الدور الترويجى للاعلام خلال الحروب بقلم: د.امانى محمود

الدور الترويجي للإعلام خلال الحروب
بقلم :
د.أماني محمود كبير مذيعين بالتلفزيون المصري
الحرب هي الحرب في كل وقت وفي أي مكان، نار ودماء، لكن الدعاية السياسية والإعلامية هي ما تصنع السياقات التي تخرج منها الجدالات والانقسامات في وجهات النظر. ولطالما لعبت التغطية الإعلامية دورا ترويجياً هاماً. خلال الحروب، ولا سيما الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، حيث ظهر تأثير الدعاية كعنصر محوري في تشكيل رؤية ووجهة نظر العالم في مختلف بقاعه تجاه الحرب ومنذ الأيام الأولى، نجحت أوكرانيا بسبب سياستهاالليبيرالية في اكتساب الحرب الإعلامية الموازية لصالحها، عبر إدراكها لمعنى مواكبة الإعلام ودوره، والفارق الكبير الذي يمكن أن يصنعه. ففتحت جميع منافذها واستقطبت كبرى وسائل الإعلام وسهلت عملها، ولوحظ أن المهنية العالية هي التي تضبط أداء معظم طواقمها، وحيث لا وصاية أو رقابة أوكرانية رسمية وضحت حتى اليوم على المحتوى الإعلامي الذي يتم نقله للعالم. وفي المقابل، خسرت روسيا حربها الإعلامية منذ الأسبوع الأول، ليس للأسباب غير المقنعة التي ساقتها لتبرير حربها فقط، بل أيضا لجملة من الأخطاء المتتالية، كان من أبرزها القانون الذي أصدره مجلس الدوما حول تقييد العمل الإعلامي وحرية التعبير والتهديد بالسجن، وهو مادفع العديد من وسائل الإعلام العالمية إلى تعليق عملها في الاتحاد الروسي، الأمر الذي حصر الخطاب الإعلامي الروسي بالخطاب الرسمي المتمثل إما بتصريحات وزير الخارجية أو المتحدث باسم الكرملين أو وزارة الدفاع. ووصف بعض المراقبين أجواء الرقابة على الإعلام في روسيا بأنها تتجاوز الرقابة التي كانت سائدة خلال المرحلة السوفيتية وأنها أشبه بأجواء المرحلة الستالينية.كما لعب زيلينسكي الرئيس الاوكراني دورا إعلاميا واضحا في هذه الحرب فقد شاهدناه في الكثير من البيانات كما شاهدناه حاضرا بشكل إعلامي في الكثير من المحافل الدولية منها مجلس الامن والاتحاد الاوروبي عبر الفيديو كونفرس . وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد أعلن إعلاميا في وقت سابق إن روسيا تسعى إلى “تدمير أوكرانيا سياسيا من خلال تدمير رئيس الدولة”.
وكانت الأحداث المضطربة التي شهدها عام 2014 مسرح صعود زيلينسكي المفاجئ في عالم السياسة، وذلك عقب الإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، بعد “احتجاجات” دامت عدة شهور.وبعد عام واحد، أي في أكتوبر من عام 2015، عرضت الحلقة الأولى من مسلسل “خادم الشعب” للمرة الأولى عبر شبكة 1+1.حيث أدى زيلينسكي في المسلسل دور فاسيلي غولوبورودكو الذي كان صعوده السريع إلى القمة مشابها لما حققه زيلينسكي في مستقبل الأيام.وفي 2019 تمكن زيلينسكي من الفوز على الرئيس آنذاك بيترو بوروشينكو، الذي سعى إلى تصوير منافسه على أنه سياسي مبتدئ – رغم أن الناخبين اعتبروا ذلك ميزة من ميزات زيلينسكي المحمودة.
وانتخب زيلينسكي بأغلبية كبيرة بلغت 73,2 في المئة، وأدى اليمين الدستورية رئيسا لأوكرانيا في الـ 20 من مايو 2019. سن زيلينسكي قانونا شمل تعريفا للأثريا المتنفذين وفرض عليهم قيودا عديدة منها منعهم من تمويل الأحزاب السياسية.ولكن بعضا من منتقديه اعتبروا هذه الإجراءات المناوئة للفساد صورية وتجميلية، قائلين إن الغرض منها كسب رضا إدارة بايدن الأمريكية التي يعتبرها زيلينسكي درعا واقيا في مواجهة روسيا.كما واجه زيلينسكي عدة إحراجات إعلامية في سعيه للحصول على دعم بايدن.ففي يوليو، طلب الرئيس الأمريكي – الجمهوري – آنذاك دونالد ترامب من زيلينسكي “خدمة” في مكالمة هاتفية بين الرئيسين. طلب ترامب من زيلينسكي التحقيق في اتهامات بالفساد موجهة إلى بايدن الذي كان آنذاك المرشح الديمقراطي المفضل للفوز بالرئاسة الأمريكية.ووعد ترامب زيلينسكي مقابل ذلك باستضافته في واشنطن وتوفير دعم عسكري لأوكرانيا.والتقى زيلينسكي ببايدن في البيت الأبيض في سبتمبر 2021 ولكن بعد أن فضح مسرّب تفاصيل المكالمة، اتهم ترامب بممارسة ضغوط بشكل غير قانوني على الرئيس الأوكراني لإجباره على البحث عن معلومات مضرة بمنافسه السياسي.
وأصر ترامب على أنه لم يرتكب عملا خاطئا، بينما نفى زيلينسكي أن يكون قد وُعِد بأي شيء. ووجه الديمقراطيون إذ ذاك اتهامات رسمية لترامب، ولكن إجراءات عزله لم تكتمل عقب محاكمة ذات صبغة سياسية في الكونغرس.وكان لزيلينسكي نصيبه من الفضائح أيضا من خلال الإعلام.
ففي أكتوبر 2021، ورد اسمه في وثائق باندورا – التسريب الكبير لوثائق فضحت الثروات المخفية العائدة لكثير من أغنياء العالم وقادته.
ما الذي نعرفه عن وثائق باندورا؟
تسريب يكشف عن الثروات السرية لقادة عالميين وكشفت الوثائق بأن زيلينسكي والمقربين منه يهيمنون على شبكة من الشركات المؤسسة في ملاذات ضريبية.
ولكن زيلينسكي قال إن الوثائق لم تأت بجديد، ونفى بأن يكون هو أو أي من أفراد شركته – شركة كفارتال 95 – من الضالعين في عمليات غسيل أموال.
أشكال مختلفة للحرب الإعلامية بين البلدين
منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، لوحظ مدى اهتمام الإعلام العالمي وحرصه على التغطية المستمرة لوقائعها السياسية والدبلوماسية والإنسانية والعسكرية، ومواكبتها ميدانيا عبر مراسلين محترفين من الجنسين، أكفاء وشجعان، يقومون بتغطية دقيقة وحريصة للحدث تحت ظروف جوية شديدة القسوة. قتل خمسة منهم في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط، وهو رقم مرتفع يؤشر إلى مدى عنف المعارك على الأرض والخطورة القصوى التي يواجهونها. ولا يتعلق هذا الزخم الإعلامي بالحرب على أوكرانيا بسبب طبيعتها كحرب فقط، بل لأنها حرب مفصلية في التاريخ المعاصر، تدور في خلفياتها صراعات عميقة بين قوى عظمى ومصالح استراتيجية كبرى، وسترسم نتائجها تحالفات جديدة وخرائط سياسية ومستقبل مختلف يطال الجميع.
رصد تقرير موقع شبكة “ذا كونفيرسيشن” أن ما يحدث في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022، ينظر إليه في ضوء مختلف ويفسر بطرق مختلفة، باستخدام مصطلحات مختلفة، اعتمادا على المكان الذي يعيش فيه الناس. وتصف وسائل الإعلام الأوكرانية والغربية الغزو بأنه “حرب”، في حين تستخدم وسائل الإعلام الروسية مصطلح “عملية عسكرية خاصة”.
بعد فترة وجيزة من الغزو في أوكرانيا ، تم سن قانون جديد في روسيا. منذ 4 مارس، حيث أصبح من الجرائم الجنائية أن تنقل علنا، بما في ذلك عن طريق الشبكات الاجتماعية، أي “معلومات كاذبة عمدا حول نشر القوات العسكرية للاتحاد الروسي”. كما يشمل نطاق “المعلومات الكاذبة عمدا” الإبلاغ عن أي أرقام للضحايا تخرج عن الأرقام المعتمدة رسميا بالإضافة إلى استخدام كلمة “حرب”.
في السياق ذاته، لوحظ أن بعض المراسلين الذين مازالوا يعملون في موسكو، تشوب تقاريرهم لغة الحذر والانطباع بعدم الراحة بسبب شدة الانتباه والحرص المستمر على انتقاء المفردات المناسبة التي تراعي القيود الروسية، والابتعاد قدر الإمكان عن الاستنتاج أو الاجتهاد أو التحليل، والاكتفاء بنقل ما يتداوله الساسة والإعلام الرسمي وردود الفعل الرسمية، فيما الشارع الروسي غائب عن المشهد، أومغيّب بشكل أدق.
ويقول التقرير إن النخبة الحاكمة في روسيا تعلمت من أخطائها الخاصة حول أهمية فرض ضوابط صارمة على وسائل الإعلام. أظهرت الحروب الشيشانية في التسعينات والألفية الثانية-أنه بدون السيطرة على وسائل الإعلام، يصبح الوضع الحقيقي في مناطق الحرب معروفا للجمهور ويمكن استخدامه ضد من هم في السلطة. وخلال الحرب الشيشانية الثانية (1999-2009) وخاصة خلال الحرب الروسية الجورجية في عام 2008، بدأت روسيا في نشر “قوة الاتصالات” بالإضافة إلى القوة العسكرية.كما قيدت روسيا الوصول إلى المعلومات ذات الصلة، ونشرتها بشكل انتقائي وفقط لوسائل الإعلام الموثوق بها. سمحت أنواع تقنيات الدعاية التي درسها لأول مرة هارولد لاسويل، وهو منظر اتصالات أمريكي، للنظام الروسي بإنشاء صورة للحرب تكون أكثر قبولا لكل من الجماهير المحلية والعالمية.
روسيا اليوم، وهي قناة إخبارية أنشئت في عام 2005، كان لها دور فعال في استهداف الجمهور الدولي. وبلغت ميزانيتها التقديرية في عام 2015 حوالي 245 مليون دولار. وهي القناة التي حرص الغرب علي ايقاف بثها لديهم في إطار الحرب الإعلاميه .كانت روسيا اليوم، على وجه الخصوص، حريصة بشكل خاص على استغلال النقاط العمياء في التغطية الإعلامية الرئيسية في الغرب مع إخفاء الحقائق غير المريحة للحكومة الروسية في الوقت نفسه.
كيف تعمل الدعاية ؟
بالتحليل المستمر للأخبار التي تغطي الغزو الروسي لأوكرانيا “حيث حلل التقرير محتوى تقارير الحرب لثلاث مؤسسات إعلامية رئيسية “أوكرانيسكا برافدا” في أوكرانيا و “جازيتارو” في روسيا و”سي إن إن. وجميع وسائل الإعلام الثلاثة هي من بين مصادر المعلومات التي غالبا ما يتم الاستشهاد بها في بلدانهم الأصلية. يشمل نطاق تحليلي الشهر الأول من الحرب (حوالي 1.4 مليون كلمة في المجموع باللغات الثلاث.الكلمات الـ10 الأكثر استخداما في تغطية الحرب هي، بدءا من الكلمات الأكثر شيوعا: روسيا – أوكرانيا – بوتين – الحرب – الشعب – زيلنسكي – العقوبات – الناتو – الدفاع – النفط والغاز.
ومع ذلك، فإن استخدامها النسبي يختلف اختلافا كبيرا. على سبيل المثال، كلمة حرب غائبة بشكل ملحوظ عن موجز الأخبار في “جازيتا.رو”. يمكن العثور عليها في سياقات مختلفة فقط: “بدأ الغرب حربا مالية اقتصادية ضد روسيا”، أو ادعاء بأن “ميتا” – الشركة الأم لـ”فيسبوك” و”إنستجرام”، “أعلنت حربا إعلامية بدون قواعد لروسيا”.
يظهر تحليلي التركيز النسبي الذي توليه وسائل الإعلام. كلما اقترب مصطلح معين من وسيط على الخريطة، كلما ارتفع التردد النسبي للمصطلح في موجز أخبار الوسيط. على سبيل المثال، فإن التردد النسبي للمقاومة والناس وبوتين والصين والهجوم والأمة أعلى في موجز أخبار (سي إن إن) مقارنة بموجزي الأخبار للوكالتين الأخرتين”.
فوسائل الإعلام الأوكرانية والروسية تكرس اهتماما أكبر لقضية الأخبار المزيفة المزعومة أكثر من “سي إن إن”. تقع كلمة مزيفة في منتصف الطريق بين علامات “جازيتا.رو” وأوكرانيا برافدا وبعيدا عن علامة “سي إن إن”.
حتى القانون الذي يحظر استخدام كلمة الحرب في روسيا “مزيف” في اسمه العامي:”تم سن قانون المعاقبة على المزيفين حول عمل الجيش الروسي”، كما ذكرت “جازيتا.رو”.
الدعوات لمعرفة الحقيقة ونقلها هي الأكثر شيوعا في “أوكرانيا برافدا”: على سبيل المثال، تقارير تتضمن اقتباسا من تاراس شيفتشينكو، الشاعر الأوكراني: “لديك الحقيقة إلى جانبك” وأخرى من أولينا زيلينسكا، سيدة أوكرانيا الأولى:”أتوجه إلى ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية: استمروا في إظهار ما يحدث هنا، واستمروا في قول الحقيقة”.
إن ذكر الأبطال وضحايا الحرب وأسرى الحرب نادر بشكل ملحوظ في أخبار “جازيتا.رو”. وبدلا من ذلك، يميل الخطاب الروسي حول الحرب إلى التركيز على المفاوضات والتنازلات والدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الصراع.
وعلى النقيض من وسائل الإعلام الأوكرانية، يشير التحليل إلى أن وسائل الإعلام الروسية لا تقدم تقارير عن ضحايا الحرب. وللامتثال للقانون الجديد، يجب عليهم انتظار البيانات الرسمية – ويبدو أن الحكومة الروسية تفضل التزام الصمت بشأن هذا الموضوع.
وتظهر الدراسات الاستقصائية أيضا أن الروس “فخورون” بالعملية العسكريةوهذه الحالة ليست جديدة. كان القادة السوفييت ماهرين في السيطرة على تدفقات المعلومات واليوم،بعد ان أصبح الإنترنت وسيلة أكثر عملية. تعلمت الحكومة الروسية السيطرة على الإنترنت، وتقييد الوصول إلى المعلومات التي تعتبر غير مرغوب فيها.
وفي المقابل، يقلل الإعلام الأمريكي والغربي بشكل عام من المخاوف الأمنية لروسيا بشأن توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً باتجاه روسيا، وهو ما كان السبب الأكبر لإعلان الحرب، في المقابل خذل الناتو الأوكرانيين حيث رفض انضمام أوكرانيا كعضو من جهة، ولم يكف عن التلويح بإمكانية انضمام أوكرانيا، ما استفز روسيا وجعلها تستشعر الخطر قبل إعلان الحرب، وترك أوكرانيا في مهب الريح مع إعلان الحرب، كذلك حقيقة أن رهان الرئيس الاوكراني على معاداة روسيا مقابل آمال أن تصبح بلاده حليفا للغرب وينضم للناتو والاتحاد الأوروبي عرضت شعبه للموت والدمار والتهجير.