أطراف اجتماع شرم الشيخ تعرب عن تقديرها لمصر.. الدبلوماسية المصرية لا تتوقف عن حماية الشعب الفلسطينى

 

تفاهمات الاجتماع الخماسى فى شرم الشيخ خطوة إلى الأمام تستوجب متابعة دقيقة من الإدارة الأمريكية التى ينبغى ألا تتساهل مع أى تنصل إسرائيلى منها

مخاوف من مواقف وزراء التطرف فى حكومة نيتانياهو وآخرها تصريحات «سموترتيش» بإنكار وجود الشعب الفلسطينى

استحداث آلية للحد والتصدى للعنف والتحريض والتصريحات والتحركات التى قد تتسبب فى اشتعال الموقف

لا تزال مصر، سواء على مستوى الرئاسة، أم على مستوى وزارة الخارجية، أم على مستوى الأجهزة الأمنية المعنية، من التحرك بفاعلية ونشاط، سعيا لوقف التصعيد فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، والتى تشعله إسرائيل، عبر جيشها أو مؤسساتها الأمنية أو مستوطنيها، والتى بلغت ذروتها مع وصول حكومة بنيامين نيتانياهو للسلطة، قبل أكثر من ثلاثة أشهر متجاوزة المدى فى أعمال القتل والاغتيال والتصفية الجسدية، لكل من تظنه مناهضا للاحتلال بأى صورة من الصور.

مع تفاقم الأوضاع فى الأشهر الأخيرة، وفى ظل توقعات، بأن يشهد شهر رمضان المبارك المزيد من التصعيد، مثلما وقع خلال العامين المنصرمين، يرتفع منسوب التحرك المصرى باتجاه إجهاض أى ذرائع، أمام إسرائيل للاستمرار فى سياسة ترويع وإقصاء الفلسطينيين، والتهام حقوقهم، متكئة على منهجية القوة المفرطة، وهو ما كان ملحوظا بوضوح خلال الأشهر القليلة المنصرمة، وكان هذا الملف بالذات على رأس جدول أعمال الرئيس عبد الفتاح السيسى، ووزير الخارجية سامح شكرى، فى كل لقاءاتهما بالداخل أو بالخارج.

وفى هذا السياق، جاءت مشاركة الرئيس السيسى فى مؤتمر دعم القدس بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، فى الثانى عشرمن شهر فبراير الماضى، باعثا برسالة تضامن مع الشعب الفلسطينى، مبلورا خطوات التحرك المستقبلى لمصر فى هذا الاتجاه، عبر الاستمرار فى معالجة جذور الأزمة المتمثلة فى الاحتلال، والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى الذى طالت معاناته، ومواصلة العمل مع طرفى الصراع لإعادة إحياء المسار السياسي، فضلا عن المضى قدما فى جهودها للتعامل مع التحديات الآنية من خلال العمل مع جميع الأطراف على التهدئة بالضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب استمرار جهودها فى دعم إعادة إعمار القطاع، ودعوة المجتمع الدولى لزيادة إسهامه لتخفيف معاناة الفلسطينيين، منتقدا فى هذا السياق استمرار الإجراءات أحادية الجانب المخالفة للشرعية الدولية، من استيطان وهدم للمنازل، وتهجير ومصادرة الأراضى، وعمليات تهويد ممنهجة للقدس، واقتحامات غير شرعية للمسجد الأقصى، والاقتحامات المستمرة للمدن الفلسطينية على نحو يزيد الاحتقان على الأرض ويهدد بانفلات الأوضاع الأمنية.

وتتحرك مصر فى هذا الشأن، ضمن أكثر من دائرة أو بالأحرى آلية، فهناك آلية التنسيق الثلاثى مع كل من الأردن وفلسطين، التى يتم فى ظل عقد قمم ثلاثية بين الرئيس السيسى والملك عبد الله الثانى والرئيس محمود عباس، وكان آخر هذه القمم، القمة التى عقدت بالقاهرة فى السابع عشر من يناير الماضى، وهناك آلية الاتصال المباشر من مسئولى إسرائيل ومسئولى السلطة الوطنية، وهى آلية نشطة للغاية من خلال القيام بزيارات متعددة، لكل من رام الله وتل أبيب وغزة، لطرح المبادارت والبدائل والخيارات، التى من شأنها أن تفضى إلى التهدئة، التى حققت مخرجات إيجابية فى قطاع غزة، فى تعاطيها مع سلسلة العمليات العسكرية العدوانية لجيش الاحتلال على مدى السنوات الفائتة.

ثم تأتى الآلية الثالثة، والتى تتمثل فى المشاركة فى اجتماعات إقليمية أو دولية، تتعلق بالقضية الفلسطينية، من بينها الآلية التى تجمع وزراء خارجية مصر وكلا من الأردن وألمانيا وفرنسا، والتى عقد فى إطارها اجتماعان مهمان خلال العام المنصرم، ثم آلية الاجتماع الخماسى التى تشكلت من مصر والأردن وفلسطين والولايات المتحدة وإسرائيل باقتراح من واشنطن، فى ضوء ما شهدته الأراضى المحتلة من تكثيف لأعمال العنف والقتل المفرط، من قبل جيش الاحتلال، وشرطته وعصابات المستوطنين، وعقدت أول اجتماعاتها بمدينة العقبة الأردنية فى السادس والعشرين من فبراير الماضى، بينما وجهت مصر الدعوة للمشاركين فى الاجتماع لالتئام شملهم بمدينة شرم الشيخ يوم الأحد الماضى، فى سياق التزامها بمحددات جهودها الرامية لحماية الشعب الفلسطينى، ومنع تعريضه للخطر، والانتصار لحقوقه غير القابلة للتصرف، ومحاولة نزع أى فتيل للتوتر، وفق مقاربات واقعية تعمل على تكريس الاستقرار الإقليمى، الذى لن يتحقق بالتمام والكمال، إلا بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلى، وإقامة دولة فسلطين المستقلة، مترابطة الأجزاء، وعاصمتها القدس الشرقية طبقا لحدود الرابع من يونيو 1967.

وقد فرضت القضايا الأمنية والإجراءات الأحادية، التى تمارسها إسرائيل، بتعسف مبالغ فيه وعدوانية مفرطة، محدداتها فى اجتماع شرم الشيخ، الذى ركز –  وفقا للبيان الختامى الصادر عنه، على إجراء مناقشات مستفيضة حول سبل وأساليب التخفيف من حدة التوترات على الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بهدف تمهيد السبيل أمام التوصل لتسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن ثم اتفق الأطراف مجددين التزامهم بتعزيز الأمن والاستقرار والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وضرورة تحقيق التهدئة على الأرض والحيلولة دون وقوع مزيد من العنف، والسعى من أجل اتخاذ إجراءات لبناء الثقة وتعزيز الثقة المتبادلة وفتح آفاق سياسية، والتعاطى مع القضايا العالقة عن طريق الحوار المباشر.

هذا أولا، أما ثانيا، فقد جدد الطرفان الفلسطينى والإسرائيلى، استعدادهما والتزامهما المشترك بالتحرك بشكل فورى لإنهاء الإجراءات الأحادية لفترة من3 إلى 6 أشهر. ويتضمن ذلك التزاماً إسرائيلياً، بوقف مناقشة أى وحدات استيطانية جديدة لمدة 4 أشهر، ووقف إصدار تراخيص لأى نقاط استيطانية لمدة 6 أشهر.

ثالثا: أكد الجانبان مجدداً فى هذا الشأن التزامهما الراسخ، بكل الاتفاقيات السابقة بينهما، خصوصا الحق القانونى للسلطة الوطنية الفلسطينية فى الاضطلاع بالمسئوليات الأمنية فى المنطقة ( أ ) بالضفة الغربية، تماشياً مع الاتفاقيات القائمة، كما سيعملان معاً من أجل تحقيق هذا الهدف.

رابعا: اتفق الجانبان على استحداث آلية للحد، والتصدى للعنف والتحريض والتصريحات والتحركات التى قد تتسبب فى اشتعال الموقف وترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الخمس، عند استئناف فاعليات جلسة الاجتماع فى شرم الشيخ خلال شهر إبريل الجارى.

خامسا: أعاد الجانبان الفلسطينى والإسرائيلى،  تأكيد اتفاقهما على التعاطى مع كل القضايا العالقة عن طريق الحوار المباشر.

سادسا: اتفاق الأطراف المشاركة فى الاجتماع، على إرساء آلية لاتخاذ الخطوات اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطينى، طبقاً لاتفاقيات سابقة بما يسهم بشكل كبير فى تعزيز الوضع المالى للسلطة الوطنية الفلسطينية، على أن ترفع هذه الآلية تقارير لقيادات الدول الخمس خلال الاجتماع المقبل.

سابعا: تأكيد الأطراف الخمسة الالتزام، بعدم المساس بالوضعية التاريخية القائمة للأماكن المقدسة فى القدس – فعلاً وقولاً – وتجديد التأكيد فى هذا الصدد على أهمية الوصاية الهاشمية (الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية)، مع دعوة الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى، بضرورة التحرك بشكل فاعل، من أجل الحيلولة دون حدوث أى تحركات قد يكون من شأنها النيل من قدسية تلك الأماكن، بما فى ذلك خلال شهر رمضان المبارك، والذى يتواكب خلال العام الحالى مع أعياد الفصح لدى المسيحيين واليهود.

ثامنا: التأكيد على أهمية استمرار عقد الاجتماعات، فى إطار الصيغة الخماسية بين الدول المشاركة فى الاجتماع، للتعاون بهدف وضع أساس لإجراء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، للتوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم، مع تعزيز التعاون والتعايش بين كل شعوب الشرق الأوسط.

تاسعا: إعراب الأطراف المشاركة فى اجتماع شرم الشيخ، عن تقديرها لمصر لتنظيم واستضافة هذا الاجتماع، فضلاً عن مساعيها لضمان تحقيقه لنتائج إيجابية، وكذلك لدورها الرئيسى الذى يهدف للتوصل إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية والحفاظ على التهدئة والاستقرار فى المنطقة.

ومع توقيع ممثل إسرائيل فى اجتماع شرم الشيخ على هذا البيان، الذى حدد الالتزامات المطلوبة لإنهاء التصعيد فى الأراضى المحتلة، فإنه من الأهمية بمكان أن يترجم ذلك على الأرض، وهو أمر محفوف بالشكوك خصوصاً بالنسبة للطرف الإسرائيلى، فمن خبرة مخرجات اجتماع العقبة فى السادس والعشرين من فبراير الماض، والذى تضمن تقريبا نفس الالتزامات، إلا أنه سرعان ما اخترقتها حكومة نيتانياهو، بل إنه فى نفس الليلة التى اختتم فيها الاجتماع، اعتدت ميليشيات المستوطنين بأوامر مباشرة، من وزراء التطرف قرية “حوارة” جنوب نابلس بالضفة، وقاموا بالاعتداء على المنازل وحرق المركبات والممتلكات، ما أدى إلى استشهاد فلسطينى، وإصابة مائة آخرين واستتبع ذلك تصريح عنصرى لوزير المالية تسلئيل سموتريتش، دعا فيه إلى محو البلدة من الوجود، ما أثار موجة غضب عارمة إقليميا وعالميا، بما فى ذلك داخل أوساط بدولة الاحتلال، وذلك فى أعقاب خمسة أيام من مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال فى نابلس، أسفرت عن استشهاد تسعة فلسطينيين، وفى السابع من مارس الماضى، استشهد ستة فلسطينيين، وأصيب آخرون، لدى اقتحام أعداد كبيرة من قوات الاحتلال مدينة جنين ومخيمها، وبعد يومين، اغتالت قوات خاصة من وحدة المستعربين بجيش الاحتلال ثلاثة فلسطينيين داخل مركبتهم عند مدخل بلدة جبع، جنوب جنين، وكانت مجموعة “عرين الأسود” أعلنت أن ثلاثة من عناصرها المقاومة استشهدوا فى اشتباك مسلح قرب حاجز “صرة” العسكرى، جنوب غربى مدينة نابلس، بينما استشهد أربعة فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال خلال المواجهات التى اندلعت فى المنطقة وتصدى لها المقاومون.

وطبقا لمصادر فلسطينية، فإن العام الجارى شهد تصعيدا غير مسبوق من قبل إسرائيل فى الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، أسفر عن استشهاد 84 فلسطينيا، بينهم 15 طفلا وسيدة وأسيراً فى سجون الاحتلال، فaى المقابل، قُتل 14 إسرائيليا فى عمليات متفرقة.

وحسب رؤية حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فإن الاجتماع الخماسى بشرم الشيخ، أحرز تقدما فى بعض القضايا والمسارات، لكنه لفت النظر إلى وجود بعض الملفات العالقة والمختلف عليها، متحدثا عن صعوبة المفاوضات التى جرت بين مع الجانب الإسرائيلى، لكنه أكد تمسك الوفد الفلسطينى، الذى ترأسه بتكليف من الرئيس محمود عباس (أبومازن) بموقفه الثابت برفض الخوض بأى مسار أمنى أو اقتصادى، قبل الوصول لاتفاق سياسى تلتزم إسرائيل من خلاله بوقف الإجراءات الأحادية كافة.

إن تفاهمات شرم الشيخ، تشكل إطارا عمليا لوقف التصعيد، وتجنب الخطوات الأحادية من قبل الدولة القائمة بالاحتلال، وبالتالى فإن الاستجابة لها عمليا وفى الميدان، يتطلب متابعة دقيقة من الإدارة الأمريكية التى لا ينبغى أن تتساهل مع أى تنصل إسرائيلى منها، مثلما حدث بالنسبة لتفاهمات العقبة.

ولعل ذلك ما دفع الرئيس الأمريكى جو بايدن – فى مكالمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلى – إلى الترحيب بنتائج اجتماع شرم الشيخ، مطالبا فى الوقت نفسه، الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، بضرورة اتخاذ، خطوات عاجلة وتعاونية، لتعزيز التنسيق الأمنى وإدانة جميع أعمال العنف والحفاظ على قابلية حل الدولتين للحياة.

وطبقا لبيان للبيت الأبيض، فإن هذا الاجتماع الخماسى، لم يعقد على هذا المستوى، منذ ما يقرب من عقد من الزمان، معتبرا أنها تتجه نحو إنشاء سلسلة من التفاهمات التى يمكن على أساسها تخفيف حدة التوترات.

ومع ذلك، تظل إشكالية  التطرف  قائمة على صعيد عرقلة بلورة هذه التفاهمات فى مواقف عملية، وآخر تجليات ذلك ما جاء على لسان وزير المالية الإسرائيلى بتسلئيل سموترتيش، خلال زيارته الأخيرة لباريس، وهو لسان غير قابل للضبط، من أنه “لا يوجد شىء اسمه الشعب الفلسطيني، وأنه اختراع وهمى لم يتجاوز عمره 100 سنة “. وأضاف” لا يوجد شىء اسمه الفلسطينيون، لأنه لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، على المرء أن يقول الحقيقة دون الانصياع لأكاذيب وتحريفات التاريخ، ودون الخضوع لنفاق حركة المقاطعة والمنظمات الموالية للفلسطينيين”.

وهذه التصريحات – حسب وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية – تمثل “دعوات رسمية، تصدر عن مسئولين فى قمة الهرم السياسى الإسرائيلى، لخلق الفوضى واستمرار دوامة العنف، بهدف تخريب الجهود المبذولة لتحقيق التهدئة، وهو ما يتعارض مع تفاهمات العقبة وشرم الشيخ، وتحمل فى طياتها عرقلة لكل جهد إيجابى باتجاه خلق بيئة ملائمة للخروج من مستنقع الدم فى الأراضى المحتلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى