إجراءات «الحكومة» في ملف مخالفات البناء

أعلن مجلس الوزراء الموافقة على مد فترة التقدم بطلبات التصالح ودفع مبلغ جدية التصالح، لشهر آخر حتى آخر نوفمبر، في استجابة جديدة من جانب الدولة لمطالب المواطنين، كي يتمكن الراغبون في تقنين أوضاعهم من التقدم للتصالح.
جاء هذا الإعلان وقانون التصالح في مخالفات للقضاء على واحدة من أهم وأعقد القضايا والتحديات التي تواجه الدولة حالياً، والتي تتمثل في التعديات على الأراضي الزراعية، والبناء المخالف، فعندما تتصدى الدولة لكافة القضايا الممتدة على مدى عقود ماضية، يأتي بهدف الإصلاح ووضع حد للنزيف والأخطاء المتوارثة التي نتجت عن عدم المواجهة، كما يأتي ذلك من أجل وضع حلول لتلك المشكلات والقضايا.
فتحت الحكومة باب التصالح في مخالفات البناء للحد والقضاء على الظاهرة والبناء العشوائي الدي يضر أيضا بالمواطنين أنفسهم وتقف أمام الحكومة في توفير الخدمات للمواطن المصري، لأن البناء غير المنظم يمنع الحكومة من تقديم كافة سبل الرعاية والخدمات للمواطنين سواء خدمات صحية أو تعليمية أو توصيل المرافق لها أو حتى في حالة حدوث أي طارئ، فلن تتمكن الأجهزة من التعامل في ظل هذه العشوائية في البناء.
ففي عام ٢٠٠٨ صدر تشريع جديد للبناء يتمثل في القانون رقم 119 لسنة 2008، الذي يشير إلى أنه لا يجوز التعامل مع أي بناء مخالف، وأن التعامل الوحيد مع المخالفات هو الهدم، وفي عام 2009 صدرت اللائحة التنفيذية لهذا القانون، إلا أنه بعد حدوث ثورة يناير في عام 2011، ظهرت كتلة عمرانية كبيرة جداً، لا يمكن التعامل معها بالهدم، أو رفض توصيل المرافق والخدمات لها، فضلا عن قيام المواطن بحل المشكلات المتعلقة بتوصيل المرافق بعيداً عن أجهزة الدولة، ولوقف هذا النزيف، ظهرت فكرة قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019 بشأن مخالفات البناء ، وهو قانون مؤقت، يهدف إلى تقنين أوضاع حجم المخالفات القائمة بعد عام 2008، كما صدر القانون رقم 144 لإيقاف التعدي على أراضي الدولة، وخاصة في الأراضي الصحراوية، وتم فتح الباب أمام المواطنين للقيام بعمليات التصالح من خلال مجموعة من التشريعات.
القانون حدد وقتها مهلة التقدم للتصالح في مخالفات البناء تنتهي في ٣٠ سبتمبر الماضي، وكانت عن طريق التقدم بمستندات العقار وأوراق معينة حتى يتم البدء في إجراءات التصالح، وأيضا هناك لجنة تقوم بتقييم سعر المتر لكل عقار والقانون ينص على أن اللجنة التي تضع هذه القيم هي لجنة شبه مستقلة تضم خبراء من التقييم العقاري، وأساتذة جامعات، وبعض موظفي المحليات، وهم مزيج من الخبراء، ويتم وضع القيم بناء على عدة اعتبارات منها الموقع ، وتميزه مثل أرض على النيل، وموقع به مساحات كبيرة، ويتم وفق ذلك تحديد قيم التصالح عن كل متر، بدءا من 50 جنيها لأقل متر، وأعلى قيمة 2000 جنيه.
بدأت المحافظات في الإعلان عن هذه القيم، وأعقب ذلك شكاوى من جانب العديد من المواطنين بشأن ما يرونه من مبالغة في القيم التي تم تقديرها، وهو ما جعل الحكومة تتحرك على أرض الواقع، وفق توجيهات القيادة السياسية للدولة للحكومة بمراعاة البعد الاجتماعي في عملية التقييم لأسعار التصالح، وبدأت الحكومة في حل هذه الإشكالية، رغم التسليم بأن تلك التقديرات لم تكن جزافية، بل تم وضعها بناء على المعايير العادلة التي وضعها القانون، وعلى الفور بدأت المحافظات بتخفيض قيم التصالح بنسب وصلت في بعض الأماكن إلى 70% للتيسير على المواطنين.
الإشكالية الثانية تتمثل في شكاوى المواطنين من الأوراق المطلوبة وفقا للائحة التنفيذية للقانون، وهو ما قد لا يتوافر لدى العديد منهم، فكان التوجيه في هذا الشأن بقبول أي عدد من المستندات المتاحة لديه حاليا، وبمجرد تسلم هذه الأوراق يعطى نموذج “3” طبقا للقانون ويتم تجميد الوضع على ما هو عليه، وكانت خطوة مهمة من جانب الدولة للتيسير على المواطنين.
هذا إلى جانب إشكالية ثالثة تتعلق بضرورة الاستعانة بمكاتب استشارية أو المهندسين والاستشاريين، فكان الحل للتيسير على المواطنين في هذه النقطة أن يُكتفى بأي مهندس يكون عضوا بنقابة المهندسين، ويقدم طلبا يؤكد أن المبنى صالح إنشائيا، لأنه من الخطورة أن يتم تقنين مبان آيلة للسقوط.
وفيما يخص إشكالية الفترة الزمنية المتاحة أمام المواطنين لتقديم الأوراق المقدرة حتى 30 سبتمبر الماضي، فتم السماح باستكمال الأوراق خلال شهرين أخرين بعد هذا التاريخ، وذلك بعد تقديم أي أوراق متاحة تثبت الملكية، وهنا تنتهي فترة استكمال الأوراق في ٣٠ نوفمبر المقبل وليس المقصود بتلك المهلة التقدم بطلب التصالح.
إلى أن جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بضرورة وضع مصلحة أهالينا في الريف والقرى على رأس الأولويات فى التعامل مع ملف مخالفات البناء ، وتغليب مصلحتهم فيما يتعلق بالتقييمات الخاصة بالتصالح، وتنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية في الشأن، فتم إقرار أن تكون قيمة التصالح لكل الريف المصري 50 جنيها للمتر، وهو الحد الأدنى لقيمة التصالح المقررة طبقاً للقانون، وذلك بغض النظر عن مكان العقار وتميزه، ومراعاة للظروف الاجتماعية لأهلينا في الريف، مع العلم أنه من الممكن أن تكون القيمة السوقية للمتر أعلى من ذلك بكثير، كما أن القانون ينص على أن كل ما يتم تحصيله نتيجة للتصالح في مخالفات البناء ، يتم تخصيصها لتطوير البنية الأساسية ورفع كفاءة الخدمات بهذه المناطق.
وحول ما يتعلق بقدرة بعض المواطنين في المدن على سداد كامل مبلغ التصالح، فقد أعلن رئيس الوزراء عن مبادرة لخصم 25% من قيمة مقابل التصالح، وذلك في إطار الرغبة فى إنهاء هذا الملف، مشيراً إلى أن الدولة تفكر وتسعى في تقديم المزيد من التيسيرات للمواطنين للقضاء على هذه الظاهرة المقيتة التي تشوه الشكل الإجمالي لبلدنا الحبيبة.
يُتابع الدكتور مصطفى مدبولي بصورة يومية حجم تردد المواطنين لتقديم الطلبات في ضوء الموعد النهائي الذي كان قد تم الإعلان عنه لتلقي الطلبات وهو 30 سبتمبر الماضي، وعكست التقارير ازدحاماً كبيراً رغم توجيه كافة المحافظات بفتح منافذ جديدة لتلقي الطلبات، وبالتالي أصبحنا نستغرق وقتاً أطول في التعامل مع المتقدمين لوقت متأخر يومياً، لتلقي أكبر قدر من الطلبات، وبات من الواضح أن حجم العمل أصبح كبيراً نتيجة رغبة عدد كبير جداً من المواطنين لانتهاز هذه الفرصة الكبيرة لتقنين أوضاعهم، وزيادة الشكاوى من عدم القدرة الاستيعابية لكل المنافذ، فقد قرر رئيس الوزراء بمد مهلة التقدم للتصالح في مخالفات البناء إلى نهاية أكتوبر الجاري، رغبة من الدولة والحكومة في التيسير على المواطنين للسماح لأكبر عدد من المواطنين للتقدم.
هذا إلى أن أعلن مجلس الوزراء الموافقة للمرة الثانية على مد فترة التقدم بطلبات التصالح ودفع مبلغ جدية التصالح، لشهر آخر حتى آخر نوفمبر المقبل، في استجابة جديدة من جانب الدولة لمطالب المواطنين، كي يتمكن الراغبون في تقنين أوضاعهم من التقدم للتصالح، واستيفاء الإجراءات المطلوبة لهذا الإجراء المهم.
ولفت مدبولي إلى أن ما يزيد على 2.1 مليون طلب تصالح في مخالفات البناء تم تقديمها حتى أمس الأربعاء.
كل هذه التيسييرات التي تقدمها الحكومة للمواطنين يعكس حرصاً من جانب الحكومة والمواطنين على تقنين أوضاعهم والاستفادة من المزايا التي يرتبها التصالح.