دكتور فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية: مصر قاطرة العرب الحضارية

تحولت القاهرة إلى ورشة فكرية للعالمين العربى والإفريقى، لا يكاد يمر أسبوع دون مؤتمر يبحث أحوال المنطقة العربية والإفريقية، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وصحيا، حيث تتحرك القاهرة فى دوائرها الحيوية فى وقت واحد، وتسابق الزمن من أجل النهوض بنفسها وبهذه الدوائر، وآخر ذلك مؤتمر صحة إفريقيا، الذى شهد مشاركة واسعة عربيا وإفريقيا، وكانت المشاركة المغربية متميزة ومعبرة عن عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، فى هذه الصفحات لقاء موسع مع المحلل السياسى والأستاذ فى كلية الطب خالد فتحى، الذى طاف بنا فى كل القضايا التى تهم منطقتنا، متأملا تأثير ما يجرى فى العالم علينا ودورنا فيه، فى رؤية اتسمت بالعقلانية الموضوعية والروح العروبية، التى تقدر ذاتها وتعرف قيمة نفسها ودورها الحضارى، ونحن فى مثل هذه الظروف أحوج ما نكون، إلى أن نسترشد بعقول الكبار من كتابنا ومفكرينا وأطبائنا لنضع أيدينا على ما ينقصنا، ولكى نفكر للمستقبل بآليات المستقبل.
الدكتور خالد فتحى، أستاذ أمراض النساء بكلية الطب بالرباط، ودكتور فى العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وكاتب وسياسى، كان ضمن المشاركين فى مؤتمر صحة إفريقيا 2022، فى القاهرة الذى جرى تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى. ولأن د. خالد فتحى متعدد النشاطات، فإلى جانب دراسته للطب هو حاصل على شهادة الدكتوراه فى العلوم السياسية، وله نشاطات سياسية ومجتمعية فى المغرب، فضلا عن كونه كاتبا وإعلاميا. “الأهرام العربى” التقته، وطرحت عليه العديد من الأسئلة فى عديد من المجالات، وإلى تفاصيل الحوار.
> هذه زيارتك الأولى لمصر بعد أربع سنوات.. كيف وجدتها؟
فى الحقيقة، مصر تعرف الآن ثورة إنمائية وإنشائية كبيرة، الورش فى كل مكان، ولا أحد بوسعه أن ينكر أنها بصدد نهضة اقتصادية فى كل المجالات فى السنوات الأخيرة، تجسدت فى مشاريع قومية إستراتيجية، هناك تشييد لبنية تحتية متطورة جدا، غيرت بالفعل من معالمها، وتحديدا القاهرة التى تحولت لورش مفتوحة، بفضل الرؤية السياسية السديدة لقيادة البلاد، واضح أن الدولة تعمل فى كل الاتجاهات، وفى كل ربوع مصر هناك جسور تبنى، وعمران ومدن جديدة تشيد، واستصلاح أراض للزراعة، ومزارع سمكية وبرامج اجتماعية واقتصادية وتطوير للمنظومة الصحية وللتأمين الشامل، إلخ يكفى القول إن صندوق النقد الدولى، صنف مصر من ضمن الاقتصادات الصاعدة القليلة، التى حققت نموا إيجابيا سنة ،2020، وهى سنة جائحة كورونا، برغم التحديات، لمست أن المصريين يعتبرون قيادتهم تسابق الزمن فى البناء، ولذا يتبدى لى أن هناك إجماعا على مفهوم الجمهورية الجديدة، أعتقد أن الرئيس السيسى، يستلهم تجربة وروح عهد محمد على باشا، بانى مصر الحديثة لإحداث النهضة الجديدة، وفى هذا الإطار، فإطلاق الحوار السياسى، جاءت فى وقته بعد أن نضجت كل الظروف الموضوعية لنجاحه، إنه لمثلج للصدر أن نرى مصر الحبيبة تسير على سكة الخير والنماء، وبالسرعة المطلوبة، وهذا يصب فى صالح أمتنا ككل .
> هناك أحاديث حول أن العالم ما بعد الحرب الروسية – الأوكرانية يختلف عن ما قبلها؟
هذه الحرب من تداعيات أزمة كورونا، التى جعلت الدول لا تنكفئ على حدودها فقط، بل وتحدد عمقها الإستراتيجى، هناك رسم جديد للخرائط، وتوزيع للأدوار والنفوذ، وغالبا ما يسبق ذلك مثل هذه الفوضى، لقد حاق الفشل بنظام الأمم المتحدة منذ شرعت أمريكا تتدخل فى الدول وتسقط أنظمة دون احترام للقانون الدولى، ودون إذن مجلس الأمن. مما شجع دولا أخرى راكمت فائض قوة للتبشه بهذا السلوك. بوتين تدخل فى أوكرانيا وجورجيا من قبل أن يشن هذه الحرب.
العالم لم يصل إلى نهاية التاريخ، كما توقع فوكوياما. هناك سقوط مدو لكل الأيديولوجيات، بعد أن فقدت الليبرالية أخيرا زخمها وبددت نصرها، لا ندرى أى شكل ستتخذه العولمة، ستبدأ صراعات حضارية تبنى على أساس التمترس بالهويات، المجتمع الدولى عاد إلى مجتمع الطبيعة، الكل ينشد انبعاث إمبراطوريته القديمة، بوتين يعتبر روسيا وريثة الإمبراطوريتين الرومانيتين روما والقسطنطينة، وبحارب باسم قيم مغايرة لقيم ما بعد الحداثة الغربية، لكنه فى الحقيقة يسعى لإنهاء هيمنة الدولار، نحن فى حالة من العماء على المستوى الدولى، حرب استعادة تايوان قادمة، والصدام الصينى – الأمريكى لا محالة سيقع، وبالتالى لا نتمكن من تخيل السيناريوهات بدقة، العالم سيظل طويلا فى حالة من الفتنة والفوضى، قبل أن يتكرر مصيرها نجاة أم هلاكا؟
> إذا كان هناك عالم جديد يتشكل، فأين العرب من هذا العالم؟
يختلف تأثير هذه الأزمة من دولة عربية إلى أخرى، وعموما العرب يبدون مترددين، وقد اختاروا سياسة النأى بالنفس، المعادلة مركبة يلعب فيها الغاز، والنفط، ولربما هناك أيضا عدم القدرة على معرفة مآل هذا الصراع الروسى – الغربى، مما يجعل بلداننا تنأى بالنفس مرحليا عن الأزمة، أعتقد أن هذه الحرب هى فرصة للعالم العربى، لكى يبحث عن مصالحه، وأن يتصرف ككتلة واحدة لفرض شروطه، أو على الأقل منع مزيد من تدهور نظامه الإقليمى الرسمى الحالى، الأهم ألا نتعرض لسايس بيكو جديدة ولتفكيك إضافى، مشكلة الغرب أنه يريد أن يفرض نموذجا أحاديا على كل دول العالم، دون اعتبار لخصوصيات الأمة العربية والإسلامية، هو لا يقدم لنا عرضا سوى التبعية، لكن نحن أيضا كنا القوة العظمى فى هذا العالم، إنها مرحلة دقيقة، ويمكن لمصر أن تلعب دور القاطرة للعالم العربى فى مفترق الطرق، فمصر قوة بشرية واقتصادية ضخمة، وتمتلك القوة الخشنة والناعمة على حد سواء، ولذلك يمكنها أن تلعب دور القادح لإنشاء قطب عربى.
> افتتحت مصر مقرا جديدا لسفارتها ماذا يعنى ذلك بالنسبة للعلاقات المغربية المصرية؟
إنها تدل على المستقبل الواعد، الذى ينتظر هذه العلاقات، علاقاتنا مع مصر لها خصوصية، كونها متجذرة فى التاريخ، وتعود إلى ما قبل الميلاد، وترسخت بمجىء الإسلام، لقد كانت دائما علاقات دفء ومودة وتعاون وثيق، ولا عجب فى ذلك فـ 30 % من العائلات المصرية أصلها من المغرب، هناك ارتباط حضارى ووجدانى وأسرى بين المغاربة والمصريين، وروحى كذلك، مثلا، كبار رموز الصوفية بمصر هم مغاربة: السيد البدوى، والقناوى، والشاذلى والمرسى أبو العباس.. إلخ . المغاربة شاركوا فى حرب 6 أكتوبر المجيدة، لذلك فالشعب المصرى يكن ودا كبيرا للمغرب وعاهله، ذلك أن مصر قدمت خدمات جليلة للمغرب خلال مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال، خصوصا بعد نفى السلطان المغربى، علينا أن نعرف الأجيال الجديدة من الشباب المصرى والمغربى على هذا التاريخ التليد للعلاقات، التى كانت متميزة سواء رسميا أم شعبيا.
هناك تطابق فى الرؤى بين البلدين، بخصوص القضية الفلسطينية، واحترام سيادة الدول العربية ووحدتها، وضرورة تجاوز الخلافات البينية العربية.
المغرب ومصر، دولتان رائدتان فى العالم العربى والإسلامى، ويمكن دائما أن يمتلكا مواقف موحدة ومنسقة فى عدد من القضايا الإقليمية، كالقضية الليبية، وقضية سد النهضة، هناك فرص كبيرة أمام المغرب ومصر لتحديد أوجه التكامل بينهما، والتعاون فى كل المجالات، سواء على مستوى إفريقيا أو العالم العربى، أو الفضاء المتوسطى، زيارة وزير الخارجية سامح شكرى، وتدشين مبنى فخم بحضور وزير الخارجية ناصر بوريطة، بهذا المستوى يدل على الرغبة المشتركة، فى الارتقاء أكثر بالعلاقات بين الجانبين، وهذا يلبى الآمال العريضة للاعبين الشقيقين المصرى والمغربى.
> هل يمكن أن تعطينا لمحة عن مؤتمر الصحة الإفريقى الأول؟
هو مؤتمر ترد من خلاله إفريقيا، على تنكر العالم المتقدم لها، عند اشتداد الجائحة، وتركه لها عزلاء دون تلقيح، هو أشبه ما يكون بمؤتمر باندونج، الذى أسس حركة عدم الانحياز، مع فارق أن مؤتمر القاهرة، يهم الجانب الصحى وإفريقيا وحدها، مصر تراهن بثقلها الإقليمى والدولى، على تعبئة إفريقيا لأجل الاعتماد على نفسها، إنها بهذا المعرض تؤسس عمليا للسيادة الصحية لإفريقيا، خصوصا وأنها أعلنته تقليدا سنويا.
المؤتمر كان فرصة لجرد وتشخيص أوجه النقص والضعف، فى المنظومات الصحية الإفريقية، ومن ثم شحذ همة الأفارقة لبحث سبل التنسيق والترابط والتكاتف بينهم، من خلال توطين التكنولوجيا الطبية على أرض إفريقيا، لكى لا تكرر مأساة كورونا مرة أخرى.
> ما انطباعاتك عن المؤتمر؟
انطباعى الأساسى، أن مصر دولة محورية بإفريقيا: تنظيم مبهر يليق بعظمة المصريين، وخلاصات إستراتيجية، لقد جمعت القاهرة كل الأفارقة تحت السقف المصرى، لاقتراح حلول صحية مستقبلية مرنة ومستدامة، فمصر استطاعت بهذا المؤتمر أن تعتلى إفريقيا، ودوليا المكانة التى تستحقها فى المجال الصحى، المؤتمر شكل فرصة لتأكيد الرعاية الصحية كأولوية للقادة الأفارقة والاتحاد الإفريقى، وحيويتها فى تحقيق التحول السياسى، والاجتماعى والاقتصادى والاجتماعى للقارة. إفريقيا أخرى تتخلق، إنها إفريقيا المعتمدة على نفسها، من خلال توطين صناعة الدواء، وتشارك التجارب والسياسات الصحية، على المستوى القارى، إفريقيا تثق بإفريقيا.
> فى المغرب كيف تصرفتم تجاه الجائحة؟
وصفتنا السحرية كانت الاستباقية، استفدنا من تجارب الدول التى سبقتنا فى التعرض للوباء، فكنا نشدد القيود ونرخيها فى التوقيت المناسب.
جلالة الملك محمد السادس، لعب دورا رياديا فى تجنيبنا الأسوأ، اتخذ قرارات صائبة وإستراتيجية فى كل المجالات، ليتم خلق صندوق مكافحة كورونا بميزانية ضخمة، لدعم الأسر والقطاعات الهشة على الصمود، وبادرنا بتأهيل المستشفيات، وتعبئة القطاع العمومى والخاص والطب العسكرى لأجل المواجهة. وبخصوص اللقاحات، شارك المغرب فى التجارب السريرية بشرط تزويده باللقاح، ونقل هذه المعرفة إليه، المغرب تفوق على أوروبا لقاحيا، مما أحاطه بإعجاب وتقدير كبيرين، وحقق معدلات تلقيح عالية جدا، لأن برنامجه الوطنى للمناعة كان يتميز بالصلابة والكفاءة قبل الجائحة.
لقد كنا بفضل جلالة الملك، من أوائل الدول التى عقدت صفقات اللقاح فى العالم، أيضا نهجنا دبلوماسية فائقة النشاط خلال الجائحة، حيث دعا الملك محمد السادس، إلى إحداث آلية إفريقية للاستجابة للوباء، وربطنا جسورا لمساعدة أكثر من 20 دولة إفريقية، وقمنا بتكوين القائمين على التلقيح بـ 22 دولة إفريقية، المغرب نجح فى تعديد مصادر اللقاح، وقد ساعده فى هذا أن الحرب ضد الوباء لم تخضع لمزايدات أو تجاذبات داخلية، بل كانت تجري وفق تخطيط إستراتيجى من طرف المؤسسة الملكية، التى قادت المرحلة بحكمة ونفاذ بصيرة، اعترف بها كل العالم، حيث اعتبر مدرسة فى مواجهة الجائحة.
> من وجهة نظرك، كيف يمكن للدول الإفريقية مواجهة الأوبئة؟
إفريقيا تسلمت استقلالات ملغومة، ولذلك هى تعيش فى دوامة المشاكل والفتن والحروب والإرهاب، فلم يتح لها أن تحدد جيدا أولوياتها، عليها أولا، أن تحقق الاستقرار والأمن، لأنه شرط لتحقيق السيادات الأخرى وضمنها السيادة الصحية، هناك دول إفريقية راكمت نموا مطردا، وبها خبرة وكفاءة فى المجال الصحى، يمكن أن تأخذ بيد الدول الأقل نموا، مثلا مصر التى قضت على البلهارسيا، والتهاب الكبد سى، والملاريا، ولها 11 مبادرة لتسريع القضاء على الأمراض، يمكنها أن تفيد بتجربتها هذه الدول الإفريقية التى لا تزال تتخبط فى هذه المشاكل، المغرب أيضا يمكنه أن يقدم الكثير فى مجال طب الكوارث، ومكافحة السرطان والأوبئة، ويمكنه أن يلبى حاجات إفر يقيا للأدوية.
السوق الإفريقية ضخمة جدا، وإفريقيا مدعوة لإبرام شراكات للتعاون الصحى بين بلدانها، هذا يتطلب أن ينخرط القادة الأفارقة، والاتحاد الإفريقى لأجل نجاح هذا المشروع الإفريقى، إن إفريقيا كما قال أحمد شوقى، تأخذ شكل عنقود، وما يميز العنقود هو ترابط حباته.
> كثيرا ما صرح بيل جيتس عن أوبئة وفيروسات لم تحدث، لكننا نفاجأ بوجودها مرة أخرى.. هل هي تنبؤات فقط؟
تصريحات بيل جيتس، لا تعدم جانبا من الصحة، هو لا يعلن جديدا عما يتوقعه العلماء، فإن تصريحاته، تجد على عكس توقعات العلماء، صدى عالميا، لشهرته الواسعة، وبالتالى تجذب الجمهور العادى، وعددا لا يستهان به من النخب، هو مالك مايكروسوفت، وهى من الشركات العملاقة التى تتهم بأنها حيدت الحكومات، وأنها تمسك بخناق وتلابيب السياسة والاقتصاد العالميين معا. لذلك تنعش هذه التصريحات نظرية المؤامرة، باعتبار أننا جميعا نتصور أن جشع الرأسمالية المتوحشة، يجعلها لا تتورع، بسبب الجشع، عن الاستثمار إلى ما لا نهاية، فى الخوف والمآسى الإنسانية، فهمها الربح أولا.
بيل جيتس يعرف أن جائحة أخرى فى الطريق، لأن العالم لم يستوعب الدرس، هو منغمس فى استنزاف الأرض، و التغير المناخى يستفحل، وقد يظهر فيروس آخر من عائلة كورونا، أو أى مسبب آخر، بسبب تحور فيروسات لدى الحيوان، أو بسبب العزوف عن التلقيح، أو تآكل المناعة البشرية، بفعل التوقف عن التلقيح ضد بعض الأمراض، أو تغير سلوك الإنسان واقترابه من بعض الحيوانات، بفعل تدمير الغابات مما قد ينقل إليه فيروساتها.
> هل يمكن أن يكون كوفيد- 19 مخلقا؟
هذا سؤال لا أظنه يحسم أبدا، كلنا يتذكر الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وكيف تحدث الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، عن فيروس صينى، فى حين اتهمت العاصمة الصينية بكين الولايات المتحدة، بنشره بالصين خلال الألعاب الأوليمبية العسكرية، واعتبرت آنذاك أن واشنطن مطالبة بتفسير، الآن تتغذى شائعة تخليقه بناء على ما يجرى على المسرح الدولى.
الدول تهدد بعضها بعضاً بالسلاح النووى، وسلاح الطاقة والعقارات الاقتصادية والغذاء، حتى القمح صار سلاحا إستراتيجيا، فما الذى يمنعها من تخليق فيروسات واستعمالها كأسلحة.
كورونا كانت عبارة عن حرب: إغلاق حدود، وتجنيد جيوش بيضاء من الأطباء، وضحايا عدوى يسقطون يوميا، واقتصاد حربى، ربما كانت هى الحرب الممكنة بين الصين والولايات المتحدة، لأن حربا نووية كانت لتعنى فناء العالم.
وقد رأينا روسيا، أخيرا تتهم أوكرانيا وأمريكا، بتصنيع فيروسات فى المختبرات، ولذلك فإن سلوك الدول العظمى هو من يسند مثل هذه الفرضيات. شخصيا أعتبر أن فيروس كورونا لم يكن مخلقا، بل هو جائحة كانت محتملة، ولم يستعد لها العالم. لأنه كان مشغولا بالسباق إلى التسلح. كما أن بكين لم تتحل بالشفافية لتنبيه العالم بسبب نظامها المركزى جدا خصوصا، وأن ليس للصحة العالمية سلطة إجبار الدول، ناهيك إن كانت دولة عظمى كالصين.
> عادة ما تستمر التجارب حول اللقاحات سنوات وسنوات، تصل إلى عقود زمنية حتى يسمح باستخدامها، كيف تفسر سرعة وجود لقاحات كوفيد 19-؟
بمثل هذه التشكيكات يحارب المناهضون للقاحات، التلقيح ضد كوفيد – 19، لكن لننتبه أنه داء غير مسبوق، كانت له تداعيات تتجاوز الصحة إلى شل كل القطاعات، فالسرعة كانت مطلوبة عالميا. والمختبرات كانت تتأهب لظهور أوبئة، وتشتغل على تطوير تقنيات جديدة ثورية لصناعة اللقاحات، ثم هناك التمويل الكبير لهذه الأبحاث، فالحكومات لم تكن تحتاج لحملات إقناع بجدوى التلقيح الذى برز كحل وحيد، زد على ذلك سرعة التجارب السريرية بفضل انخراط دول عديدة فيها، وكثرة المتطوعين، نظرا للوعى بخطورة الوضع الوبائى.
كما أن التكنولوجيا، وسهولة تبادل المعلومات الطبية والعلمية، والمعطيات الضخمة، والذكاء الاصطناعى، قد سهلت جميعا هذا الإنجاز، فنحن نعيش فى القرن 21، وهو متقدم بسنوات ضوئية على القرن الـ 20 .
> لماذا أصيبت شعوب دون أخرى بفيروس كوفيد 19-؟
الحقيقة أننا لم نكن متساوين أمام الجائحة، الكل يتوقع أن تجد كورونا مرتعها الخصب بإفريقيا، لكن وقع العكس، ولأول مرة لا توصم إفريقيا بأنها من صدرت الداء، كونها توصف بمهد الفيروسات والأوبئة، ولأول مرة أيضا يكون من الأفضل، أن تكون مواطنا من بوركينا فاسو، أو مالى، أو النيجر، على أن تكون مواطنا أمريكيا أو بريطانيا أو ألمانيا، أو سويديا، أوروبا نكبت برغم الإمكانيات، وقوة منظوماتها الصحية التى سقطت تحت ضربات الفيروس، لأنها قارة تغص بالمسنين، سجلت أكبر المعدلات، لكن شعوبا أخرى لا موارد لها نجت بفضل عدة عوامل:
منها فتوة الهرم السكانى، وقلة الشيوخ، وطبيعة عمرانها الذى لا يتسم بارتفاع الكثافة، وقوة مناعة مواطنيها بسبب اكتسابهم لمناعة ضد أوبئة أخرى، وكذلك لظروف الطقس والمناخ واختلاف درجات الحرارة والرطوبة.
هناك أيضا العامل المهم الذى يمثله وجود قيادة سياسية تتصف بالحكمة، وبعد النظر، وتبتعد عن الشعبوية، وتوفر نخبة صحية وإدارية قادرة على التخطيط والإبداع، فشح الموارد لا ينبغى أن يحبطنا فى مواجهة الأزمات الصحية، إذا كانت لنا الإرادة، وتزودنا بالأمل، كما قال الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال مؤتمر الصحة الإفريقى.
> هل يمكن للعرب أن ينتجوا لقاحات كالدول المتقدمة؟
العلماء العرب، كانوا حاضرين فى الأبحاث العالمية للقاح، فالعقول العربية لا تقل كفاءة وخبرة عن غيرها، هناك مثلا المغربى منصف السلاوى الذى كان رئيس فريق ترامب لإنتاج اللقاح، بالطبع لم تدخل أية دولة عربية سباق صنع اللقاح، بسبب تغييب البحث العلمى فى سياساتنا، وهذا أمر يحز فى النفس، لكن بيننا دولا قادرة على إنتاجه لتوفر الخبرة والأطر الكافية لديها، وأولاها مصر والمغرب وكذلك تونس.
مصر والمغرب يمكنهما تغطية حاجات القارة الإفريقية من اللقاح. وأعتقد أنه لابد من تنسيق خطة عربية فى مجال البحث العلمى، فى مجال الدواء، وكل المجالات، لإحداث نهضة حقيقية تخلصنا من التبعية المعرفية، إنه جانب من الأمن القومى العربى، ونحن أمة عظيمة.
> هذا يدفعنى إلى سؤالكم إلى أى حد يصل مدى التعاون العربى- العربى فى المجال الصحى؟
نتمنى أن يصل إلى المستوى المطلوب، وهناك الآن اقتراح من جمهورية مصر العربية، بإنشاء الوكالة العربية للدواء، وهناك أيضا حديث عن إنشاء المركز العربى لمكافحة الأوبئة، والمركز العربى للأبحاث الصحية والمعملية، والمركز العربى لتأليف وترجمة العلوم الصحية، والصندوق العربى للتنمية الصحية، لكنى أتمنى على الأقل أن يتم قبول وتفعيل اقتراح تقدمت به الشقيقة مصر العربية، لإنشاء الوكالة العربية للدواء، لأنه حيوى وذو طابع وجودى فى هذه الظروف، أما على مستوى الجمعيات العلمية العربية، فهناك تبادل للزيارات والتجارب فى المؤتمرات.
> هناك تعاون عربى – إفريقى فى هذا الجانب، كيف يمكن أن يساعد ذلك فى التعاون المشترك فى القارة الإفريقية؟
أعتقد أن الدول العربية التى تشتغل على إفريقيا، ينبغى لها أن تتكامل فيما بينها، لمزيد من النجاح والفعالية، السوق الإفريقية واعدة جدا، والدول العربية تحظى بالقبول لدخول هذه السوق، لأنه لا يوجد ماض استعمارى مثلا لمصر والمغرب بإفريقيا، هناك مجال للجميع، ويمكن أن يتم تقسيم الأهداف حتى لا تتعارض السياسات، والصناعات أو تتكرر. فالهدف هو توفير السيادة الصحية لإفريقيا، التى تشترى 98 % من حاجاتها من خارج إفريقيا، يمكن أيضا القيام بصناعة مشتركة للدواء والأمصال، اختراع وابتكار أدوية جديدة لإفريقيا من طرف عقول عربية إفريقية، هناك دول تحاول أن تخرج من عنق زجاجة الأمراض المتوطنة، كتنزانيا وجنوب إفريقيا وبوروندى، حيث يمكن مثلا أن تستلهم التجربة المصرية فى إخلاء مصر من فيروس التهاب الكبد سى، مصر تقدر على تقديم الكثير فى شرق إفريقيا، والمغرب كذلك يمكنه أن يفيد الدول الإفريقية الأطلسية، فيما يخص الصناعة الدوائية، والتلقيح وصحة الأم والطفل، وعلاج السرطان.