبر نوعًا من أنواع الخيانات التي تعدد مفهومها وصورها في مجتمعاتنا، ولا يجب أن نلقي باللوم على كل المدنية الحديثة وابتكاراتها، والغرب وما يشيعه من عولمة حتى لو كانت في الواقع المشَاهد من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الخيانة الزوجية عبر أدواتها التي أصبحت تحت ونظر المتزوج والمراهق معا إن لم يكن الطفل، فالتلفاز وفضائياته المفتوحة المتاحة تجعل كل أنواع الرذيلة عند أطراف أصابع أي إنسان من أي جنس أو دين، ويؤازرها في هذا شبكة الإنترنت التي تكتظ بالمواقع الإباحية التي تبث الرذيلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليل نهار.
الغريب أن الرجال والنساء الذي أصابهم الخرس الزوجي بينهم تجدينهم في قمة الثرثرة من خلال الحديث مع الغرباء عبر غرف الدردشة، ويعتبرونه نوعا من التواصل الاجتماعي، والثراء المعرفي، وقد كانت هذه الغرف وغيرها من أهم أسباب الطلاق التي أفقدت الزوجين الثقة في بعضهما، بل اكتشفت بعض الزوجات علاقا أزواجهن، وكذلك الرجال اكتشفوا علاقة زوجاتهن، وزاد معدل الطلاق في الوطن العربي بسبب هذا النوع الذي تم رصده، على النحو التالي من خلال إحصائيات بعض الدول عام 2017م:
بالنسبة للسعودية بلغت معدّلات الطلاق بسبب الإنترنت 24%، كما وقعت 40 ألف حالة طلاق سببها انشغال الزوج عن زوجته من خلال موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر.
ولن أستطرد في سرد بقية الإحصائيات العربية والعالمية التي تؤكد أن نسبة الطلاق التي كان من أسبابها تردي الأوضاع الاقتصادية كانت أقل بكثير في الكم والسرعة التي يقع فيها الطلاق وخاصة الطلاق المبكر سواء بعد العقد وقبل دخول بيت الزوجية، أو بعد الزواج بسنة أو أكثر أو أقل، ولا تنسي حضرتك كم الزواج العرفي الذي زاد بين الشباب من الجنسين نتيجة لإدمان التواصل عبر الفيسبوك وتويتر وما شابه، وهو الذي يتم بعيدا عن الشرعية المجتمعية والأسرية معا، ويحتاج هذا أيضا وقفات من المؤسسات الرسمية والاجتماعية والإعلام والمؤسسات الدينية، ورقابة الأهل وانشغال الوالدين للأسف بالإنترنت عن أولادهم.
شكرا من القلب الدكتور السيد إبراهيم أحمد، رئيس قسم الأدب العربي باتحاد الكتَّاب والمثقفين العرب
على هذا الحوار وما قدمته لنا من معلومات وافادة ولك كل الإحترام والتقدير
وإلى اللقاء