الحديث الصامت – بقلم ديمى بخيت

كان يوماً متعباً و مرهقاً للغايه واخيرا سأعود لمنزلي لكي أرتاح قليلاً، يوم الثلاثاء هو من اكثر الايام التي اكرها في حياتي فبعد ان انهي محاضراتي الاساسية لدي فوق ذلك 3 محاضرات اضافية .. لحظة! انا لا اعمل في مدرسة او جامعة .. بالطبع لا ! بل هذه مؤسسة تعليمية مشهورة كثيراً في المنطقة.. يوجد بها اقسام كثيرة اذا لم يكن كل الاقسام تقريبا .. لغات ، مهارات فنية كالعزف والرسم، برمجيات، العلوم بمختلف مجالاتها، تنمية قدرات و اقسام اخري.. وبهذه المؤسسة نظامين احدهم مدفوع و الاخر مجاني و بما ان هناك عجز في عدد المحاضرين في النظام المجاني من تخصصي و هو ادارة الاعمال فيجب علي القيام ب 3 ل 5 محاضرات يوميا عدا هذا اليوم المنحوس ، فلدي 7 محاضرة و دماغي لم يعد قادر علي العمل اكثر..
وبصراحة ما عكر مزاجي اكثر هو انني لما ارى تلك الفتاة التي رأيتها امس في حديقة المؤسسة لم اراها مره اخرى اليوم. اخشي انها لن تاتي هنا ثانية.. لقد كانت هادئة جدا تقرأ في كتاب.. رأيتها من مسافة بعيدة حيث كنت لازال في قاعة المحاضرات ولكني لم استطع ان اذهب و اسالها من هي و لما كانت هناك .. اتمني لو استطيع ان اراها بأي طريقة مره أخرى .
في اليوم التالي و بعد ان انهيت المحاضرات الثلاث الاولي و بقي 5 دقائق لتبدأ المحاضرة الاخيرة.. جلست في القاعة بجانب النافذة المطلة على الحديقة بمسافة ليست بعيدة حيث كنت في الطابق الثاني.. ممسكاً بكوب القهوة الدافئة بكلتا يدي حيث كان الطقس باردا جداً ..و بعد بضعة دقائق اذا بي اصرخ : لقد أتت اخيراً ..كادت القهوة تنسكب علي ملابسي ولكن جيد لم يحدث شيء.. فقررت ان اذهب واتحدث معها بأي طريقة… لحظة خروجي من القاعة و جدت الطلاب جميعهم علي غير عادتهم في وجهي اتوا في الميعاد تماماً.. ياله من حظ منحوس..
طوال الوقت كان عقلي شارد بتلك الفتاة و انظاري تدور حول النافذة.. فكرت في الكارثة التي كنت علي وشك القيام بها.. اي طريقة هذه التي من خلالها كنت ساتحدث اليها.. ماذا ان قامت بصفعي؟ يالهي سأجن.. بينما كنت افكر بكل هذا.. قاطعني احد الطلاب: استاذ؟ من مسؤوليات ادارة الاعمال : العمل علي تفعيل دور الابتكار في الحديث؟!! ..نظرت له باندهاش : ماذا؟؟ ثم نظرت الي اللوحة ووجدت اني كتبت هكذه : تفعيل دور الابتكار في ايجاد طرق للحديث مما يساهم في تقريب المسافات و تبادل الافكار… سحقاً ما هذا ! ..وجدته طريقة لتصحيح مافعلته فاجبت الطالب : اجل! بالطبع! فإن ايجاد طرق جديدة للحديث اللطيف ” وانا انظر باتجاه النافذة ” اقصد.. اقصد الحديث الممتع يساهم في استقطاب المزيد من العملاء للموسسة التي تعمل بها.. من الواضح انهم اقتنعوا.. هذا جيد..
بعد ساعة من بدأ المحاضرة ،جاء وقت الاستراحة ،5 دقائق لا اكثر.. ركضت ناحية النافذة هل ياتري لا تزال هناك؟ انها لم تتحرك من مكانها هذا غريب ساعة كاملة؟ ولكن المهم انها هنا فرحتي لا توصف… ماذا علي ان افعل الان؟؟ بينما كنت افكر في اي طريقة تجعلني اتحدث معها وجدتها تنظر باتجاه النافذة.. هل حقاً تنظر لي؟؟ قمت بالاشارة لها مبتسماً باعثا لها سلامي ..فتجاهلتني و عادت لتنظر لكتابها.. هل تصرفت مثل الاحمق؟؟ … مر الوقت و انا لم احرك نظري عنها : حركي راسك هياا!! انظري الي!! واخيراً بعد ذلك نظرت ثانية و هذه المرة ضحكت لا اعلم ان كان هاذا لطفا ام سخرية .. فقمت بالاشارة لها : متي سترحلين؟.. توقعت انها لن تجيب او ستغضب ولكنها اشارت لي : بعد ساعة.. و بدوري : هل يمكنك الانتظار اكثر؟ اريد حقا الحديث معك! فردت : لا يمكنني اسفة! ولكن انا اتي دائماً هنا… انتهت الاستراحة وعادوا الطلاب و بعدما انتهينا من المحاضرة ذهبت راكضا الي الحديقة و بالطبع لم اجدها.. ولكن مع ذلك كنت سعيدا للغاية.. لقد دار بيننا حوار حتى وان كان صامتاً و بالاشارات..
في صباح اليوم التالي و قبل ان أبداً اي محاضرات.. قمت بفعل شئ جنوني.. لقد كتبت رسالة وخبأتها في مكان جيد في الحديقة ولكني بعد ذلك فكرت ملياً فخفت ان تنزعج من هذا التصرف فقمت بتمزيقها …انتظرت و انتظرت الي ان اتت اخيرا و نظرت بتجاهي.. فكنت استغل وقت الاستراحة بالحديث اليها حتي وان لم استطيع ان اسمع صوتها و في كل مره اطلب منها البقاء لبعد نهاية المحاضرة ولكن بعد ما اخرج من القاعة اجدها اختفت من الحديقة.. علمت ان اسمها دارين.. استغرت وقتاً في فهم اسمها بالاشارة فيبدو انها تجيد لغة الاشارة جيدا فحركات يديها سريعة واما انت فبالكاد استطيع ان افهم هوامش ماتقول..وعلي ما فهمت من اشاراتها انها تدرس هنا ولكني لم افهم ماذا تدرس تماماً.. و قالت ان عمرها 23 سنة.. فقولت في نفسي 26 مع 23 ياله من ثنائي رائع.. ذهبت بخيالي بعيدا اليس كذلك؟..
استمر لقائنا البعيد و حديثنا الصامت هذا لأكثر من 3 اسابيع… كنت اراها بمعدل 10 دقائق في 4 ايام فقط في الاسبوع.. لقد سئمت ..اريد مقابلتها لم يعد بإمكاني الاستمرار هكذا ..فقررت ان اقابلها غدا في الحديقة بدون ان اخبرها مسبقاً.. فطلبت من زميل لي ان يدرس محاضرتي في مقابل ان اقوم بتدريس محاضراته الثلاث اليوم.. حسناً اظن ان هذا استغلال ولكن ليس لدي حل اخر.. المهم اننا اتفقنا ان نتبادل المحاضرات..
في اليوم التالي قبل ان اذهب للمؤسسة قمت بشراء باقة من الزهور ..و بدأت عملي الي ان يأتي الوقت الذي اراها فيه.. واخيراً اتت و لكنها لم ترني.. قلبي كان يتسارع واخيرا سأقابلها.. انا متلهف حقاً لسماع صوتها.. هذا جيد لم يبقي سواها في المكان لم يعد الا زهرتي فقط.. عندما اقتربت من مكان جلوسها… يالهي انها تشبه قطعة السكاكر لازلت تقرا في كتابها ولم تنتبه على.. تقدمت اليها فنظرت الي و الي باقة الزهور و ابتسمت خجلاً والغريب انها اشارت : الزهور جميلة جداً.. ولكنها لم تتحدث.. فضحكت وقلت لها الان واخيراً نتحدث وجه لوجه، لم تستخدمين الاشارات؟ فمآءت بوجهها انها لم تفهمني و لم تسمع ما قلت.. و اشارت : هذه هي الطريقة التي اتحدث بها..
فلم اشعر باي شئ يحدث سوى اني اسقطت باقة الزهور علي الارض.. ماذا يعني ان هذه هي الطريقة التي تتحدث بها؟ وكيف لا تسمعني؟؟ أيعقل انها… ؟ تغيرت ملامح وجهها قلقاً عندما نظرت اليها باندهاش ثم رحلت بدون كلمة واحدة حتي تاركا ورائي دارين وهي واقفة بمفردها تنظر الي باقة الزهور ملقاة علي الارض… لقد توقف عقلي تماما و ذهبت الي بيتي حتي بدون الرجوع للاستئذان من المدير..
انها الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ، حاولت النوم مراراً وتكراراً ولكني لم استطع نسيان ماحدث اليوم.. لا تتحدث و لا تستطيع سماعي حتي؟؟ ولكن هل أخطأت بتصرفي هذا؟ ولكنني صدمت حقاً.. أهذا هو اللقاء الذي كنت اتلهف اليه؟؟ لرؤيتها عن قرب و سماع صوتها و الاستمتاع بالحديث معها؟! ولكن لا.. لم يكن يجب ان اتصرف بذاك الغباء.. من المؤكد اني جرحت مشاعرها… يا إلهي سوف ينفجر رأسي من التفكير ماذا علي ان افعل الان؟ هل اذهب للاعتذار منها غدا؟ ولكن بأي وجه افعل هذا!؟ كم اتمني لو ان عقلي يتوقف عن التفكير باي طريقة..
ذهبت الي مدير المؤسسة حيث طلبني و كنت متاكد انه سوف يقوم بتوبيخي عن تركي لبقية المحاضرات بالامس وهذا ما حدث و لكن لاحظ التعب والارهاق علي وجهي فاستنتج انني كنت متعب لذلك تركت العمل و لكن كان يجب ان اخذ الإذن منه مسبقاً .. و بعد ذلك عدت الي عملي ثانية… و عندما جاء الميعاد الذي تأتي فيه دارين كل مره الي الحديقة نظرت مطولا من النافذة و مر الوقت و لكنها لم تأتي و هذا ما حدث باليوم التالي ايضاً.. فأيقنت هذه المره اني لن اراها مره اخري …و عدت لحياتي المملة مره اخري ..المحاضرات.. كوب القهوة في الاستراحة و العودة للمنزل..
مر اكثر من اسبوع منذ اخر مرة رأيت فيها دارين و فعلت مافعلته.. اليوم هو اليوم المنحوس المتكرر في اسبوعي.. الثلاثاء اللعين ..في السابق كنت اتحمل ارهاق هذا اليوم في التفكير في حديثي مع دارين في اليوم التالي ولكن الان.. ليس لدي ما يكسر هذا الملل.. بقي لدي ثلاث محاضرات اخري ولكنني أعلمت انه تم الغاء بقية المحاضرات لانه كان هناك اجتماع مع مدير المؤسسة و جميع اساتذة القسم المجاني.. فذهبت وحضرت الاجتماع وكانت المفاجأة.. دارين كانت هناك!! كانت من ضمن الاساتذة بالمؤسسة كيف يعقل ان يكون هذا؟!!
لم انتبه لكلمة واحدة قيلت في الاجتماع فكنت انظر الي دارين فقط.. و بالطبع هي لم تعيرني اي اهتمام.. لم أفهم كيف لها ان تكون مدرسة و هي بهذه الحالة؟ وكيف ستفهم مايدور في الاجتماع و لكن المدير كان يستخدم اللوحة الالكترونية و كان يقوم فقط قراءة المكتوب عليها فتذكرت انها تستطيع القراءة. ..ولكن لا ازال لا افهم كيف لها ان تكون معنا هنا!! ..انتهي الاجتماع و حاولت اللحاق بها علي الاقل يمكنني الاعتذار منها ولكن لم تعطيني اي فرصة لذلك.. ادركت ان صديقتها التي تسير معها هي مريم واحدة من الاساتذة القدامى في المؤسسة.. انا لم اتحدث اليها من قبل ولكن علي الاقل رأيتها من قبل وأعرفها..
تحدثت مع مريم في اليوم التالي لربما اجد طريقة من خلالها للوصول لدارين او ربما لقلبها ..بصراحة تفكيري لا يزال مشوشاً و لكن الفتاة لطيفة جداً و اريد ان اتقرب اليها لا اعلم ان مان هذا حباً او شفقة مني ولكن كل ما اريده الان هو ان اجد طريقة للاعتذار منها.. وسار حديثي مع مريم هكذا : كنت اريد ان اسالك عن الاستاذة الجديدة تبدو صغيرة في السن هل هي صديقتك؟
مريم: هذا غريب! لما تسألني انا؟ اذهب وتحدث معها وجها لوجه؟ .. فاندهشت من كلامها هذا و قلت لها : كيف لي ان اتحدث معها انتي تعرفين انها بكماء و صماء.. فنظرت لي مريم بغضب.. فقلت لها بسرعة: اسف اسف لم اقصد ان اهين صديقتك ولكن اقصد انها لن تسمعني.. اوه اقصد… فقالت لي : اهدأ افهم قصدك.. حسنا القصة باكملها.. ان دارين كانت سليمة لصفها الاول الثانوي مرت بحادث ادي بها لصدمة افقدتها حاستي السمع و النطق .. ولكنها حافظت علي الحصيلة اللغوية الي حصلت عليها و اكملت دراستها الجامعية الي ان اقترحت عليها ان تأتي الي المؤسسة لتقوم بتدريس لغة الاشارة مما يساعدها في المعلومات التي تجمعها لرسالة الماجستير التي تقوم علي اعدادها.. فهي تعمل معنا منذ شهرين تقريبا.. و كانت تنتظرني كل مره بعد انهاء محاضراتها لكي انهي محاضرتي الاخيرة و نغادر سويا.. وأرجوك ان تبتعد عن طريقها فيكفيها ما مرت بها من ظروف صعبة في حياتها.. فقلت لها : لماذا تظنين اني اريد التلاعب بها او اذيتها؟.. فأخبرتني بكل ثقة: لقد قلت بنفسك منذ قليل انها بكماء و صماء.. فلماذا تريد التقرب منها؟؟.. لا اعلم ماذا حدث لي عندما سألتني هذا السؤال فكل ما فعلته انني بقيت صامتاً.. فإستأذنت و ذهبت لمحاضراتها… ماذا حدث؟ لم لم اجيبها؟ لماذا اريد التقرب منها؟؟ انا حقاً لا اعلم…
فكرت كثيرا في اجابة لسؤال مريم ولكني كنت لا ازال مشوشاً.. هل حقاً اريدها؟ ام انني فقط اشتاق لذلك الوقت القليل جدا الذي كنت امضيه معها؟ ام انني اشعر بالذنب تجاهها فقط؟ …حاولت كثيراً ان اقابل دارين في المؤسسة ولكنها لم تقبل حتي برؤيتي.. وتوقفت عن انتظار مريم في الحديقة ايضاً.. فتذكرت تلك المره التي كنت اريد ان اكتب رسالة لها واضعها في الحديقة… فقمت بكتابة رسالة مره اخري و لكن هذه المره قمت بإعطائها لمريم علي ان تقوم بإيصالها لدارين.. رفضت كثيرا و لكنني بالنهاية اقنعتها.. و كان كلامي بالرسالة هكذا : “مرحبا دارين.. هذا انا رائد ! ارجوكي لا تقومي بإلقاء الرسالة.. انا فقط اردت الاعتذار منك اكثر من مره ولكني لم استطع.. لم تعطيني اي فرصه للحديث.. اعلم ان ردة فعلي كانت غبية للغاية عندما قابلته و حقاً كنت سعيداً جدا عندما كنت اتحدث اليكي وان لم اسمع صوتك حتي ..كل ما اردت قوله .. اريد فرصه لمقابلتك.. فرصة أخيرة فقط” حسناً اعلم انني لم اعتذر ولم اذكر كلمة آسف حتى..
ولكن لم ارد ان يكون اعتذاري تقليدي و بدون معني.. لم استطع مقابلة مريم بعد ذلك بيومين فقد انشغلنا كثيرا في المسابقة التي اسستها المؤسسة علي النظامين المدفوع و المجاني وفي المسابقة رأيت دارين و لكن كالعادة لم استطع الحديث معها… لم انتبه للمسابقة ولا للطلاب فركزت نظري علي دارين وحدها.. كنت اراقبها كيف تتعامل مع الاطفال.. كانت رقيقة جدا و ابتسامتها تسيطر علي تفكيري و كانت تساعدهم بكل لطف مثل الجنية الصغيرة التي كنت اراها في احلامي عندما كنت صغيراً.. الان اعترف انني اخطأت بردة فعلي الحمقاء تلك.. كيف لي ان اجرح مشاعر فتاة بكل هذه الرقة و اللطف.. و ما المشكلة في انها لا يمكنها ان تسمعني او تحادثني ..يكفي انها بذكائها استطاعت ان تستكمل دراستها بعد الجامعية.. فحين انني بالكاد اكتفيت بشهادتي الجامعية… بدات افكر بجدية في ان الحياة مع فتاة بجمال و رقة و ذكاء دارين سوف تكون حياة رائعة و مثالية.. وقررت انني سأحاول تعلم لغة الاشارة لكي لا يقف امامي اي عائق في علاقتي معها.. و هذا كله طبعاً يتوقف علي موافقة دارين بإعطائي فرصة اخرى للتقرب منها.. ومن يدري ربما توافق هي نفسها ان اصير طالباً لديها..
انتهت المسابقة و كان هناك اجتماع بين كل الاساتذة ولكن بصفة غير رسمية ..كان مجرد احتفالية صغيرة بدعوة المدير لجميع الاساتذة بنجاح المسابقة علي اكمل وجه.. كنت لا أزال اراقب دارين من بعيد وانتظر الفرصة المناسبة للحديث معاها.. فوجدتها تشير لمريم علي الساعة وأنها تاخرت و يجب وان ترحل… هل كان يجب ان ادع اليوم يمر بسلام بدون اي حركات مجنونة؟ لقد ناديت علي دارين بصوت عالي حتي نظر الي الجميع باندهاش و صمت.. وذهبت الي دارين امام الجميع و انا ممسك بنفس باقة الزهور التي اشتريت مثلها في ذلك اللقاء المشؤوم ..و نظرت إليها بصمت ثم ركعت ممسكاً بباقة الزهور و قلت.. لا اعلم اذا كنتي ستفهمين ما سأقول و لكن انا حقا اسف و اعتذر بشدة عما بدر مني و اتمني لو تعطيني فرصة اخيرة كما طلبت منكِ مسبقاً .. اريدك ان تكوني صديقتي.. او ربما اكثر اريدك ان تكوني معي و لي ..اظن اني ان خسرتك لن اجد فتاة رائعة مثلك ثانية.. انا اقبل اي عقاب علي ذلك التصرف الاحمق الذي قمت به.. ولكن هل تسامحيني؟… سمعت اصوات الجميع يتهامسون : كم هذا لطيف ، اظن انها ستوافق، واشياء كهذا.. ولكن ماحدث صدمني ..دارين نظرت لي و للزهور “وقالت” لا !! لن أسامحك !! …ماذا ؟! دارين تستطيع التحدث؟!
سماعي لصوت دارين تتحدث اصابني بصدمة اكثر من تلك المرة التي ظننت فيها انها خرساء .. وماحدث في ذلك اللقاء هو تماماً ماحدث اليوم.. لقد أوقعت باقة الزهور و انتفضت غاضباً : ماذا؟؟ ماذا يعني هذا؟!.. ثم نظرت لمريم مندهشاً.. فقالت لي مريم : لا تنظر لي بهذه الطريقة! انا.. انا فقط..! …فقالت لي دارين بصوت حاد: انا من طلبت منها ان تقول لك هذا الكلام !! عندما رأيتك في الاجتماع تلك المره و حاولت اللحاق بي علمت انك ستتحدث الي مريم لتعلم كل شيء عني.. فاخبرتها ان تقولك اني فقدت حاستي السمع و النطق جراء حادث و انا في الثانوية!.. كان مؤلما هذا الشعور اليس كذلك؟؟.. فصرخت عليها غاضباً : ولماذا؟؟ ما كان الداعي لفعل كل هذا؟؟ …فاجابتني مستغربة : لماذا؟؟ هل تعلم كم كانت قاسية نظرتك لي فتلك المره التي قابلتني فيها؟ كنا نتواصل بالاشارة طوال الوقت فعندما قابلتني لم اجد اي مشكلة في الحديث معك بالإشارة علي سبيل المزاح ..ظننتك ستجد الامر طريفاً و بعدها كنا سنتحدث بطريقة عادية ولكن لوهلة عندما ظننت اني لا اسمع و لا اتحدث هل تعلم كيف نظرت لي؟؟ جعلتني اشعر ان هناك شيئاً ينقصني.. انني لست انسانة كاملة..انني غريبة وان هناك شيء خاطئ بي.. أهذا كله لأنك ظننت اني لا اسمع و لا اتكلم؟؟ هل كان هذا عيب بي؟؟ ..دراستي و تصرفاتي لا يعنوا شيئاً ؟ ماذا ان كنت قد تزوجت بفتاة و بعد الزواج حدث لها نفس الحادث؟ هل كنت لتتركها لانها خسرت شيئاً من جمالها او قدراتها السمعية او العقلية او اي شيء؟.. فإجابتي هي لا!! انا لا استطيع ان اسامحك استاذ رائد!! ..فصرخت في وجهها و دست بقدمي علي باقة الزهور غاضباً : وانا اسف جداً لأنني اعتذرت لفتاة مثلك.. بكت دارين وهي تنظر الي ثم ركضت بسرعة خارجاً… فقلت في نفسي: ما هذا الذي فعلته أيها الغبي الارعن؟؟ فذهبت خلفها مسرعاً : دارين!! دارين انتظري ارجوكي!! ..ولكي يزداد حظي سوءاً بدأ المطر يهطل بشدة.. رائع هذا ما كان ينقصني.. فأمسكت زراعها بقوة: انتظري ارجوكي… فصرخت في وجهي : ماذا الآن؟ ماذا تريد مني ؟؟ …فنظرت لها متوتراً جداً : انا… انا اسف!!.. فقالت غاضبة: هل تمضي حياتك كلها تخطئ وتعتذر؟ الا تجيد فعل شيء اخر؟.. فقلت: بلي! هناك شيء اخر.. انا احبكِ!! انا.. انا حقاً احبكِ دارين!! حتي وان كنت لا تسمعينني ولا تتحدثين لا يهمني!! جمالك و هدوئك و ذكائك وقلبك الرقيق كل هذا يكفيني حقاً…فنظرت الي بصمت مندهشة من كلامي… فقلت لها : هل تظنين انني اكذب؟؟ سترين بنفسكِ ” امسكت بذراعها بقوة ” سأخذك و اقول هذا امام جميع الزملاء.. فأوقفتني قائلة: توقف انك تؤلمني! فقلت لها اسف!!… صمتت قليلاً و قالت لي: هل تعلم كم مره قلت لي اسف؟… فقلت لها: اجل 5 مرات علي ما اعتقد!.. فضحكت وقالت : بل ثماني مرات أيها الاحمق! .. نظرت اليها بصمت وانا مبتسماً فسالتني مابك؟ ..فقلت لها صوتك و ابتسامتك و ضحكتك لم اري مثيلاً لهم.. في السابق كان قلبي يرقص فرحاً عندما اراكي من بعيد فقط فماذا الان.. ليس لدي كلمات تصف ما انا شاعر به الان.. ساعيد عليكي طلبي مره اخري.. ثم ركعت و قالت لي بصوت عال: هل جننت؟ لقد اشتد المطر قل ماتريد قوله في الداخل هيا!!.. فقلت لها : اريدك ان تكوني صديقتي..لا بل حبيبتي!! اريدك ان تكوني معي و لي ..انا متأكد اني ان خسرتك لن اجد فتاة رائعة مثلك ثانية…فهل توافقين؟ فقالت… لا!..وقفت وقلت لها غاضباً : عفواً يا آنسة؟؟.. فضحكت وقالت لي : موافقة بأن اكون صديقك و أما بالنسبة لحبيبتك.. فهذا امر يحتاج بعض الوقت! … فلم اشعر بما افعل واذا بي اعانقها و انا في غاية السعادة… فسمعت احدهم يصفق فالتفت لاري من هناك.. ياحبيبي! المدير و بقية الزملاء.. فقال المدير : ان شركتنا تشهد قصة حب يا جماعة!.. فقالت لي دارين بصوت منخفض : أرأيت ايها الاحمق؟ هذا كله بسببك ! ..فقلت لها: ماذا؟ بل بسببك انتي! لو لم تركضي الي هنا لما حدث كل هذا! ..فغضبت وقالت: هل تريد الشجار مره اخري؟؟ فقلت لها آسف و لكن بلغة الاشارة مما جعلها تبتسم ابتسامتها تلك التي اذابت قلبي !