وقوف اضطراري .. للقاصة رشيدة محداد

وقوف اضطراري .. للقاصة رشيدة محداد

القاصة: رشيدة محداد (المغرب)

يبدو الشارع الرئيسي للمدينة القديمة خاليا هذا الصباح ؛ إلا من شرطي ينتحي الجانب الأيمن..يفرك يديه بطريقة سريعة محاولاً تدفئتهما.. يتطلع بتوثب نحو سيارة بيضاء قادمة من بعيد في اتجاهه…تنحنح ومدّ ذراعه يشير إلى السائق بالتوقف..خطى نحو زجاج السيارة المفتوح..وطلب من السائق خفض صوت الموسيقى..تأمّل مليّا وجه السيدة الجالسة بجانبه..أدخل رأسه من النافذة وأداره نحو المقعد الخلفي..العطر يملأ السيارة..والسيدة “وردة” التي كانت تصدح قبل قليل; لم يُقتلع أريجها رغم اغتيال السائق لصوتها وقبره داخل مذياعه الأنيق..

 

السيدة في المقعد الأمامي قلبها يكاد يتوقّف..زجاج السيارة الموارب يسمح لنسيم الفجر بمداعبة شعرها الفاحم الأسود..الملقى على كتفيها بغنج..صوتها ارتعد قليلاً وهي تردّ على سؤال الشرطي دون أن يحيد نظره عن المقعد الخلفي:

من أين أنتم قادمون؟

من المطار..هذه صديقتي..إنها غريبة عن البلد..وقد ارتأيت أن أنتظر وصولها وآخذها معي إلى منزلي.. هي ضيفتي ..وهذا سائقي..

أدار الشرطي رأسه نحو “رباب” وبحركة سريعة أستدار باتجاه المقعد الخلفي, وتأمل الضيفة.. القبعة المستديرة التي تضعها على رأسها كبيرة جدا تكاد تلامس أنفه…فستانها الأزرق الشفاف؛ يكشف عن جسمها النحيل..وفتحتا الفستان من الكتفين تبرزان لون جلدها النحاسي المائل إلى السمرة ..

سيارة المرسيدس عجوز…ينقصها غنج الشباب لنفتحها على مصراعيها من السقف.. فلا داعي سيدتي لهذا البذخ المفرط في الحماية من شمس لم يغرها الدخول من زجاج هذه السيارة..مادام السقف مقفلاً ! قال الشرطي ساخراً،. متأملاً القبعة.

التفتت رباب سريعاً نحو الشرطي معقّبة:

إنها إنجليزية..لن تفهم ما تقول..

قد تكون هذه فرصتها للتعلم…(قال الشرطي بلهجة متهكّمة ساحباً ببطء رأسه من نافذة السيارة) ثمّ أردف:

بطائق هويتكم..وجواز سفر السيدة “قبّعة”..

السيدة آتية لتوّها من المطار..لقد خضعت للتّفتيش لدى شرطة الجمارك طبعاً فلا داعي لذلك أرجوك.. قد نرعبها.

هاك بطاقة هويتي.

مدّ الشرطي حازماً يده نحو قبضة الباب..رفعها نحو الأعلى بحركة سريعة عقبها صوت طقطقة.. فُتح على إثرها باب السيارة.. تسلمّ البطاقة ثم طلب من رباب الترجل..ابتعد قليلاً لتتبعه في ذهول تام…تأمل وجهها طويلاً.. تكوّرت الغريبة داخل السيارة بالمقعد ضامّة ساقيها نحو صدرها…ارتعشت أصابع السائق على مقود السيارة..اقترب الشرطي أكثر.. اصفرّت سحنة رباب..دسّ البطاقة في جيب بنطالها البندقيّ دون أن يلقي نظرة عليها , ثم قال بصوت حالم وقد ارتعشت رموشه قليلا:

أريد رقم هاتفك !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى