فصل من رواية قبور الأحياء .. للأديبة السورية غفران سليمان كوسا
فصل من رواية قبور الأحياء .. للأديبة السورية غفران سليمان كوسا

الروائية: غفران سليمان (سوريا)
وفي مساءالرابع من نيسان في العام 2013حدثت الكارثة…
مر على شرائي للسيارة عدة أسابيع، وكنت قد وعدت زوجتي بزيارة أهلها في حمص لأكيد أخوها زياد بسيارتي البيضاء، وأذكره بذلك اليوم الذي قال لي فيه ترى أذنيك قبل أن تتمكن من شراء سيارة من أجرك الذي لا يرد عنك بردا ولا حرًا.
صعدت إلى جانبي ونظرت إلى عنقها فلم أرَ السنسال الذهبي الذي اشتريته لها كهدية زواج قبل عشر سنوات، وعندما سألتها عنه قالت لا ينبغي أن أرتدي الذهب ونحن في حرب، والناس بدأت تشكو الفقر، قلت لها بعصبية وهل سرقناهم ، انزلي هيا البسي كل ذهبك لا أريد أن يقول أخوك أنني بعته لأتمكن من شراء السيارة ، القرض كان كافيا مع باقي أشهر التقسيط وأنت تعلمين لن يصدقوا اذا لم يكون الذهب في معصمك وجيدك الأبيض..
قالت بغضب : تمنيت أن تغير رأيك ونأخذ الأولاد معنا وننام هناك فالليل للبوم والفئران فقط… وأختك لن تتوقف لعام عن تذكيري بهذا اليوم الشاق الذي قضته مع أربعة أولاد أكبرهم في الثامنة من العمر…
-هيا أسرعي ، قلت مازحا أو والله أذهب بمفر دي.
– تتمتم وأتصنع عدم سماعها: اذهب الله لا يردك، أصابنا الصرع منك ومن سيارتك.
عادت بعد دقائق كيوم عر سنا بل أجمل وانطلقنا لا أعلم لماذا بدأنا نتذكر كيف تعار فنا
وخلال الطر يق لم نتحدث إلا عن تلك السنوات التي عشناها كعاشقين ولم يكن الاتصال ولا التواصل سهلا كما هذه الأيام
أقول لكم أنني
أحببتها كثيرا بل هي حبي الوحيد…
عندما كانت في الصف العاشر كنت أتجهز لامتحانات الثانوية العامة ولم تكن سنتي الأولى بل كنت أعيد، وكانت بزيا رة جدتها أم أحمد، دخلت مسرعا لأتأكد مما رأيت نجمة الغناء العالمية سيلين ديون في زيارة جارتي التي تحبني كثيرا: طرقت الباب وقلت خالتي أم أحمد إنني جائع وأمي لم تعد بعد من عملها، ماذا أجد في مطبخك… من الداخل سمعها تقول لي ضاحكة عندي لك الكثير تفضل يا مجد… شعرت بالخجل الشديد وشعرت بالنار تخر ج من كامل جسدي عندما استدارت من ظننتها سيلين ديون لتكون ملاكا مبتسما يحرك شفتين كأجمل شيء رأيته في حياتي وتتلامسان بحرف واحد وتخرج تفضل من فمها كالرصاصة .
قلت في نفسي المرتجفة والتي استحضرت كل قواي الداخلية لأجعلها متماسكة إنني أسف لم أكن أعلم أنك مشغولة بضيوف،
ردت أم أحمد: تفضل تفضل لا أحد غريب هذه ابنة ابنتي تسكن في حمص وستقضي معي عطلة الربيع.
قالت الفتاة بهدوء منذ يومين لم أر أحد في الحي إلا كبار السن الحمد لله ليست مدينة العجائز …
خمدت نفسي قليلا ولكنني لم أقو على النظر في عينيها وأخبرتها أنني أعيد الثانوية العامة لأتمكن من التسجيل في الجامعة قسم هندسة مدنية .
عدلت من جلستها وقالت : أنا أحب الموسيقا لكن أهلي يريدونني أن أستمر في اجتهادي وأدخل الطب،
-ابتسمت وقلت ؛مازلت صغيرة
احمرت وجنتاها وقالت انا في الصف العاشر ولم ينقصني العام الماضي عن المجموع العام سوى سبع درجات
استغربت وقلت لها وأنا ايضا نفس العلامة..
وضعت أم أحمد فطورا منوعا وقالت هيا أسرع بالأكل واذهب لدروسك ..
لم يعد الكتاب هو نفسه ، ولا الصفحات صار كل شيء مغلف بصورتها، أردد اسمها كأغنية الصباح التي لا تفارق اللسان،…
وتحدثنا معا قبل انتهاء اجازتها ، وتعاهدنا على الزواج، والحب مدى العمر… يوم ذهبت اقتلعت معها نياط قلبي… ولم التق بها إلا بعد امتحاناتي في أواخر حزيران أي حوالي ستة أشهر من العذاب اللذيذ…
كانت برفقة شاب بعمري أو أكبر قليلا تقدما نحوي وألقت السلام بعيون تتقد حيوية وقالت : هذا أخي زياد، واتجهت بنظرها نحو الشاب وقالت هذا مجد الذي يخدم وأهله جدتي بغيابنا جميعا..
فرحت جدا بهذا التعريف لكنني قلت لا نفعل إلا الواجب نحن أقارب وجيران والدي ابن عمها وهي كأخته وواجبنا ان نعتني بها تفضلا
أمي وأختي في البيت وأنا بدوري أحضر لكما جدتكما.
لم تكن علاماتي تؤهلني لدخول الهندسة ولا حتى أي فرع جامعي، وبعد المفاضلة كانت علاماتي تفرض علي دراسة معهد ملتزم ، لم اشعر بالضيق علما أن مجموعي العام الماضي كان يؤهلني التسجيل بكافة فروع الهندسة إلا المدنية ولكنني رفضت التسجيل بنية التفوق، لكن العشق أكل ذاكرتي وغير مسيرة حياتي
واضطرني لدراسة معهد كهرباء وميكانيك، تابع لوزارة الصناعة،
و بعد عامين بالتمام والكمال كنت قد أنهيت معهدي وبمعدل تسعين من مئة، وتم تعييني في شركة صناعية ، وكانت سلوى في الثانوية العامة أي أنها هذا العام يتحدد مصيرها معي أو في الجامعة، لم يكن الاتصال بها أمرا سهلا
بل من المعجزات ، لأن البيت الوحيد في الحي الذي يملك هاتفا أرضيا كانت أم أحمد حيث تتصل بجدتها وتقول لها سأتحدث مع سوسن أخت مجد وأذهب أنا وسوسن لتتحدث سوسن قليلا معها ثم أغافل الجدة حتى أتمكن من سماع صوتها، وفي آخر مرة كشفتنا الجدة وقالت، يلعن أبو شرفك اخرج من بيتي مازالت صغيرة والله إن علم والدها حرمني رؤيتها،
وبعدها صار ت سوسن توصل لها ما أريده..
كانت أمي قد وفرت مبلغا من المال وأنا استلفت قرضا من البنك على راتبي واشتريت بيتا صغيرا مجاورا لمنزل أهلي وبقرض عقاري أسدده إلى المصرف خلال 15سنة القادمة
ولم تكن نتائج سلوى قد صدرت، وبعدها علمت أن أهلها يريدون منها الإعادة وهي تريد أن تسجل معهد موسيقى…
ذهبت أمي بطلب مني إلى أم محمود تتفاخر ببيتي الجميل وبسعيدة الحظ التي ستدللها وستكون وأختيّ وأبي خدما لها…
أم أحمد ذكية ولم تبد لأمي معرفتها بما يشغلنا جميعا وقالت بذكاء، لو كانت سلوى أنهت جامعتها لكنت تمنيتها كنة لك..
تسرعت أمي وقالت يوم المنى ولما الجامعة؟! يقول مجد هي تحب الموسيقى وتعزف على الكمان، ومعهد الموسيقا انظري هذا جداره في حيّنا نسجل لها ويتزوجا لا داعي للخطبة والأقاويل…
اتصلت أم أحمد بابنتها واتفقنا على كل شيء
وتزوجتُ وسلوى وعشنا عامين من الغناء والعزف حتى أنهت معهدها وأنجبت مع سنة التخرج ابننا حسن،
وبعده بعامين راما، ومصطفى، وخلود.. كل عامين ولد ، وجميعهم الليلة التي أريد أن أقضيها في حمص مع أختي