محاكمة أسد الصحراء، وشيخ المجاهدين عمر المختار
محاكمة أسد الصحراء، وشيخ المجاهدين عمر المختار

د. حاتم العنانى (القاهرة)


أسد الصحراء، وشيخ المجاهدين عمر المختار
(من 20 أغسطس 1858 إلى 16 سبتمبر 1931)
على مرّ العُصور ظهرعظماء لعبوا أدواراً عظيمة صنعت أمماً وحضارات، وخَلَّدهُم التاريخ، لِما حملوه من رسائل سامية هَزَّت كيان البشرية جمعاء .
عمر المختار:
أسد الصحراء / عمر المختار .. شيخ المجاهدين .. ، بدأ معركة تحرير وطنه، وعمره 53 سنة، استمر نضاله 22 سنة ضد الإحتلال الإيطالى الغاصب لوطنه الحبيب ليببا، وعمل على استنزاف قوتهم، ذاع صيته بين القبائل كمقاتل بارع متقن لأساليب الكر والفر فى المناوشات والمعارك الدامية بين المجاخدين الثوار والمحتل الإيطالى، حتى قبض عليه فى سبتمبر 1931م ليعدموه، وينشروا صورته لكسر عزيمة المقاومة الليبية، لكنه ظل مخلداً فى وجدان العرب
المحاكمة:
القاضى: أنت عمر المختار ؟
عمر المختار: نعم، أنا عمر المختار
“وبدأ استجواب المختار، وبلغ التأثر بالترجمان، حدًا جعله لا يستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر”
القاضى:
أنت متهم بقتال الحكومة الإيطالية، واستنزف قواها، وكنت نواة لتشكيل قوى شعبية لمكافحة الاحتلال الإيطالى حيث استمرت الحرب بينكما 22 عامًا ..
عمر المختار:
«نعم قاتلت ضد الحكومة الإيطاليَّة، لم أستسلم قط، ولم تخطر ببالى قط فكرة الهرب عبر الحدود، اشتركت فى معارك كثيرة لا أستطيع تحديدها، لا فائدة من سؤالى عن وقائع منفردة، وما وقع ضد إيطاليا والطليان، كان بإرادتى وإذنى، كانت الغارات تُنفَّذ بأمرى، وبعضها قمت به أنا بنفسى، الحرب هى الحرب، فهل تتصورون أن أبقى واقفًا دون إطلاق النار أثناء القتال». لكننى وقفت فى وجه الاحتلال الغاصب لتحرير وطنى الحبيب ليبيا
شهود التاريخ:
الشاهد الأول: “غراتسيانى القائد الإيطالى المسؤول عن المستعمرات فى ليبيا”
فى مذكرات غراتسيانى القائد الإيطالى المسؤول عن المستعمرات فى ليبيا:
«عندما حضر أمام مكتبى، يقصد المختار، تهيَّأ لى أننى أرى فيه شخصية آلاف المُرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامى بالحروب الصحراوية، وبالإجمال يخيل لى أن الذى يقف أمامى رجل ليس كالرجال: له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبى نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح».
«هذا الرجل أسطورة الزمان الذى نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام، لأنه الرأس المُفكر والقلب النابض للثورة العربيَّة «الإسلاميَّة» فى برقة، وكذلك كان المُنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا فى أيدينا».
«عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاء كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبى من جلالة الموقف، أنا الذى خاض المعارك والحروب العالميَّة، والصحراويَّة، ولُقبت بأسد الصحراء، ورُغم هذا فقط كانت شفتاى ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد، فانتهت المُقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمُحاكمة فى المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمُصافحتى ولكنَّه لم يتمكن لأن يديه كانت مُكبلة بالحديد، لقد خرج من مكتبى كما دخل علىَّ، وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير».
الشاهد الثانى: “السنوسى (ملك ليبيا)”
لما رأى منه السنوسى (ملك ليبيا) من صفات حميدة كان يقول وسط الناس:
«لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا”
الدفاع:
روبرتو لونتانو، ضابطًا إيطاليًّا رتبة نقيب:
«إنَّ هذا المُتهم الذى انتدبت للدفاع عنه، إنما يُدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهى الوطن الذى طالما ضحينا نحن فى سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يُقاومه بكل ما يملك من قوَّة، حتى يُخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية.. إنَّ العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء، وإنى آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إنَّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث فى هذا العالم المضطرب»،
القاضى: ترفع الجلسة للمداولة،
مضى فترة قصيرة من الانتظار، ثم دخل القاضى والمستشاران والمدعى العام
القاضى:
حكمت المحكمة حضورياً بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت، رفعت الجلسة
عمر المختار:
«إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمكم المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون».
تنفيذ حكم الإعدام:
فى صباح يوم الأربعاء 16 سبتمبر 1931م، اتُخذت جميع التدابير اللازمة لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيات والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالى وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم فى قائدهم. وأحضر المختار مكبل الأيادى وفى تمام الساعة التاسعة صباحًا سلَم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق فى الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وسار إلى منصة الإعدام،
قال أسد الصحراء: «نحن لا نستسلم ..ننتصر أو نموت»، ونطق الشهادتين، ليتم إعدام شيخ المجاهدين
ما رأيكم بالحكم ؟ هل ارتضيتم به ؟