جدار الوهم قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوى
جدار الوهم قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوى

جدار الوهم
قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي
انتهت أجازة نصف العام بعد أن رسمت فوق الوجوه بسمة وسعادة ، واعطت الجميع فرصة ذهبية لالتقاط الأنفاس بعد عناء أربعة أشهر في العمل والدراسة ، عادت الحياة إلى فرض أوامرها المعتادة ، يستعد الأستاذ مجاهد للقيام بجولة المشتريات وذلك لانشغال زوجته بغسل الأواني المنزلية قبل انقطاع المياه المعتاد لأكثر من عشر ساعات يوميا ، لا يدري ماذا يشتري ، كيف يوفق بين رغبات أبنائه المؤجلة منذ أسبوعين وبين إمكانياته المادية المتواضعة ، تلك مشكلة كم شغلت وقته وتفكيره لكن لم يجد لها حلولا وما زالت معاناته مستمرة يحاول أن يخفيها بابتسامة صامتة أو بمزاح رقيق مع الأبناء حتى تظل الحياة جميلة في أعينهم بلا يأس ولا قلق .
مائتا جنيه هي أخر ما تبقى لدي الرجل من راتبه الشهري الهزيل بعد رحلة عمل قاربت الثلاثين عاما ظل يظن خلالها أنه يستند إلى جدار قوي لكن الحياة أثبتت عكس ظنه ، يتبادل حوارا صغيرا مع زوجته وابنته وولديه سائلا إياهم عما يرغبون ، متمنيا أن يتركوا له حرية الاختيار ، تأتي أول الإجابات من عماد صاحب التسعة أعوام لتعلن عن رغبته في الدجاج المشوي ، ثم يعلن أمير صاحب الستة أعوام أنه لن يتنازل عن أسماك طازجة ، تتجه عينا مجاهد نحو زوجته فتطلب منه أن يحضر ما يراه مناسبا لظروفه المادية وتؤكد الابنة الكبرى وفاء صاحبة الخمسة عشر عاما ما قالته الأم داعية لوالدها بعون الله على ظروف الحياة الشديدة القسوة ، يداعب الرجل زوجته وابنته وفاء شاكرا لهما مشاعر الرحمة والحب والرضا .ينهض الرجل من مقعده ، يتهيأ للخروج ، يتجه نحو باب الشقة وقبل أن تصل إليه يده ، يسمع رنين الجرس ، يتعجب بشدة لأنه لا ينتظر أحدا ، إذن فمن القادم ؟ يسارع بفتح الباب ليجد حارس العمارة يقول له : صباح الخير يا أستاذ مجاهد ، يرد الرجل التحية سائلا إياه : ما الأمر ؟ إن محصل فواتير المياه يقف أسفل العمارة وينتظر أن أجمع له قيمة الفاتورة من السكان . وما نصيب كل شقة ؟
– مائة وتسعون جنيها . بارتعاشة شديدة كأنها تخشى من صعقة كهرباء أو من جذوة نار ، تتجه يد الرجل نحو حافظته في ذهول تام وعيناه شاخصتان وقد تجسدت أمامهما متاعب وهموم ولحظات قاسية لا تعرف الشفقة ولا الرحمة ، يمد يده إلى الحارس مقدما له مائتي جنيه هي حلم العائلة ، تلتقطها سريعا يد الحارس قائلا : سأرسل لك العشرة جنيهات مع ابني الصغير ، تستمع الأسرة هذا الحوار فيبادر الجميع بالمزاح مع الأب تخفيفا عنه ، أما الزوجة فتقول : كل هذا المبلغ يتم فرضه على شقة واحدة والمياه تنقطع نصف ساعات اليوم ، لنا الله ، لنا الله .