سجل يا تاريخ .. د. حاتم العنانى
سجل يا تاريخ .. د. حاتم العنانى

د. حاتم العنانى (الإعلامى بوكالة أنباء آسيا)

على مرّ العُصور ظهر عظماء لعبوا أدواراً عظيمة صنعت أمماً وحضارات، وخَلَّدهُم التاريخ، لِما حملوه من رسائل سامية هَزَّت كيان البشرية جمعاء .
فى حياة الشعوب رموز وزعماء أثروا بشكل كبير فى تاريخ مجتمعاتهم وسجلوا أروع البطولات التى سجلت بحروف من نور فى صفحات التاريخ، وذلك بسبب مواقفهم المشرفة من عدة قضايا وخاصة قضية التحرر الوطني.

(سيف الله المسلول خالد بن الوليد (592 م – 642 م))

خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي صحابي وقائد عسكري، اشتهر بعبقرية تخطيطه العسكري وبراعته في قيادة جيوش المسلمين،
رفع راية الإسلام، وقاد معارك الفتح الإسلامى فى الشام، ولم يعرف الهزيمة قط ليكون واحداً من أعظم القادة العسكريين فى التاريخ، فهو لم يهزم فى أكثر من مائة معركة أمام قوات متفوقة عدديًا من الإمبراطورية الرومية البيزنطية والإمبراطورية الفارسية وحلفائها،
واشتهر بحسن تخطيطه العسكرى وبراعته فى قيادة جيوش المسلمين فى حروب الردة وفتح العراق والشام
حارب المسلمين في غزوتي أحد والاحزاب ولم يحارب في بدر لانه كان في بلاد الشام وقت وقوع الغزوة الاولى بين المسلمين و مشركي قريش ،
هو أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة، ينتمي إلى قبيلة مخزوم، وهي من أشرف قبائل قريش،
ولد خالد بن الوليد قبل الهجرة بخمس وعشرين عام، ووفقًا لعادة أشراف قريش،
أرسل خالد إلى الصحراء، ليربّى على يدي مرضعة ويشب صحيحًا في جو الصحراء. وقد عاد لوالديه وهو في سن الخامسة أو السادسة، فعاش وسط أسرته حياة منعمة مترفة، وكان قوي الجسم مفتول العضلات، فتفوق على الفتيان من أقرانه قوة ونشاطاً، وقد هيأت له أسرته كل أسباب العيش الهنيء، فلم يكن يصرف وقته كبقية أقرانه في العمل لكسب عيشه، فأموال والده تكفيه وتكفي قبيلته.
تعلم الفروسية كغيره من أبناء الأشراف، ولكنه أبدى نبوغاً ومهارة في الفروسية منذ وقت مبكر، وتميز على جميع أقرانه، ولذا كان يصرف وقته في ركوب الخيل، والتدرب على المبارزة، فشب على حب هذه الأمور،فبرز كفارس عظيم منذ صباه، فلم يصمد أمامه فتى من فتيان القبيلة في مبارزة،
كما عُرف بالشجاعة والجَلَد والإقدام، والمهارة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ. وهذا ما جعل قبيلته تعتمد عليه في غزواتها،
ومما زادهم ثقة، أنه لم يحدث لأحد منهم أن التقى بخالد سكراناً كبقية الفتيان من أقرانه، فكان إذا ما ضمه مجلس شراب ولهو ترك رفاقه في لهوهم وصخبهم وانتحى بنفسه جانبا، أو ترك المجلس، وكثيرا ما كانت تحدثه نفسه حين يرى تلك المجالس قائلة: ألمثل هذا خلق الشباب؟.
ما أن بلغ خالد مبلغ الرجولة حتى نال زعامة قومه في القتال، نالها بشجاعته وبطولته، التي شهد له بها قومه،
ولم تنقض سنتان على موت والده حتى كان قائد الميمنة في معركة أحد المشهورة،
تلك المعركة التي ما كان للكفار أن يكسبوها، لولا فطنة خالد وحسن تدبيره. خطط خالد فأحسن التخطيط ثم نفذ بدقة، وتابع العمل حتى جنت قريش بثمار عمله، وانتصرت على المسلمين في تلك المعركة..
كان خالد أحد صناديد قريش يوم الخندق الذين كانوا يتناوبون الطواف حول الخندق علهم يجدون ثغرة منه؛ فيأخذوا المسلمين على غرة، ولما فشلت الأحزاب في اقتحام الخندق، كان “خالد بن الوليد” أحد الذين يحمون ظهورهم حتى لا يباغتهم المسلمون.
وفي عام الحديبية، تصدى خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم أثناء سيره لمكة، وكان معه مائتا فارس، قادهم ليحول بين النبي وبين دخول مكة، ولما حان موعد صلاة الظهر صلى الرسول بأصحابه صلاة الخائف، هم بمهاجمتهم لكنه امتنع عن ذلك وقد بين السبب في تراجعه هذا بعد إسلامه فقال:
ولقد هممت بمهاجمتهم وهم في صلاتهم وما منعني إلا ما استشعرت به من حقارة وخسة، إن أنا غدرت، فلا يزال المرء يحتقر نفسه، إن تخلى عن شهامته ورجولته، وهو إن أصاب خصمه، فلا فضل له في ذلك.
إسلام خالد بن الوليد اعتنق خالد بن الوليد الإسلام بعد أن جاوز الأربعين سنةً من عمره، وكان ذلك بعد أن أرسل له أخوه رسالةً خاطبه فيها قائلاً: “سألني رسول الله عنك، فقال أين خالد؟ فقلت: (يأتي به الله)، فقال: ما مِثلُه يجَهِلَ الإسلامَ، ولو كان يجعل نِكايتَهُ مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولَقَدَّمْناهُ على غَيرِه، فاستدرك يا أخي ما فاتك منه فقد فاتتك مواطن صالحة”،
وقد كان خالد – رضي اللـه عنه – يفكر في الاسلام، فلما قرأ رسالة أخيـه سر بها سروراً كبيراً، وأعجبه مقالة النبـي – صلى اللـه عليه وسلم -فيه، فتشجع و أسلـم، وطلب منه خالد أن يستغفر له، ففعل
سيّر الرسول جيشاً من المدينة نحو بلاد الشام بقيادة زيد بن حارثة، وأخبر الصحابة بأنه إذا قتل زيد فجعفر بن أبي طالب ثم إذا قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. عند وصول الحملة إلى مؤتة، كان قوامها ثلاثة آلاف فارس لمواجهة الروم، فوجئت بعددهم يزيد بعشرة أضعاف،
دارت المعركة وكانت غير متكافئة فاستشهد القادة الثلاثة في المعركة، وسُلّمت الراية لخالد بن الوليد، فأخذ على عاتقه إخراج المسلمين من القتال بأقل الخسائر الممكنة، فأعاد ترتيب الجيش بخطةٍ تُوهم العدو بوصول مددٍ للمسلمين، ..
ثم راح خالد يناوش الروم، والجنود ينسحبون، حتى أوغلوا في الصحراء بعيداً عن الروم، في حين خشي الروم أن يتعقبوا جيش المسلمين، مخافة أن يكونوا قد نصبوا لهم كميناً في الصحراء.
واستطاع خالد أن يخرج القوة الأكبر للمسلمين دون قدرة العدو على مطاردة المسلمين؛ اعتقاداً منهم بوصول إمداداتٍ إليهم، ولم تلحق بهم الكثير من الخسائر مقابل خسائر الروم،
حارب خالد ببسالة في غزوة مؤتة، وكسرت في يده يومئذ تسعة أسياف. وبعد أن عاد إلى يثرب، أثنى عليه الرسول
وكان الرسول في المدينة يروي أخبار المعركة للمسلمين، إلى أن قال -عليه الصلاة والسلام-: (ثمَّ أخذ الرَّايةَ سيفٌ من سيوفِ اللهِ خالدُ بنُ الوليدِ ففتح اللهُ عليه)، ومنذ ذلك الحين سمي خالد: سيف الله المسلول.
فى يوم فتح مكة، ما إن وصل النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى مكة حتى جعل خالد بن الوليد على جناح الجيش الأيمن،
وكان رجال من قريش قد رصدوا الباب الذي دخل منه خالد وجنوده، فجمعوا له جمعهم وحاولوا منعه من التقدم، فشهروا السلاح، ورشقوه بالنبال، فاضطر إلى مقابلتهم بالمثل، فقتل منهم قرابة الثلاثين،
ولما انتهى خبر ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم غضب وقال: ألم أنهى عن القتال؟ فقالوا: إن خالد قوتل فقاتل. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: قضاء الله خير.. لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة.
ندب الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة ببضعة أيام خالد بن الوليد مع ثلاثين فارساً لهدم العزى وهي أحد الأصنام التي كان يعبدها العرب، ولم تكن مهمة هدم معبود من المهمات اليسيرة، التي يستطيع أن يقوم بها أي شخص،
لكن خالداً ليس إنساناً عادياً، وليس أي شخص ولذا فقد خرج حتى انتهى إلى العزى فهدمها وخرجت عليه امرأة شديدة السواد، طويلة الشعر، عظيمة الثديين، قصيرة، فضربها خالد بسيفه، وشقها نصفين وبذلك قضى على معلم من معالم الوثينة في الجزيرة العربية.
بعد أن التحق الرسول الكريم بالرفيق الأعلى، وآلت الخلافة إلى أبي بكر الصديق، هبت أعاصير الردة قوية ماحقة،
لم يسكت أبو بكر عن المرتدين وأرسل خالد على رأس أحد الجيوش التي أعدها لمحاربة المرتدين فسار خالد بجيشه إلى بني أسد، وكان منهم طلحة الأسدى قد ادعى النبوة، وعرف باسم المتنبي الكذاب.
ودارت المعركة بين خالد وطلحة، وكانت حرباً قاسية، فانتصر خالد ومن معه من المسلمين وقضى على تلك النبوءة الكاذبة وردهم إلى الحق والدين.
سار خالد بعد ذلك لمحاربة مالك بن نويرة، سيد بني يربوع لأنه منع الزكاة وارتد عن الإسلام، ولما وصل خالد منطقة البطاح، بث جنوده، فجاءوا بمالك وجماعة من قومه وحبسوهم،
وكانت ليلة شديدة البرودة، فأمر خالد مناديًا أن أدفئوا أسراكم، وظن الحرس – وكانوا من كنانة – أنه أراد قتل الأسرى – على لغتهم – فشرعوا فيهم سيوفهم بالقتل، حتى إذا ما انتبه خالد كانوا قد فرغوا منهم.
وأراد خالد أن يكفّر عن ذلك الخطأ الذي لم يعمده فتزوج من أم تميم ليلى بنت المنهال امرأة مالك؛ مواساة لها، وتخفيفًا عن مصيبتها في فقد زوجها الفارس الشاعر.
توجه خالد بعد ذلك لحرب مسيلمة الكذاب، وكان قد ادعى النبوة وهو من بني حنيفة، ويسكن اليمامة، وقد كان أشد المرتدين عنفاً، وأصلبهم عزيمة، وقد استعد لملاقاة خالد، فاستنفر قومه، فلبوا الدعوة، حتى بلغ عدد جيشه أربعين ألفا. التقى الجيشان فكانت معارك رهيبة انتصر فيها خالد في النهاية.. وصالحت بنو حنيفة خالداً بعد ذلك، وغنم ما عندهم من الخيل والإبل،
كان أبو بكر يدرك خطر قوى الشر الجاثمة وراء حدود الدولة الإسلامية، لذا فقد أعد العدة لنشر الدعوة في أنحاء المعمورة والتي كان يحكمها في ذلك الوقت أكبر دولتين الفرس والروم. وأرسل الخليفة أبو بكر، يأمر خالد بن الوليد بالتوجه إلى العراق.. وكان هرمز نائبا لكسرى على العراق..،
وعزم هرمز على القتال وجمع جنوده وتوجه لقتال المسلمين، حيث ربط جنوده بالسلاسل كي لا يفروا.. وتلاحم الفريقان وقتل من الفرس خلق كثير، ولم يتمكن من النجاة إلا قلة قليلة، لأن السلاسل كانت تشدهم وتحد من تحركاتهم ولذا فقد سميت هذه المعركة بذات السلاسل
وقد استولى فيها خالد على قلنسوة هرمز المزينة بالذهب والجواهر، ومثل هذه القلنسوة لم يكن يلبسها في فارس إلا الأشراف،
وقد منح أبو بكر هذه القلنسوة لخالد، مكافأة له على بطولته، .
ثم تابع خالد فتوحاته في العراق، وكان صيته يسبقه، فيفعل في أعدائه فعل السحر فلقد كان لانتصاراته الباهرة أثر كبير في تحطيم معنويات أعدائه.
جند أبو بكر أربعة جيوش لمحاربة الروم وأمر خالد بالتوجه إلى بلاد الشام لنصرة الجيوش الإسلامية هناك، وليكون أميرا لكل الجيوش الإسلامية، فترك العراق ومعه من اختاره من جنوده لمرافقته في هذه المهمة.. ..
سار خالد وجنوده يصلون النهار بالليل، والليل بالنهار، واستمر في سيره يفتح المدن والحصون، حتى أدرك مضارب العسانيين ..
فحاصر مدينة بصرى وكانت قلعة حصينة للروم، وتعتبر مفتاح بلاد الشام آنذاك، وكان قد حاصرها قبله، ثلاثة قادة من قادة المسلمين هم: أبو عبيدة و شرحبيل بن حسنة و يزيد بن أبي سفيان فاستعصت عليهم،
ولكن خالداً لم يغادرها إلا بعد أن اخضع أهلها ووافقوا على دفع الجزية، وكان لهذا أثر كبير في تحطيم معنويات الروم.
قرر قادة جيش الروم، حشد كل جنودهم في معركة واحدة، فيجهزون خلالها على العرب، فلا يبقى لهم وجود، وأدرك خالد ما ينويه الروم، ولذا فقد عبأ جيشه وقسمه إلى فيالق، ووضع خطة هجوم وخطة دفاع.
دارت المعركة كما توقع خالد، ولذا فقد جاءت خططه مناسبة تماماً فتم تنفيذها خطوة، خطوة . دار قتال ليس لضراوته نظير،
أقبل الروم فيه فيالق تتلو فيالق، كانت كأنها جبال تتحرك، وكان جيش المسلمين يندفع كالقذيفة، فبدأ للروم من المسلمين، ما لم يكونوا يحسبون، فقد رسم المسلمون لوحات رائعة لفدائية لم يشهد لها التاريخ مثيلا.
عندما بلغ خالد بن الوليد ذروة عظمته، آتاه كتاب أمير المؤمنين عمر بعزله عن القيادة وهو في قمة انتصاراته، فصدع بالأمر وسلم القيادة لخلفه أبو عبيدة بن الجراح بنفس راضية
وتحول سيف الله المسلول إلي جندي بعد أن كان قائد لجيش المسلمين،
فقد كان طرازاً فريداً بين الناس، رحمك الله يا أبا سليمان،
فلم يكن خالد من ذلك الطراز الذي يهمه شيء من هذا القبيل، ولذا فقد قال بعد أن انتهت المعركة:
“أنا لا أقاتل من أجل عمر، وإنما أقاتل في سبيل الله”
إنه يرى أن لا فرق بين أمير الجيش وأي جندي منه، كل منهما يؤدي واجباً وفرضاً عليه نحو الله الذي آمن به، ونحو الرسول الذي بايعه، ونحو الدين الذي ارتضاه عن قناعة وسار تحت لوائه.
امتثل خالد بن الوليد لأمر الخليفة عمر بن الخطاب، وأصبح تحت إمرة أبي عبيدة وسار معه باتجاه دمشق،
وكانت حصن الشام، ومقر قائد الروم، وعلى أبواب دمشق،
عسكرت جيوش المسلمين، وقد أنيطت مهمة الباب الشرقي بخالد بن الوليد وكان هذا الباب من أمنع أبواب دمشق. وفي يوم من أيام القتال ولد للبطريق فسطاس ولد وأحب أن يحتفل بهذا الحدث، فكان احتفالاً كبيراً،
انهمك الروم خلاله بالولائم، وغفل الجند عن مواقعهم، وكان خالد بن الوليد يرصد كل ذلك، وهو القائد الفذ، صاحب البصيرة النيرة، والشجاع الذي لا يشق له غبار،
فلما جثم الليل، نهض خالد وجنده، وبعض قادته ومنهم القعقاع بن عمرو و مذعور بن عدي، فقال لهم خالد: إذا سمعتم تكبير على السور، فصعدوا، واقصدوا الباب ولا تتوانوا..
تقدم خالد وصحبه إلى السور، حيث صعد القعقاع و مذعور، وعلقا عليه حبالاً، استخدمها الجند في الصعود، واعتلى خالد سور دمشق، وأمر المؤذن بالتكبير، فدوى صوته مجلجلاً بذكر الله،
وما إن سمع بقية الجنود التكبير حتى هرعوا إلى الباب، وقضوا على حراسه وفتحوا الباب الشرقي، مما أذهل الروم، وملأ قلوبهم رعباً،
فقد كان الروم يخافون خالد بن الوليد، ولذا فقد أسرعوا إلى باب الجابية وطلبوا الأمان، فقابلهم أبو عبيدة عند باب الجابية وكان معه خمسة وثلاثون صحابياً فكتب لهم الأمان.
بعد سقوط دمشق في أيدي المسلمين سار خالد لاستكمال فتح بلاد الشام ووصل الحاضر حيث التقى جيش الروم بقيادة ميناس فنشب قتال مرير قضى خالد فيه على ميناس ومن معه، وقد أمن خالد أهل المدينة،
وتابع سيره حتى نزل قنسرين، فدافع الروم عنها ببسالة، وضرب المسلمون حول المدينة حصارا محكما، ولما يئس الروم من القتال،
طلبوا الصلح من خالد، فصالحهم خالد بعد أن خرب المدينة، عقابا لهم على مقاومتهم، ذلك أنهم لم يطلبوا الصلح إلا بعد أن بذلوا كل ما لديهم من جهد.
انطلق خالد بعد ذلك يجوب سهول سورية فيقضي على كل من تبقى من الروم، وكان ظله يتقدمه فيرعب اسمه الأعداء، حتى أن هرقل اضطر أن يغادر الرها هاربا إلى القسطنطينية، وقبل أن يغادر بلاد الشام قال: السلام عليك يا سوريا، سلاماً لا لقاء بعده. .. وهكذا سقطت بلاد الشام كلها في يد المسلمين.
اختار خالد بن الوليد حمص لتكون سكناً له، حيث بقي فيها إلى أن وافته المنية، ولشد ما حز في نفس خالد أن يموت على فراشه، فقد تمنى أن تكون منيته وسط المعارك، فيقع شهيدا في سبيل نشر راية الإسلام، ولهذا قال حين أعياه المرض:
ما في جسدي موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح أو رمية سهم.. ثم ها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء…
وقبل أن تفارق روحه جسده الطاهر، أملى وصيته لعمر بن الخطاب ولم يكن لديه مالاً يوصي به، كل ما كان لديه، سلاحه وفرسه، وقد أوصى الفاروق أن يقدمها هدية للجهاد المقدس، ولما بلغت وصيته عمر،
وحينا سمع عمر بوفاته حزن كثيراً وقال:
“دع نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان، فإنهن لا يكذبن، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي”.
فقد ورد في عدة مصادر أن عمر رضي الله عنه كتب في الأمصار:
«إني لم أعزل خالداً عن سخطة أو خيانة، ولكن الناس فُتنوا به فخشيت أن يُوكَلوا إليه ويُبتلوا، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وأن لا يكونوا بعُرْضِ [بطريق] فتنة»
بل إن في رواية ابن كثير ما يؤكد ثقة عمر بن الخطاب بأمانة خالد وشجاعته وعدم الاستغناء عنه: «فلما انتهت الخلافة إلى عمر عزل خالداً وولَّى أبا عبيدة بن الجراح، وأمره أن يستشير خالداً؛ فجمع للأمة بين أمانة أبي عبيدة وشجاعة خالد»
(الزُّبَيْرُ بن العَوَّام)

هو أبو عبد الله الزبير بن العوام من أوائل الصحابة وكبارهم. ولد سنة 28 قبل الهجرة،
أسلم وهو حدث وله ست عشرة سنة، وقد تعرّض بعد إسلامه للتعذيب، وكان ممن هاجر إلى الحبشة، والمدينة،
وهو حواري رسول الله وابن عمته، أمه صفية بنت عبد المطلب، وهو ابن أخ أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وزوجته أسماء بنت أبي بكر.
أحد العشرة المبشرين بالجنة، و أحد أصحاب الشورى،
و أحد من مات الرسول وهو عنهم راض؛ لذلك اختاره عمر بن الخطاب في الستة الذين يصلحون بعده للخلافة.
أول من سلّ سيفه في ذات الله ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله ﷺ،
يضرب به المثل؛ فيقال: أفرس من الزبير بن العوام.
وفى غزة أحد ندبه الرسول مع أبي بكر لتعقب جيش قريش الراجع إلى مكة،
ولما رأت قريش ذلك ظنت أنه طلائع للمسلمين؛ وأنها أساءت تقدير خسائرهم،
فأسرعت نحو مكة.
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول مع على بن أبى طالب فوقف أمام الحصن المنيع يردد :
“والله لنذوقنَّ ما ذاق حمزة، أو لنفتحنَّ عليهم حصنهم”،
ثم ألقَيَا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن، وبقوةِ أعصابٍ مذهلةٍ، أحكما إنزال الرُّعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين،
شارك في غزوة اليرموك ضد الرُّومان، وحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح:
“الله أكبر”، واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربًا بسيفه، ثم قفل راجعًا وسط الصفوف، الرهيبة ذاتها حتى كتب الله النصر للمسلمين.
كان الزبير ممن بعثهم عمر بن الخطاب بمدد إلى عمرو بن العاص في فتح مصر وحين قدم على عمرو وجـده محاصراً لحصن بابليون، وطال الحصار، وقيل للزبير: إن بهـا الطاعون. فقال: إنا جئنا للطعن والطاعون.
فوضع سُلمـاً وأسنده إلى جانب الحصن ثم صعد، وأمرهم إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعـاً، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبِّرُ ومعه السيف، فتحامل الناس على السُّلَّم ،
فلما رأى الروم أن العرب قد ظفروا بالحصن انسحبوا،
وبذلك فتح الحصن وانتهت المعركة الحاسمة لفتح مصر،
وقد قُتل الزبير بن العوام في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين من الهجرة، وله ست أو سبع وستون سنة. لما كان الزبير بوادي السباع من نواحى الكوفة نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله غدراً وخلسة؛ وأعانه فضالة بن حابس؛ ثم سلب سيف الزبير،
صاح الإمام على بن أبو طالب: «بشر قاتل ابن صفية النار». وقبل سيف الزبير، وبكى قائلاً: «سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله».
ومن بعض فضائل الزبير:
أول من حمل السيف في سبيل الله.
ونزول جيريل -عليه السلام- على هيئة الزبير.
وفداه رسول الله بأبويه مرتين
(عقبة بن نافع)

عقبة بن نافع – فاتح بلاد المغرب – من كبار القادة العرب والفاتحين لبلاد الله في صدر الإسلام، واشتهر تاريخيًّا باسم «مرنك إفريقية»، وهو الاسم العربي لشمال قارة إفريقيا.
وُلِدَ عقبة بن نافع – رضي الله عنه – وهو صحابي بالمولد؛ لأنه وُلِدَ على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وهو يمُتُّ بصلة قرابة لعمرو بن العاص من ناحية الأُمِّ، وقيل: إنهما ابنى خاله.
وقد نشأ عقبة بن نافع تحت شمس الصحراء المحرقة، وفي جوها اللافح الذي يشبُّ فيها الرجال أقوياء. وأبوه نافع بن عبد القيس الفهري، أحد أشراف مكة وأبطالها المعدودين، وكان اسم عقبة يُطلق على عدد قليل من الفرسان الشجعان.
برز اسم عقبة مبكِّرًا في ساحة أحداث حركة الفتح الإسلامي، التي بدأت تتَّسع بقوَّة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه؛ حيث اشترك هو وأبوه نافع في الجيش الذي توجَّه لفتح مصر بقيادة عمرو بن العاص
شهد مع عمرو بن العاص فتح مصر، ثم شارك معه في المعارك التي دارت في أفريقيا (تونس حالياً)، فولاه عمرو برقة بعد فتحها، فقاد منها حركة الفتح باتجاه الغرب، فظهرت مقدرته الحربية الفائقة وحنكته وشجاعته، وعلا شأنه.
وفي خلافة معاوية بن أبي سفيان ولاه أفريقية، وبعث إليه عشرة آلاف فارس، فأوغل بهم في بلاد المغرب حتى أتى وادياً يسمى القيروان فأعجب بموقعه، وبنى به مدينته المشهورة، كما بنى به جامعاً لا يزال حتى الآن يعرف باسم جامع عقبة، وفي سنة 55 هـ عزله معاوية من ولاية أفريقية، فعاد للمشرق.
ويطلق الفقهاء على هذه المدينة “رابعة الثلاث” بعد مكة والمدينة المنورة والقدس
وكان رحمه الله مجاب الدعوة، قال الوافدي: جهزه معاوية على عشرة آلاف، فافتتح إفريقية. واختط قيروانها، وكان الموضع غيطة لا يرام من السباع والأفاعي. فدعا عليها، فلم يبق فيها شيء، وهربوا حتي إن الوحوش لتحمل أولادها. ونادى: إنّا نازلون فاظعنوا، فخرجن من جحورهن هوارب.
بعد وفاة معاوية وفي خلافة ابنه يزيد أعاد عقبة مرة ثانية للولاية سنة 62 هـ، فولاه المغرب، فقصد عقبة القيروان، وخرج منها بجيش كثيف فتح حصوناً ومدنا حتى وصل ساحل المحيط الأطلنطي، وتمكن من طرد البيزنطيين من مناطق واسعة من ساحل أفريقيا الشمالي.
قال عنه الذهبي: «كان نائب إفريقية لمعاوية وليزيد، وهو الذي أنشأ القيروان وأسكنها الناس. وكان ذا شجاعة وحزم وديانة، لم تصح له صحبة، شهد فتح مصر».
قال الليث بن سعد: «ثم خرج إلى المغرب بعد معاوية بن خديج، عقبة بن نافع سنة 46هـ،
خاض عقبة الصحراء، وفتحها بلدة بلدة، بجيش قليل وعزم أكيد، فجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء.
ختم عقبة رحلته الجهادية الميمونة، ومغامراته المباركة، برحلة قطع فيها ما يزيد على الألف ميل: من القيروان في تونس، إلى ساحل المحيط الأطلسي في المغرب، وكانت بداية هذه الانطلاقة سنة 62هـ.
كان قدوة وأسوة عقبة في رحلاته الجهادية القائد البطل خالد بن الوليد رضي الله عنه.
وكان من عادة عقبة أن يكون في مقدمة الجيش عند الغزو، ويكون في الساقة أى (المؤخرة) عند قفول الجيش.
كان عقبة كالإعصار الكاسح، اخترق هذه البلاد كلها هازماً لكل قبائل البربر حتى وصل بخيله إلى المحيط الأطلنطى فاخترق عقبة بفرسه ماء المحيط ثم قال بقلب المؤمن الصادق الغيور الذي بذل واستفرغ كل جهده وحياته لخدمة الإسلام:
“يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهداً في سبيلك، اللهم اشهد أني قد بلغت المجهود، ولولا هذا البحر لمضيت في البلاد أقاتل من كفر بك حتى لا يعبد أحد دونك”.
استشهد عقبة ومن معه قريباً من القيروان، – وهو قافل من المغرب الأقصى – عام 63 هـ، وعمره أربع وستون عام .في مكان يعرف حتى الآن باسم سيدي عقبة بالجزائر ..
ألا رحمه الله، وتقبل جهاده،.
وبهذه النفوس الصادقة والقلوب المؤمنة والعزائم الفائقة انتشر الإسلام في ربوع الأرض
(فاتح الأندلس، طارق بن زياد)

هو طارق بن زياد بن عبد الله فاتح الأندلس، وُلِد عام 670 ميلادية في في خنشلة بالجزائر،
وهو أمازيغيٌّ – (طويل القامة، ضخم الهامة، أشقر اللون) – نشأ في بيئة إسلاميّة عربيّة؛
حيث تعلَّم القرآن الكريم، وحفظ بعضاً من سُوَره، كما تعلَّم أحاديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وعلى الرغم من ذلك فقد كان مُحافظاً على لهجته الأمّ (اللهجة الأمازيغيّة)
وهو يُعتبَر من أهمّ القادة العسكريّين الأمويّين في التاريخ، ظهرت إنسانيّتة في العديد من المواقف، وقد سُمِّي الجبل الواقع جنوب إسبانيا باسمه (جبل طارق)؛ تيمُّناً به، ولا يزال جبل طارق المسمى باسمه شاهداً إلى اليوم على تاريخ الرجل، ففى عام عام 76 هجرية عُين طارق أميراً على برقة، غير أنه لم يلبث طويلاً في هذا المنصب، حيث شارك طارق مع موسى بن نصير – (أمير المغرب) – في فتوحاته الإسلاميّة، وكان من رجاله الأشدّاء حيث أبلى بلاءً حسنًا في حروبه. وقد أظهر مهارته في القتال، وقدرته في اقتحام المعارك، ومهارته في قيادة الجيش، بشكل لفت نظر موسى بن نُصير إليه؛ فولاه قيادة مُقدِّمة الجيش في المغرب، وهكذا أتيح لطارق بن زياد أن يتولى قيادة جيوش موسى، والسيطرة على حصون المغرب الأقصى حتى المحيط الأطلسي.
واستمرَّ طارق بن زياد في فتوحاته إلى جانب موسى بن نُصير حتى وصلا إلى أهمّ المُدن في المغرب، وهي مدينة الحسيمة، فتمَّت مُحاصَرتها حتى أسلم أهلها، وبهذا يكون المغرب قد خضع لحُكم موسى بن نُصير عدا مدينة سبتة لمناعتها و شدة تحصنها. وقد وُلِّي طارق بن زياد على طنجة؛ حتى يستطيع مُراقبة مدينة سبتة. وترك تحت تصرف طارق تسعة عشر ألفاً من البربر بأسلحتهم وعددهم الكاملة، مع نفر قليل من العرب ليعلموهم القرآن وفرائض الإسلام. أما موسى، فقد عاد إلى القيروان.
لكن شهرة طارق الأساسية ارتبطت بالأندلس حيث أشار موسى بن نُصير على طارق بن زياد بفتح الأندلس بعد أن وجد فُرصة لدخولها، فتوجَّه مباشرة نحو جبل طارق في عام 92 للهجرة، واستطاع فتح حصن قرطاجنّة، وسيطر على المناطق التي كانت تُجاوِر جبل طارق،
وعندما عَلِم لذريق حاكم الإقليم القوطيّ بما فعله طارق بن زياد، أرسل إليه الجيوش الواحد تلو الآخر، إلّا أنَّ طارقاً كان يقضي عليها نهائيّاً،
وكانت المعركة الفاصلة بين المسلمين، والقوط في سهل الفلنتيرة في رمضان من نفس العام 92 للهجرة، واستمرَّت هذه المعركة لمُدَّة ثمانية أيّام، وكان بطلها هو طارق بن زياد.
كما تجدُر الإشارة إلى معركة وادي لكة، وهي إحدى المعارك التي خاضها طارق بن زياد لفتح الأندلس، والتي انتصر فيها المسلمون انتصاراً كبيراً، وفيها كانت نهاية ذِكر ملك القوط (لذريق)؛ إذ إنَّه فرَّ، ولم يجد أحدٌ أيَّ أثر له؛ فكان آخر ملوك القوط،
وبعد أن انتهت معركة وادي لكة سار طارق، وجيشه باتّجاه الأندلس فاتحاً المُدن التي في طريقه، كطُليطلة، وغرناطة، ومالقة، وسار طارق بجيشه، وبمُساندة موسى بن نُصير حتى استطاع فتح الأندلس بصورة نهائيّة.
فى يوليو من عام 711 ميلادية تمكن القائد الإسلامى طارق بن زياد من السيطرة على شمال إسبانيا، وبدأت الأندلس منذ غزوها طارق تاريخها الإسلامي، وأخذت في التحول إلى الدين الإسلامي واللغة العربية، وظلت وطناً للمسلمين طيلة ثمانية قرون
بينما القائدان يفتحان البلاد وصلت رسالة من الخليفة الوليد بن عبد الملك يأمرهما فيها بالتوقُّف عن الفتح، والعودة إلى دمشق، وكان القائدان قد نَظَّمَا شئون البلاد، وغادر القائدان الأندلس وواصلَا السير إلى دمشق عاصمة الدولة الأموية، فوصلاها بعد تولية سليمان بن عبد الملك الخلافة بعد وفاة أخيه الوليد، وقدَّما له تقريرًا وافيًا عن الفتح، فاسْتَبْقَاهما الخليفة إلى جواره، وأقام طارق بن زياد هناك مكتفيًا بما حقَّقه من فتوحات عظيمة خلَّدت اسمه بين الفاتحين العظام من المسلمين.
ويُقال إنَّ طارق بن زياد آثر الابتعاد عن الأضواء مُتفرِّغاً لعبادة الله. وتوفي سنة 720 ميلادية، حيث عاش حوالي 45 سنة ومات شاباً.
لقد كان طارق بن زياد قائداً عظيماً؛ استطاع بإيمانه وصبره وعزيمته وإصراره أن يصل إلى هذه المكانة العظيمة، ونجح في تحقيق هذه الانتصارات لأنه كان يُفَكِّر في كل خطوة يخطوها، ويتأنَّى في اتخاذ القرار، ويجمع المعلومات قبل التحرُّك، كما كان مؤمنًا صادقَ الإيمان على يقينٍ من نصر الله حتى في أحرج الأوقات، فظلَّ يُحارب عدوَّه في لقاء غير متكافئ من حيث العدد والعُدَّة؛ لكنه تمكَّن من تحقيق النصر في النهاية بفضل الله تعالى.
إن طارق قد دخل التاريخ وخلد اسمه في العديد من الأماكن، وعلى رأسها الجبل المسمى باسمه، وفي عام 2012 م أصدر البنك المركزي البريطاني ورقة مالية تحمل صورته من فئة 5 جنيهات استرلينية
(جوانب من حياة القائد صلاح الدين الأيوبى)

ما انشغل المؤرخين بسيرة أحد مثل الانشغال بشخصية صلاح الدين، محرر القدس، الزعيم الملهم الذي وهب حياته لهذا الهدف.
صلاح الدين الأيوبي هذا الرمز العظيم من أشهر الشخصيات العربية على مرِّ التاريخ، ويعد من أعظم القادة العسكريين فى التاريخ الاسلامي
حاكم عربي وحّد العرب دون دماء، وحرر أوطانهم وحرر القدس
استطاع أن يسترد بلاد المسلمين قطعة قطعة إلى أن كانت المواجهة الكبرى في حطين واسترد علي إثرها بيت المقدس”
اشتهر بتسامحه ومعاملته الإنسانية لأعدائه، فلم يرق دماً بغير حق ولم يجري على قتال أحد إلا بعد استيفاء شروط الحرب والسلام
القدس لا تعرف إلا إثنين، عمر بن الخطاب الذى فتحها صلحاً وأبى رهبانها أن يسلموها لأى أحد سواه، وصلاح الدين الذى حررها، وكلاهما تعامل معها بمنتهى الرفق والرحمة والعفو والصفح،
تسعين عاماً قضاها الصليبيون فى القدس، عجز الجميع عن تحريرها ولكن الله شرف صلاح الدين دون غيره بهذا الشرف العظيم بعد 27 عاماً من الكفاح والنضال”
عاش 27 عاماً فى خيمة تهزها الرياح يمنة ويسرة
لم تأت انتصارات صلاح الدين على الصليبيين، خاصة فى «حطين» صدفة أو ضربة حظ بل كان وراءها فكر سياسى وعسكرى وتعبوى ودينى ومعنوى رائع لصلاح الدين”
لم يتراجع صلاح الدين عن كلمته مطلقاً مع أى شخص بغض النظر عن ديانته، وكان دائماً مجاملاً كريماً رحيماً حينما يكون منتصراً، وكان قاضياً عادلاً متساهلًا
صلاح الدين الفارس الشهم الذي يقدم يد العون والمساعدة حتى لخصمه الذي قطع آلاف الأميال لمقاتلته
بطل متجذر في أسمى مبادئ الفروسية”، وفارس لجميع الأزمنة،
صلاح الدين مثالًا طيبًا في الوفاء بالوعد والشهامة والكرم،
ترك كثيراً من الأولاد: سبعة عشر ولداً وبنتاً واحدة، ومع ذلك لم يشغل باله بجمع المال لهم، بدليل أنه ترك في خزائنه عند وفاته ديناراً واحداً وستة وثلاثين درهماً، أما ما دخل خزانته من أموال مملكته الواسعة التي ضمَّت مصر والشام واليمن والحجاز، فقد أنفقها جميعاً في الجهاد وأغراضه”
“صلاح الدين يمثل نموذجاً فريداً زعيماً للعرب وبطلاً نتغنى به كأعظم رمز يمكن التأسى به بعد الأنبياء والرسل، والصحابة وحوارى الرسل، تحية وسلاماً إليك يا من رفعت رؤوسنا حياً وميتاً”
*لم يكن “الأيوبي” مجرد شخصية تاريخية، بقدر ما أصبح أسطورة يقدسها العرب والغرب أيضًا”
“إن الجوانب المختلفة للدولة التي اهتم بها صلاح الدين الأيوبي تؤكد على أنه رجل دولة من الطراز الأول حيث اهتم صلاح الدين ببناء الإنسان جنباً إلى جنب مع بناء العمران،
“لم يخرج في التاريخ قائد عربي يشبه صلاح الدين لقدرته العسكرية وحبه للجهاد إلى جانب عدله ورأفته بالضعفاء وقد أعطى مثلًاً غير مسبوق لقادة التاريخ بأنه لم يقتل أي شخص عندما انتصر وحرر القدس من الغزاة “
“هذا صلاح الدين.. فمن أنتم؟”
(جهاد واستشهاد عمر المختار)

أسد الصحراء، وشيخ المجاهدين / عمر المختار ( من 20 أغسطس 1858 إلى 16 سبتمبر 1931)
المجاهد الليبي عمر المختار أيقونة نضال ليبية خالدة من الشخصيات التي تملك سجلاً ناصعًا في تاريخ النضال العربي وتحظى بجماهيرية واحترام من قبل الشعوب العربية لشجاعته وبطولته ونضاله ضد المستعمر الإيطالي طوال عشرين عاما.ً
قاتل المختار الحكومة الإيطالية، واستنزف قواها، وكان نواة لتشكيل قوى شعبية لمكافحة الاحتلال
لم يستسلم، ولم تخطر بباله قط فكرة الهرب عبر الحدود، اشترك فى معارك كثيرة لا يستطيع تحديدها،
أسد الصحراء / عمر المختار .. شيخ الشهداء و شيخ المجاهدين .. ، بدأ معركة تحرير وطنه، وعمره 53 سنة، استمر نضاله 22 سنة ضد الإحتلال الإيطالى الغاصب لوطنه الحبيب ليببا، وعمل على استنزاف قوتهم،
لما رأى منه السنوسى (ملك ليبيا) من صفات حميدة كان يقول وسط الناس:
«لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا”
ذاع صيته بين القبائل كمقاتل بارع متقن لأساليب الكر والفر فى المناوشات والمعارك الدامية بين المجاهدين الثوار والمحتل الإيطالى،
قبض علي المختار فى سبتمبر 1931م ليعدموه، وينشروا صورته لكسر عزيمة المقاومة الليبية، لكنه ظل مخلداً فى وجدان العرب
كتب عنه”غراتسيانى – القائد الإيطالى المسؤول عن المستعمرات فى ليبيا” – فى مذكراته:
«عندما حضر أمام مكتبى، يقصد المختار، تهيَّأ لى أننى أرى فيه شخصية آلاف المُرابطين الذين إلتقيت بهم أثناء قيامى بالحروب الصحراوية، وبالإجمال يخيل لى أن الذى يقف أمامى رجل ليس كالرجال: له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقف أمام مكتبى نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح».
«هذا الرجل أسطورة الزمان الذى نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام، لأنه الرأس المُفكر والقلب النابض للثورة العربيَّة «الإسلاميَّة» فى برقة، وكذلك كان المُنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا فى أيدينا».
«عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاء كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبى من جلالة الموقف، أنا الذى خاض المعارك والحروب العالميَّة، والصحراويَّة، ولُقبت بأسد الصحراء، ورُغم هذا فقط كانت شفتاى ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد، فانتهت المُقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمُحاكمة فى المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمُصافحتى ولكنَّه لم يتمكن لأن يديه كانت مُكبلة بالحديد، لقد خرج من مكتبى كما دخل علىَّ، وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير».
في الساعة الخامسة مساءً في 15 سبتمبر 1931 جرت محاكمة عمر المختار وبدأ استجواب المختار، وبلغ التأثر بالترجمان، حداً جعله لا يستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر
وبعد استجواب المختار ومناقشته، وقف المدعي العام “بيدندو”، فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام
وعندما جاء دور المحامي المعهود إليه بالدفاع عن المختار، يُدعى روبرتو لونتانو، – وكان ضابطًا إيطاليًّا شاباً فى رتبة نقيب – وقف وقال:
«إنَّ هذا المُتهم الذى انتدبت للدفاع عنه، إنما يُدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهى الوطن الذى طالما ضحينا نحن فى سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يُقاومه بكل ما يملك من قوَّة، حتى يُخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية.. إنَّ العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء، وإنى آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إنَّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث فى هذا العالم المضطرب»
فقام النائب العام ليحتج، فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة،
بعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت،
عندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار اكتفى بالقول: «إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمكم المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون».
كانت آخر كلمات عمر المختار قبل إعدامه: «نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت.. وهذه ليست النهاية.. بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه.. أمَّا أنا.. فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي». ونطق الشهادتين، ليتم إعدام شيخ المجاهدين
فى صباح يوم الأربعاء 16 سبتمبر 1931م، اتُخذت جميع التدابير اللازمة لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيات والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالى وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم فى قائدهم. وأحضر المختار مكبل الأيادى
وفى تمام الساعة التاسعة صباحًا سلَم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق فى الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وسار إلى منصة الإعدام،
من كلمات المختار الخالدة قال:
“لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي”،
” كل مسلم الجهاد واجب عليه وليس منه، وليس لغرض أشخاص إنّما هو لله وحده”،
“نحن الثّوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الآخر، ولا نسلم أو نلقي السّلاح”،
“كن عزيزا وإيّاك أن تنحني مهما كان الأمر ضرورياً، فربما لا تأتيك الفرصة كي ترفع رأسك مرة أخرى”.

سطِّر لنا التاريخ العديد من المواقف والأعمال العظيمة للعديدِ من الشخصيات العظيمة، كان لها، بصمةٌ واضحةٌ في تغيير مجرى التاريخ.