هل تلغي منصات الذكاء الاصطناعي دور المعلم في العملية التعليمية؟
تقرير دراسة بقلم سماء عبدالغني

سؤال طرحته سماء عبدالغني الباحثة في مجال العلوم التربوية والتعليم عن بعد من خلال دراسة أجرتها في مجال توظيف منصات وتطبيقات التعلم بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتعلم اللغات الأجنبية، حيث طرحت تطبيقات عالمية على الطلبة خلال العطلات المدرسية من أجل استثمار الوقت في تعلم لغات جديدة، وقد لاقت إقبالا واسعا لهذه المبادرة من جميع المراحل العمرية ومن جميع إمارات الدولة حيث بلغ عدد المقبلين عليها ما يقارب الـ 800 مشارك في تحدي اللغات العالمي في دورته الأولى عام 2019-2020 ضمن أنشطة مخيم المنار الافتراضي الذي يهدف إلى استثمار طاقات الطلبة في أوقات الفراغ تحقيقا لهدف استدامة التعليم والتعلم مدى الحياة.
وتضيف عبد الغني أن التحدي المعلن عنه هو تحدي في تعلم لغات جديدة، ولكن التحدي الخفي أو الضمني هو قدرة الطالب على إدارة عملية التعلم بشكل مستقل تماما بدون وجود معلم أو حتى بيئة مدرسية وذلك لقياس مدى نجاح تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحقيق نواتج التعلم المستهدفة في بيئة تعلم تعتمد كليا على الطالب وتستغني عن دور المعلم إذا جاز التعبير. وتأكيدا على تلك الفرضية هيا بنا نستعرض الأدوار التي قامت تقنية الذكاء الاصطناعي بها بديلا عن معلم اللغات على سبيل المثال. فنحن جميعا لا ننسىدور معلم اللغات سواء العربية أو الإنجليزية أو غيرها في عرض المفردات اللغوية الجديدة في الدرس والقيام بمهمة النطق الصحيح وشرح المعنى والاستخدام بطرق مختلفة وحث الطلبة على التكرار لعدة مرات للتدريب على مهارات النطق والحفظ.
هذا المشهد التقليدي مازال يخيم على صفوف عديدة حول العالم وصوت المعلم يكاد يختفي من دوره الآلي في هذه العملية المتكررة متنقلا بين الصف تلو الآخر على مدار اليوم والعام الدراسي. وهنا يأتي التساؤل الأهم.. كم نسبة الطلبة التي تكتسب تلك المهارات خلال وقت الحصة الدراسية وهل الوقت المخصص يكفي لتقييم كل طالب في إتقانه للنطق أو الاستخدام اللغوي الصحيح، وللأسف يعرف المعلمين جيدا أنه من الصعب تحقيق العدالة في متابعة كل طالب بشكل فردي للتأكد من ذلك. وهكذا تتراكم الصعوبات اللغوية على الطالب يوما وراء يوم وعاما بعد عام والنتيجة تدني المخرجات في اكتساب المهارات اللغوية الأساسية والتي تنعكس على المهارات اللغوية الأعلى من التفكير الناقد وتحليل النصوص الأدبية الأمر الذي يظهر جليا في نتائج الطلبة في الاختبارات الدولية في القراءة وغيرها.
وبالرغم من الجهود المبذولة من المعلم في عالمنا العربي لتدريس لغة أجنبية لغير الناطقين بها، إلا أن التقنيات الحديثة جاءت لتغيير هذا الدور بشكل جذري. فتجربة تحدي اللغات أثبتت أن الطالب يستطيع أن يتعلم لغة جديدة تماما بدون معلم ، فالتطبيق أو البرنامج الآلي يعرض الكلمة مدعمة بالصورة والصوت والفيديوهات وتفسير المعنى ويقوم الطالب بإعادة تكرارها آليا عدد من المرات المناسب له، بل ويستطيع الطالب التدريب على نطق الكلمات وقراءة الجملة فيعطي له البرنامج التغذية الراجعة تلقائيا بشكل آني آلي فوري محددا الأخطاء وإعطاء فرص لامحدودة من الإعادة حتى يكتسب الطالب بنفسه المهارة الصحيحة بدون وجود أو دور للمعلم الذي يمكن أن يخطأ كونه عنصرا بشريا غير معصوم من الخطأ أو التعب أو الملل من التكرار. إنه عصر الآلة في صوره العديدة التي ألقت بظلالها على جميع مناحي الحياة ومنها أساليب التعليم والتعلم.
وفي استطلاع رأي الطلبة على رأيهم في هذا الأسلوب في تعلم لغة جديدة، أفاد أكثر من 90 بالمائة أنها طريقة ممتعة ومشوقة لأنها تعتمد على أسلوب اللعب الرقمي بالإضافة إلى الحصول على نقاط وأوسمة إلكترونية بعد إنجاز كل مستوى، كما أتاحت لهم إشباع رغبتهم في استكشاف لغات عديدة في آن واحد حيث أفاد نحو 70 بالمائة من أصل مئة مشارك في الاستطلاع أنهم كانوا يتعلمون أكثر من لغتين جديدتين في وقت واحد. وأضاف المشاركين بالرغم من أنه تحدى لهم أن يبدؤا تعلم لغات جديدة بشكل مستقل إلا أن أكثر من 90بالمائة كان لديهم ثقة كبيرة وحافز داخلي على قدرتهم على اكتساب لغة جديدة وخوض هذه التجربة بدون رهبة من القيام بأخطاء حيث يتيح لهم البرنامج التصحيح الذاتي وإعادة المحاولات بدون توتر وقلق أمام الزملاء. بالإضافة إلى تنمية مهارات التنظيم الذاتي عن طريق تحديد الهدف اليومي للتدريب ومتابعة التقدم بشكل دوري من خلال الاختبارات القصيرة المستمرة عبر البرنامج بالإضافة إلى المرونة في اختيار الوقت والمكان والجهاز المناسب للطالب حسب احتياجاته الشخصية. من ناحية أخرى أفاد المشاركون أنهم افتقدوا البعد الاجتماعي لهذه التجربة التعليمية والتفاعلات المباشرة مع الأقران والاعتماد فقط على البرنامج الآلي مما يؤثر على ميلهم في الاستمرار لفترات طويلة.
وقد خلصت هذه الدراسة أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعلم اللغات بات في تطور متزايد ولكن بالرغم من حماس الطلبة في استخدامها بشكل مستقل والنجاح في ذلك بنسبة كبيرة، إلا أنه نسبة قليلة من الطلبة تحافظ على هذا الحماس حتى الوصول للمستويات المتقدمة وهنا يتجلى دور المعلم والدور البشري الذي لن تستطيع الآلة القيام به في الإلهام والتحفيز المستمر، وعلى المعلمين الاستفادة من تلك التقنيات في صفوفهم الدراسية بشكل يحد من الممارسات التقليدية ويسمح بتوفير الوقت المدرسي لمزيد من تطبيق أثر التعلم عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي في مهارات محددة والانتقال منها إلى خلق فرص تفاعل حقيقية ومواقف صفية تربط بين المهارات التي تم التدريب عليها آليا ونقلها إلى حيز التطبيق العلمي، ودور المعلم هنا يأتي جليا في تصميم أنشطة تأخذ الطالب من مرحلة الفهم والحفظ والتكرار إلى مراحل تفكير عليا عبر النقاش والحوار وحل المشكلات المرتبطة بالواقع وبيئة الطالبحتى يصل إلى مرحلة الطلاقة اللغوية. مع الأخذ في الاعتبار توجيه الطلبة إلى اختيار التطبيقات التعليمية بعناية شديدة بحيث تكون ملائمة للقيم والأخلاق والثقافة المناسبة وتراعي أعلى معايير الأمن والسلامة والمواطنة الرقمية.