أصحاب ولا أعز…. رؤية نقدية تحليلية

أصحاب ولا أعز…. رؤية نقدية تحليلية

أصحاب ولا أعز…. رؤية نقدية تحليلية

بقلم: :مدحت النجار

أصحاب ولا أعز .. عنوان مشوق يحمل الكثير من المضامين والدلالات Connotations ويأتي في أولها مفهوم الصداقة التي تصل لدرجة الحميمية والتآزر والمشاركة، فأول ما يطرحه الفيلم للمتلقي هو تناول حالة الصداقة التي تدوم والتي تعرف بصداقة أو عشرة العمر، أبطال الفيلم هم لفيف من الأصدقاء تجمعهم علاقة صداقة قوية تمتد لنحو عقدين من الزمان بكل ما فيها من طموحات وأفكار ومشاركة في الأفراح والأتراحوأدق التفاصيل اليومية حتى زوجاتهم صديقات وكل المجموعة إناث وذكور تجمعهم روابط وقواسم مشتركة تتضح من المشهد الاول فالغريب أن أولئك الأصدقاء من المفترض وأنهم على دراية كاملة بطباع بعضهم البعضويعرفون خبايا وأسرار حياتهم الخاصة فلا مجال للمفاجآت أو التحولات في أي شخصية منهم بشكل يدهش أو يعجب له جمهور المشاهدين.

ورغم هذا التأكيد في السياق الدرامي إلا أن المفاجآت تتوالى حينما ينفتح صندوق الأسرار متمثلاً في ذلك الجهاز العابث .. الذي يعتبر بمثابة آلة سحق للقيم والمشاعر الانسانية الراقية .. الهاتف المحمول رسول التكنولوجيا والتطور والحداثة الذي يبشر الإنسانية بدين جديد يدعو لهدم الكثير من التقاليد الاجتماعية الراسخة. حينما يحل هذا الضيف الجديد فهو نذير الدمار والتفكك والخيانة واللامبالاة والإسفاف والمجون العابث. يبدأ الفيلم بحالة لطيفة بعيدا عن جو الشحن الدرامي النمطي .. مجموعة الأصدقاء يلتقون على موعد للعشاء يجمعون في لقائهم خليط من الذكريات والرغبة في كسر الملل ونفض غبار الأعباء اليومية حتى أن تفاصيل المشهد عادية ولا تبعث على ان هناك أي مفاجآت غريبة (يجتمع الأصدقاء على عزومة ملوخية بالأرانب .. أكل مصري تقدمه بطلة الفيلم المصرية الوحيدة بينهم وهي تجهز الطعام على الطريقة المصرية وتحضر المائدة .. وفي الخلفية مناقشات جانبية بين الأصدقاء) يبدأ على مائدة العشاء حوارهم وعصفهم الذهني .. كيف نكسر الملل .. فيطرق ذهن احداهن فكرة “اللعبة” التي تشترط ان يطلع المجموعة على اي رسائل ومكالمات يتلقاها هاتف أيا منهم .. وهنا تبدأ الفاجعة حينما يكشف كل من الاصدقاء حقيقة الآخر فمنهم الشاذ جنسياً ومنهم الزوجة الخائنة ومنهم من يكذب .. الخ. تتركز هذه الاحداث في فترة زمنية قصيرة جداً من مدة عرض الفيلم فتجعل المشاهد أمام صدمة من العيار الثقيل فلا يكاد يلتقط انفاسه ليتابع او حتى يتعرف على شخصيات الفيلم أو الحبكة الدرامية التي تربطهم في خضم الاحداث.

ثم يأتي مناخ العبثية الدرامية Absurd على طريقة “صامويل بكيت” ليغرق الأحداث ومعها المتلقي في خضم التشكك والشعور بعدم الارتياح وربما التوقف عن التفكير أمام مشاهد متلاحقة كلها مفاجآت لا مبرر لها سوى انها تتعمد تقديم وتكريس فكرة في ذهن المشاهد وتعميق هاجس يلتهم كل ما لديه من قيم ثابتة وأفكار مغروسة في وجدانه .. وبالطبع هذا هو هدف صناع الفيلم لانه منقول من فيلم غربي بنفس المضمون والرسالة والرؤية ربما الجديد في الأمر هو انه موجه للمشاهد العربي والمصري لضرب قيم وثوابت المجتمع في إطار من الليبرالية والانقتاح ورفع شعار الحرية والتنوير وسط زخم الأصوات العالية التي تنادي بإزالة الحدود وهدم الثوابت الأخلاقية وكل هذا يدور في فلك العولمة والتحضر .. وهذا هو بيت القصيد.

الموسيقى خافتة .. الإضاءة هادئة والديكور منمق ومتزن الى حد كبير .. الجو العام للفيلم يتسم بالرصانة والتركيز فهو لا يريد ان يصرف ذهن المشاهد عن الرسالة المباشرة التي يضعها كاملة على مائدة العشاء التي تجمع ابطال الفيلم. ويتضح من ترتيب وتقطيع المشاهد ان المخرج أراد ان يجعل المتلقي في حالة هدوء ما قبل العاصفة حتى يفجر الموقف مع اول رسالة يتلقاها احد الاصدقاء على هاتفه.

وتبدأ علامات التحرر والليبرالية واللامبالاة الأخلاقية التي تتنافى مع تقاليد مجتمعاتنا تتجلى في بعض المشاهد .. بدايةً من مشهد خلع بطلة الفيلم ملابسها الداخلية بصورة فجة غير معهودة للمشاهد العربي او المصري ثم مروراً بمشهد التقاط الأم واقياً ذكرياً بحقيبة ابنتها المراهقة وكذلك مروراً ببعض الألفاظ الجريئة او البذيئة التي تفوه بها بعض ابطال الفيلم وبرود الزوجة وقبولها للأمر الواقع ومجموعة الرفاق حينما ينكشف لهم أمر صديقهم المثلي وبعيدا عن المزايدات اللفظية لا يستشعر المشاهد أجواء الفضيحة أو التحول الكارثي فكأنما الأمر عادي ولا يمثل مفاجأة من الأساس.

هكذا كان التناول للنسخة الايطالية الأصلية للفيلم Perfect Strangersوالتي نقلت بلا اي جهد من المخرج او تعديل في محتويات الفيلم او عناصره وربما احداثه الدقيقة .. ولعل هذا التناول بهذا التكنيك المباشر يعتبر هجمة شرسة على تقاليد المجتمع ومحاولة لتكسير تابوهات بل وكسر حدة الإيهام لدى المشاهد العربي والمصري حتى يصبح اكثر مرونة في تقبله لهذه القضايا ذات المغزى الأخلاقي ودعوة للتعري والتجرد من القيم الثابتة ربما ليس فقط في قضية مثل المثلية الجنسية ولكن قضايا اخرى كثيرة تناولتها سينما المقاولات .. ثقافة العنف والمخدرات والتحرش وغيرها .. نكاد نتخيل ان الهدف من هذه الاعمال ليس تنبيه المشاهد وتنفيره من هذه الممارسات والرذائل بل تسليط الضوء عليها وتقديمها في قالب مغلف يطريقة “دس السم في العسل”.

وأخيراً … فالعمل الفني هو كل متكامل لا تتجزأ عناصره وتفاصيله وسماته فكلما كان العمل أقرب للجمهور ويقدم مغزى هادف كلما كان تصنيفه عمل فني ناجح، وفي هذا الفيلم كانت الفكرة جيدة لا بأس بها وأداء الممثلين احترافي لا غبار عليه خصوصا بطلة الفيلم “منى زكي” التي عرفت بأدوارها المحترمة الهادفة فهي فنانة لها كل التقدير وهذا العمل لا ينتقص من قدرها ولكن كان يجب عليها أن تنتبه لهذا الفخ الذي وضعه له صانعي الفيلم وكما معروف عن منصة “نيتفليكسNetflix ” انها تقدم مضمون لا يتناسب مع الشاشة العربية ولا المشاهد ولا الأسرة العربية أو المصرية وبهذا تنتفي أي حجة للدفاع عن مستوى التحرر الفاضح والذي عرفت به السينما الهابطة في فترة من الفترات فلسنا بحاجة لمزيد من الهبوط .. فالمشاهد اليوم – لا سيما من جيل الشباب والنشء – بحاجة ماسة لقدوة فنية راقية ونماذج تحتذى في الفكر والأداء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى