قراقوش ظالما ام مظلوما

بقلم : الاعلامية/ د هاله فؤاد
كثيرا مانجد الناس تنعت شخص من الأشخاص بقول ايه ياشيخ انت قراقوش ، ويقصدون بذلك ان هذا الشخص ظالم ومتجبر وقاسي قلبه لايعرف الرحمة
ان قراقوش عند معظم الناس مقترنا بالاحكام الظالمة من ناحية ، ومن ناحية اخرى مقترنا بالغباء
فهناك العديد من القصص والنوادر العجيبة المنسوبة اليه .
ولكن هل هذه فعلا حقيقة قراقوش ، دعونا نبحر قليلا بين ثنايا التاريخ ونتعرف على قراقوش ، ونحكم عليه في الأخر .

قراقوش هو بهاء الدين بن عبدالله الأسدي وسمي الأسدي نسبة إلى أسد الدين شيركوه قائده ، ومعنى قراقوش بالتركية العقاب أو الطير الجارح أو النسر الأسود.
قراقوش فتى رومي أبيض ولد في بلاد أسيا الوسطى وفيها عاش فترة طفولته ، ولكنه خطف من عشيرته وبيع كعبد في أسواق بلاد الشام ، وقام الأمير أسد الدين شيركوه بشراء قراقوش ، وقد كان أحد قادة جيش حاكم الموصل وحلب عماد الدين زنكي ، حامل راية الجهاد ضد الصليبيين في ذلك الوقت .
ومنذ تلك اللحظة سمي قراقوش باسم بهاء الدين قراقوش الأسدي ، وبهاء الدين عبارة عن لقب لكن أصل إسمه قراقوش .
اخلص قراقوش لشيركوه وتعلم منه فنون القتال ، واظهر ولاءا شديدا لشيركوه فأعتقه وقربه منه .
اصطحب شيركوه قراقوش معه اثناء الحملة العسكرية على مصر ، وهي الحملة التي اسفرت عن تنصيب شيركوه في منصب الوزارة بامر من الخليفة الفاطمي ( العاضد بأمر الله ) .
توفي شيركوه فجأة ، وتم تنصيب ابن أخيه صلاح الدين في منصب الوزارة بدلا منه ، وانتقل ولاء قراقوش إلى صلاح الدين .
وقد اعتمد عليه صلاح الدين في تثبيت دعائم الدولة مع الفقيه عيسى الهكاري والقاضي الفاضل .
قام صلاح الدين بتولية قراقوش ادارة القصر الفاطمي الذي كان مصدر ازعاج لصلاح الدين ، حيث أن حاشية القصر كانت كبيرة وزاد نفوذها وأصبحت لها دور مؤثر في البلاد ، كما أنها لم تكن راضية على تعيين صلاح الدين في الوزارة ، وقد استطاع قراقوش ادارة القصر باقتدار.
وقد قام قراقوش بانهاء سطوة أسرة العاضد حيث سجنهم وعزل نساءهم عن رجالهم ، وفرق عنهم مواليهم ، وسيطر على ثروة القصر الفاطمي التي كانت كييرة جدا .
قام قراقوش بالعديد من الأعمال الهامة منها :
قام ببناء سور حول القلعة ، وتشييد قلعة الجبل لتصبح مركزا للدفاع عن العاصمة ، وبناء قناطر الجيزة .
قاد قراقوش بعض الحملات العسكرية ومنها حملته على برقة الواقعة غربي مصر ، والتي تمكن فيها من التوغل داخل اليلاد الليبية ،وتوسيع رقعة الدولة الايوبية .
ولما توفي صلاح الدين الايوبي ، ظل قراقوش على وفائه لابنه العزيز ، يحمي عرش مصر والشام ، وأحبط محاولة الانقلاب على العزيز بالقاهرة ،وبعد وفاة العزيز تولى المنصور وسنه تسع سنوات ، وأصبح قراقوش وصياعلى العرش ،ومارس كل مهام السلطنة ، حتى أعفاه منها الملك العادل شقيق صلاح الدين .
وبعد اعفاء قراقوش من جميع مهامه ومناصبه ، لزم بيته حتى توفي في عام 597 م.
اذا بحثنا في التاريخ عن أصل صورة الحاكم الظالم لقراقوش واتهامه بالغباء ، نجد أنها اتت من خلال ثلاث كتب كتبت في أوقات مختلفة ، وقد احتوت الكتب الثلاث على مايقرب من ثلاث وعشرين حكاية عن قراقوش واحكامه وتصرفاته الغريبة والمثيرة للسخرية .
انتشرت هذه الحكايات وتواترت .
ومن أول وأهم تلك الكتب كتاب الفاشوش في أحكام قراقوش للأسعد بن مماتي ، ومن ضمن الحكايات و النوادر التي نسبت إلى قراقوش مايلي :
ماتت لقراقوش جارية فجلس على قبرها يقول : واحسرتاه .. لقد كنت مطيعة ولاأعلم كيف أكافئك الآن، إشهدوا ياقوم إنها حرة منذ اليوم .
_ بعد مليون سنة :
إجتمع قراقوش ببعض علماء التنجيم وكان قد أمرهم بقراءة الطوالع وتحديد ميعاد يوم القيامة ، نظر قراقوش إلى كبير العلماء وسأله : والآن هل إستطعتم تحديد ميعاد يوم القيامة ؟
-فقال المنجم : نعم يامولاي .، ستكون بعد مليون عام من الآن .
-فهب قراقوش مذعورا وقال : كم تقول كم!!!
فقال المنجم : بعد مليون عام يامولاي .
– فتنهد قراقوش وقال وهو يبتسم ( الحمدلله ) ، ظننتك تقول بعد نصف مليون سنة !! .
– طاعة الزوج :
– جاء رجل إلى قراقوش يريد طلاق زوجته فسأله عن السبب فقال الرجل :
– -لقد كانت حاملا في شهرها التاسع ، وسافرت أنا في تجارة ، وكنت قد أمرتها بعدم الولادة الى حين أعود ، ولما رجعت وجدتها قد ولدت .
– فأمر قراقوش بحبس المرأة قائلا :
– يجب على الزوجة أن تطيع زوجها ، إحبسوها جزاء عصيان أوامره.
– حكاية النجار:
– كان النجار يعمل في منزل فوقع حجر كسر رجله ، وشكى النجار صاحب البيت فحكم قراقوش بأن تكسر رجل صاحب البيت ، ولكن الأخير ألصق الذنب بالبناء الذي اتهم بنتا كانت ترتدي ثوبا أحمر زاهيا لفتت إنتباهه ، وألصقت البنت الذنب ببائع القماش ، وعندها أصدر قراقوش حكمه بشنق البائع ، اتضح أنه طويل فأمر رجاله بأن يشنقوا أقصر رجل في الطريق .
– حكاية الشحات الذي لم ير اللحم منذ عامين :
– جاء شحات إلى قراقوش قائلا :
– يامولاي .. إنني لم أر اللحم منذ عامين ، فأمر قراقوش أحد جنوده باحضار لحم طازج وأراه للشحات قائلا :
– هاهو اللحم يابني .. تعالى عندنا كلما إشتقت لرؤيته .
– كانت هذه بعض الحكايات التي نسبت لقراقوش في الكتب التي تناولتها ومنها الفاشوش في حكم قراقوش للكاتب الاسعد بن مماتي ،والثاني هو : الفاشوش في أحكام وحكايات قراقوش لجلال الدين السيوطي ، والكتاب الثالث هو: الطراز المنقوش في حكم السلطان قراقوش ولكن المؤلف مجهول .
– يرى بعض المؤرخين أن ابن مماتي وجلال الدين الأسيوطي ، هما اللذان تجنيا على قراقوش وافتريا عليه، وأنهما يتحملان مسؤولية تشويه صورة قراقوش الذي قام بمشروعات عمرانية وإدارية واقتصادية عظيمة .
– ويرى أخرون أنه أشيع عنه الظلم وذلك لتجسيم وتضخيم ماعرف عنه من حزم وصرامة في جمع العمال المصريين وتشغيلهم بالسخرة في بناء هذه المشروعات ، وكان قد هلك الكثير من شدة الانهاك وسوء التغذية .
– وقد رفض العديد من المؤرخين ماروي عن قراقوش من حكايات تشوه صورته ، وأكدوا على فطنته ونباهته معتمدين على ثقة صلاح الدين فيه وتوليته إياه الكثير من الوظائف الكبرى في الدولة والتي من المستحيل أن يتولى مثل هذه المناصب مغفل أو غبي .
– من هؤلاء المؤرخين : ابن خلكان ، وابن العماد الحنبلي .
– عزيزي القارئ ما رأيك ، قراقوش ظالم أم مظلوم ؟