هذيان الرحيل قصيده للشاعرة دنياس عليله

هذيان الرحيل
من روح واحدة
من تربة واحدة
من صوت واحد
من قدر واحد
ينز الدمع
يلحم خطوتين متخاصمتين
إلى كلمة ” أحبك ”
ما أشد حلكة الوداع !
كأنني أنغمس في بؤبؤ الدجى
إذا جربت التحليق و حدي
في النور
يفر الضوء عبر المسافة الفاصلة بيننا
يضيء الهواء الذي لم نتنفسه بعد …
يومي يلبس الفرح كل صباح
يقصر ثوب العتمة قليلا
ويجرني إلى شيء ما يسمى حياة
لا عين لهذا الشيء كي يبصرني…
أدنو منه…أختفي عنه
أبدد كل حيله في العثور عني
أرفع القناع الرمادي عن وجهه
أدوس قدمه
أدفعه إلى بركة دمع فيضحك
أدفعه إلى حضن شجرة لوز فيبكي
هكذا نقضي النهار إلى أن تداهمنا
إرتعاشة أهداب المصابيح الضريرة…
في ذاك الشارع البارد
الذي قطعناه ذات يوم معا
إمرأة ثلج تشبهني
لم تمسسها الشمس
منذ غيابه الصقيعي
لم يغطيها الدجى
ليستر عورة البياض…
بيتي غابة جليد ملتهبة
الثلج يتراكم داخلي
كي يولد فيّ عاشق جديد
قبلاته قطرات الندى المجمدة
على زجاج النوافذ…
نيران مدفأتي تتبعني
لتحشر جلدي مع حطبها العصيّ
على الإشتعال
الثلج يتسلل إلى قلبي
ندفة ندفة
وأنا أستمتع بألسنة اللهيب
تدعك أعضائي الهاذية
في هدأة النار…
الثلج عاشق شريف
أعاد صياغة هضابي
شق عناصري
لكنه تعفف عن جذوة الوجد
الموقدة في دمي !
جربت الرحيل مشيا تحت المطر
لأغسل داخلي
لأخرج من قلبي
المطر مخمورا يلثم الأرض
يزيدها إخضرارا
غير مبال بحدائق
أنبتتها معجزة ما على كفي
الأرض إمرأة جميلة في كامل أنوثتها
والماء يتدفق حبيس عادته
غير معني بفراغ أعمق
حفرته بذرة حالمة
نازعت معولا نهما
على حفنة تراب ندية
قبل أن يوثقها الجفاف
بين الحجر و الحجر …
الماء كاتم أنفاسي حتى الخرس
الماء موتي المؤجل
ومنفاي المنسي… !
ما أشد قسوة الماء
ضحكته الممطرة فقط
ترفعني نخلة في الأدغال..!
أعدت للعشق أشياءه
و جربت الرحيل
على متن فكرة بيضاء
عاطلة عن الحب و المغامرة
تمددت عند شاطئ مجهول
عارية من غموض الشعر و الموسيقى
فداهمني الرمل
يركب أعلى موجة
متلظية بشفاه الشمس
فاجأني الموج الصاخب
يقيم في البحر ثورة مد
مفتتا صخور الوقت
ناثرا أمامي
أصدافا براقة كلون الحب
خاوية كفكرتي !
لم يحدث أن يجتاحني شوق الموج للشاطئ
لم يحدث أن يغمر الرمل سيلان قلبي !
أغنية البحر قائمة في خطوتي
وأنا أراقب ذاكرتي
تمشي جنوبا
تشطر روحي نصفين
نصف له
مغيب في الإحتراق
و نصف آخر لي
عاد إلى ما قبل الرحيل …
دنياس عليلة / تونس