السلطانة نوربانو من الحرملك إلى السلاملك

بقلم : الاعلامية / د هاله فؤاد
خرم سلطان هي زوجة السلطان العثماني سليمان القانوني ، الذي أحبها بجنون
مما جعل لها نفوذا وسيطرة كبيرة على الحرملك ، ومارست خلال ولاية زوجها
السلطان سليمان أدوارا سياسية ، ولكن قوة شخصية السلطان سليمان حجمت هذا
الدور الى حد كبير .
ولكن الحال كان مختلفا مع السلطانة نوربانو زوجة السلطان سليم الثاني
الذي كان ضعيف الشخصية مما أعطى الفرصة لامتداد نفوذها من الحرملك إلى
السلاملك .
نوربانو سلطان هي بالأصل ابنة عائلة نبيلة من نبلاء البندقية قبل أن
يخطفها القراصنة وتباع كجارية لقصر الباب العالي .
وأصبحت مفضلة الأمير سليم حينذاك وأنجبت له أول أبنائه مراد الذي أصبح
سلطانا فيما بعد ، ومن ثم أسلمت وحملت إسم نوربانو.
ولدت في باروس ، اليونان ، وكان إسمها الأصلي سيسيليا أو أوليفيا فينيير
، أو راشيل ، أو كالية كارتنو .
كانت نوربانو تنتمي لأسرة يهودية لذا سعت منذ اللحظة الأولى إلى زرع
اليهود في المناصب العليا ، فأحكموا قبضتهم على الشؤون الداخلية
والخارجية .
كما دفعت بتغلغل اليهوديات في الحرملك ، واعتمدت عليهن في رسم سياستها
الخارجية كما فعلت مع سيدة الأعمال إستر كيرا التي عينتها الوسيطة
المالية التي تربط نوربانو بالعالم الخارجي ، كما أصبحت إستر المسؤؤلة عن
جمارك اسطنبول واحتفظت بهذه الوظيفة لمدة نصف قرن تقريبا .
كانت نوربانو إمرأة قوية متسلطة وتعشق السلطة ، وبالفعل فرضت سلطتها على
الحرملك وحكمت الدولة من خلاله دون زوجها سليم الثاني وإبنها السلطان
مراد .
ومن مظاهر هذا النفوذ تحول رجالات الدولة العثمانية في عصر سليم الثاني
إلى أتباع أو حلفاء للسلطانة نوربانو بدءا من الصدر الأعظم القوي صوقوللو
محمد باشا ، وانتهاء بغضنفر أغا ، كبير الخصيان في الحرملك .
واستمر الحال هكذا حتى وفاة سليم الثاني في عام 1574 م .
لم تضيع السلطانة وقتا للحزن على زوجها فقد كانت منشغلة بما هو أهم ، وهو
رفع ابنها مراد على العرش ، فأخفت خبر وفاة زوجها طيلة 12 يوما كاملة ،
وضع فيها جثمانه في داخل صندوق مملوء بالثلج ، حتى تستطيع قتل إخوة مراد
الخمسة بواسطة حراس القصر ، قبل أن تستدعي ولي العهد الأمير مراد من
مانيسا ليتجه إلى اسطنبول ويجلس على العرش دون منازع .
حصلت نوربانو على لقب السلطانة الأم رسميا واحتفظت به حتى وفاتها في 17
ديسمبر 1583 م .
استمرت السلطانة نوربانو في فرض نفوذها في عهد إبنها السلطان مراد الذي
كان يتميز أيضا بضعف الشخصية ، وانشغل بتأليف الشعر ، وفضل ملازمة النساء
عن إدارة الدولة .
وقد تم لها ذلك بالتحالف مع الصدر الأعظم صوقوللو باشا .
خلال سنوات تولي نوربانومرتبة السلطانة الأم، عملت على تدعيم أواصر
العلاقات بين الدولة العثمانية وبلدها الأم جمهورية البندقية .
كما أن نوربانو كانت السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين الدولة
العثمانية وجنوة ، بعد أن إنحازت صراحة إلى صف البندقية عدوة جنوة .
أنشأت السلطانة نوربانو مجمعا دينيا تعليميا في حي أوسكودار ، يضم مسجدا
ومدارس دينية وخانقاه للصوفية .
كما أمرت ببناء حمام شامبارلي تاش الذي انتهى المهندس المعماري سنان باشا
من بنائه بعد وفاتها سنة 1584 م ، وقد تم استغلال دخله لتمويل كلية
السلطانة نوربانو
كان الخطر الوحيد أمام نوربانو هي الجارية الايطالية صفية خاتون ، التي
عشقها ولدها السلطان مراد ووجد فيها صفات مشابهة لوالدته السلطانة
نوربانو ذات الأصل الايطالي أيضا .
وبدأت المعركة بين السلطانة نوربانو وصفية خاتون ، فأرادت السلطانة الأم
فرض سيطرتها التامة على الحرملك ، فأمرت باعادة تصميم الحرملك من جديد ،
تم الاستعانة بفنون العمارة العثمانية لاعادة تصميم الحرملك .،
وقد تم زيادة مساحة جناح الحرملك بصورة غير مسبوقة ، خاصة أنها جعلت من
غرف الجواري البنية التحتية لجناح السلطانة الأم ، فعندما تخرج السلطانة
الأم من جناحها تطل من شرفة علوية على جميع أرجاء الحرملك ، وبذلك حققت
السلطانة نوربانو إنتصارها باعلانها بالفعل أن مكانتها الأعلى من مكانة
أي إمرأة داخل الحرملك وبالأخص الجارية صفية خاتون جارية السلطان المفضلة
.
وقد خصصت السلطانة نوربانو غرفة للأمير محمد بن مراد وصفية خاتون حتى
تضمن بقائهما تحت عينيها وكشف أي مكائد تدبر لها في الخفاء ، كما يسهل
هذا الاشراف على تربية الأمير محمد حتى اذا ما مات السلطان مراد ، يعترف
محمد بعد مبايعته بالسلطنة بسلطة جدته نوربانو.
إكتشفت السلطانة نوربانو أن صفية خاتون وولي العهم مجمد يدبران المكائد
لها ، فقامت بوضع ولي العهد تحت الإقامة الجبرية مستغلة الصراع الذي نشب
بين ولي العهد محمد ووزراء الديوان حول الحرب مع الصفويين في إيران .
إستمر الصراع بين السلطانة نوربانو وصفية خاتون حتى توفيت السلطانة
نوربانو في 7ديسمبر عام 1583 م .
وفاة السلطانة نوربانو:
إختلفت الأسباب حول وفاة السلطانة نوربانو ، حيث يؤكد بعض المؤرخين أنها
ماتت مسمومة على يد عميل من جمهورية جنوة أرسلته بلاده للتخلص من نوربانو
التي كانت تمنح الامتيازات التجارية لصالح جمهورية البندقية على حساب
جنوة .
ورواية أخرى تشير بأصابع الاتهام إلى صفية خاتون التي ملت من سيطرة
السلطانة نوربانو على زمام الأمور وتقديمها جواري حسناوات الى إبنها
السلطان مراد ، لدرجة أنه عشق جارية جديدة مما جعلها تخاف على مصيرهاهي
وإبنها، فقررت التخلص من السلطانة نوربانو بوضع السم لها .
وكانت هذه قصة السلطانة نوربانو التي استحوذت على السلطة في دولة آل
عثمان خلال الربع الأخير من القرن ال 16 تحكمت فيها ، هذا الوقت الذي
صار فيه الحرملك هو مدبر الأمور في السلطنة حقيقة لا رجال الدولة
العثمانية .