غرفة( 19) وإضافة جديدة بالأدب العربي للأديبة اللبنانية إخلاص فرنسيس

فى نافذة ورؤية فلسفية جديدة تنقلنا من عالم المادة الى عالم الروح تطل علينا الأديبة اللبنانية إخلاص فرنسيس وغرفة(19)
فكرة غرفة 19
لماذا على الإنسان أن يعيش وحيدًا، ينسحب من العالم والطموح قسرًا أو طوعًا؟ لماذا على الغرف أن تكون مغلقة؟ ألا يمكن أن تكون لغرفة ما مواصفات أخرى غير المتعارف عليها من العالم، ودون أن تقع تحت ميلودرامية البشر؟
ينعتون الغرف بالفراغ والوحدة، ألا يمكن لتلك الجدران أن تتجاوز العزلة والضوء الذي هو الفاصل للحياة، وخلف هذا الضوء معنى نلمسه.
لمجرّد القدرة على أن أكون في غرفة، جدرانها بلا طوب ولا معدن، نوافذها تتوسّع لتصل ما بعد حدود الحياة، يكون الإبداع سقفها.
تجارب الإنسان اليومية تتوسّع لتصل إلى معرفة الحدّ الفاصل بين النور والليل، لنسحق خيط الهواء، ونخرج من الذاتية والإيقاع الفردي، لتجمعنا هذه الغرفة، تقدّم لنا كلّ شيء، ونختبر كلّ شيء، نستنفد جوهر الفرد، ونشتعل في الآخر. تؤطّرنا أرضية الغرفة، ونقطة تحول للحقائق، نتشارك بساط الكون والعقل الفطري، جزء من الكلّ، والكلّ مكون من أجزاء، على مرّ الطبيعة وأزليّة الحبّ. نتقاسم استمرارية الغربة في مسار حين نختار ألّا نُصغي لما يمليه علينا الوعي. ماذا لو أنّ هذه الغرفة هي استمرارية الزمكان، تطلق فينا رؤيا، فنعي أنّ المصادفة هي تفاصيل الحرّية التي نقلتنا من عالم الروح إلى المادّة، ومن المادّة إلى عالم الروح، من المرئي إلى اللامرئي، نقلة نوعية بفعل تلك التردّدات للحبّ غير المشروط إلى الكمال المنشود.
بفضل ذلك الحبّ الذي يكملنا في جوهر بعض، نمسك بيد القدر بدل أن يمسك بنا، يقودنا الشغف وموسيقا الداخل، ففي نهاية المطاف ما نحن إلّا قصبة نفخ فيها موسيقاه، وما علينا إلّا أن نردّد صداها.
فكرة غرفتي 19 أتت من وحي جائحة كوفيد ١٩، وقد أردت من خلال هذا الرقم أن أواجه هذا الداء العضال ليكون الوجه الآخر الجميل، وجه الحرية والإبداع والحياة في وسط الموات، والأمل في وسط اليأس المحيط بن.
كانت الانطلاقة بمهرجان من ثلاثة أيام، مع الطفل والأمّ والشعر، الثلاثي المقدّس في حياة كلّ منا، ثلاثة أقانيم روحية تجمع الإنسان بأخيه الإنسان من كلّ لون وشعب وأمّة.
الطفل الذي هو المستقبل، الأمّ هي ربيع الحياة الدائم، والشعر الضرورة التي لا يمكن الاستغناء عنها وهو ديوان القلب، ولا يمكن أن يكون الانسان دون الكلمة المعبّرة الموسيقية.
كان اليوم الأول مع الفنان الليبي التشكيلي الشاعر محمد بن الأمين في لقاء مميز بعنوان: “أطفالنا ما بين المعاناة والفن” Children between Trauma and Art,
ودعوة من خلال اللقاء إلى نبذ العنف وإعمال الفنّ واللون والكلمة دفاعا عن الطفولة المنتهكة في أكثر من مكان من الأرض العربية.
في اليوم الثاني كان لقاء خاصّ لتكريم الأمّ الرباط المقدّس، والعودة للطفولة مع الكاتبة اللبنانية كارولين زعرب طايع في ندوة بعنوان “رحلة وذكرى مع كركر خيطان”.
كان لا بدّ أخيراً أن يكون للشعر الحصة الأكبر، وكان لا بدّ للإنسانية أن تتجلّى في أعمق صورها، ليكون الشعر الرابط الذي يربطنا بالآخر.
هكذا تمّت دعوة شعراء وشواعر من مختلف أنحاء الوطن العربي، لنقدّم صورة حيّة بأنّ ما تفرقه الحروب، يجمعه الشعر.
كانت ندوة مميزة تلاقت فيها أعياد الربيع الثلاثة وهي: عيد الأم وعيد الشعر وعيد نوروز.
حيث شمّر الشعر عن سواعده، وعبّر عن تضامنه مع الفرح في زمن تكالب فيه الحزن على الأرواح المتعطّشة إلى قطرة من ضوء السلام والأمان.
إنّ الغرفة 19 ستظلّ واحة خضراء يلوذ بها المبدعون الذين ضاقوا ذرعاً بالصحراء المترامية التي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الحبّ والعشب والماء.
إنها الغرفة الواسعة التي تستوعب كل من جعل القلم سلاحه في وجه الشر والظلام.
يمكن القول إنّها الشمعة التي جاءت في المثل الصيني المعروف:
إشعال شمعة خير من لعن الظلام.
وأنا على يقين أنّ ما قاله الشاعر الإنساني ناظم حكمت لن يذهب هدراً:
أجملُ الأيامِ تلك التي لم تأتِ بعدُ
أجملُ الأطفالِ مَن لم يولدْ بعدُ
وأجملُ القصائدِ ما لم يكتبْ بعدُ
إذاً مع الإبداع والشعر في مواجهة الشرّ في الإنسان، ومواجهة كورونا.
متابعة أحد ضيوف الغرفة. محمد سليمان مدير تحرير وكالة أنباء آسيا بايطاليا