رمضان بين الاخلاق والخلق

 

اعداد/محمدالغنام…..

تعد الأخلاق الفاضلة والآداب الكريمة هي وعاء الإسلام، والمتأمل في العبادات في الإسلام ومنها صيام رمضان يدرك أن الآداب سياج يحيط بهذه العبادات، فكل عبادة لها آدابها التي تتصل بها، فالصَّلاة، التي هي أهم الأركان في الإسلام بعد توحيد الله تعالى، وهي عِمادُ الدِّين، نجد أنها من أعظم وسائل تزكية النفوس، تنهى المُقيمين لها عنِ الفحشاءِ والمنكر؛ قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ وَالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). (سورة العنكبوت: من الآية 45). فقد جعل الإسلام الصلاة تنزيهاً للإنسان من الكبرياء والتعالي، وغرساً لفضيلة التواضع وحب الآخرين، ولقاء مع الله للاستغفار والاستقالة من الذنوب والآثام، وشحذاً لهمّة النفس وقيادتها في طريق التسامي والصعود. ومعنى تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، المُجمل أنّها تسمو بالنفس من داخلها.

وكذلك الصيام فهو يُعين على التَّقوى، ويُربِّي عليها، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). (سورة البقرة: من الآية 183).

والصيام من غاياته العظمى تحقيق التقوى، ولا تتم التقوى عند العبد إلا إذا حسن خُلُقه مع عِباد الله تعالى، لذلك وجه النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إلى ضرورة التحلي بالحلم وحسن الخلق، حين قال مخاطباً الصائمين:” … وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ…”(صحيح مسلم). وذلك لأن بعض الناس يظن أنه بإحسانه عبادة الله بمُكنته أن يتخلى عن المعاملة الكريمة الحسنة مع الخَلق، يندرج ضمن ذلك اللقاء الواعي للذاتية مع النفس، حين يسكنها الزَّهْو، ولعلَّ الكثير من سلوك هاتك الفئة صادر عن تلك القيمة الثاوية في مجاهل النفس.

كما أنَّ في الصيام ترويضاً للجسد، وتقوية للإرادة على رفض الخضوع للشهوات، والسقوط تحت وطأة الاندفاعات الحسّية الهلعة.

والزكاة جاء بها الإسلام لتطهيرِ نفوس الأغنياءِ مِن الشُّحِّ والبخلِ، وتطهيرِ نفوس الفقراء من الغِلِّ والحسدِ، وهي أيضاً أسلوب من أعظم أساليب تضحية الإنسان بمباهج الدنيا حتى يصفو من البخل والشح والأنانية، ويرقى إلى معاني الفضيلة والألفة والرحمة والشفقة، كما قال تعالى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا). (سورة التوبة: من الآية 103).

وأمَّا فريضةُ الحجِّ، فهي مدرسةٌ ربَّانيَّةٌ متكاملةٌ، من أهمِّ ما يطوف في فكر العبد بعد أن ملكت عليه أحلامه، وتنامت بقداستها في أفكاره وقلبه، فمثلت له محوراً من محاور حياته، ولبّ تفكيره، يحدوه في ذلك الشوق للقائها يعد طول تمنّع وعظيم تلوّع؛ وفيها إنماء لقوّة الإحساس الروحي، إذا ما انسابت روح المسلم في تضاعيفها، وأعمل عقله في تراتيلها، كما أنَّ فيها توثيقاً للصلة الدائمة بالله والارتباط به والاعتماد عليه في حالتَي اليباب والإخصاب، بمجموع عبارات توقيفيّة تجلو كلَّ خبيء ومكنون، وتسبر ما اعترى الإنسان من كمون، والله عز وجل يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ). (سورة البقرة: من الآية 197).

والصوم محاط بسياج من الآداب، فغض البصر، وخفض الصوت، ولين الكلام، والسلوك المتزن الرفيع، والصبر، والتصبر، والتجمل، والتغافل، والتغافر، وقلة الكلام، والطعام، والمنام، وقلة الاختلاط، كلها وسواها من آداب الصوم، وهذه الآداب تزين الصوم، وصاحبه، وتضفي عليهما بهجة، ولعل أهم ما يمكن الإشارة إليه هنا:

1 – السحور:

وقد أجمعت الأمة على استحبابه، وأنه لا إثم على من تركه، فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “تسحروا فإن السحور بركة” رواه البخاري ومسلم. وسبب البركة أنه يقوي الصائم وينشطه، ويهون عليه الصيام.

ويكون وقت السحور من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره. فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال “خمسين آية” رواه البخاري ومسلم. وعن عمرو بن ميمون قال: “كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعجل الناس إفطارًا وأبطأهم سحورًا”. وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مرفوعًا: “لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور”.

2 – تعجيل الفطر:

ويستحب للصائم أن يعجل الفطر متى تحقق غروب الشمس، فعن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر” رواه البخاري ومسلم. وينبغي أن يكون الفطر على رطبات وترًا، فإن لم يجد فعلى الماء. فعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يُصلِّي، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء. وعن سلمان بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء، فإن الماء طهور”. وفي الحديث دليل على أنه يستحب الفطر قبل صلاة المغرب بهذه الكيفية، فإذا صلى تناول حاجته من الطعام بعد ذلك، إلا إذا كان الطعام موجودًا، فإنه يبدأ به، قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا قدم العشاء فابدأوا به قبل صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم”.

3 – الكف عما يتنافى مع الصيام:

الصيام عبادة من أفضل القربات، شرعه الله تعالى ليهذب النفس، ويعودها الخير. فينبغي أن يتحفظ الصائم من الأعمال التي تخدش صومه، حتى ينتفع بالصيام، وتحصل له التقوى التي ذكرها الله في قوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). وليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب، وسائر ما نهى الله عنه.

فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم.. إني صائم”. ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر”.كل علم وانتم بخير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى