عقدة الكتب والاستعمار

بقلم : الاعلامية / د هاله فؤاد
إن الكتاب هو المعلم الأول للبشرية ، فالكتاب هو عالم من الأفكار ، يمد
القارئ بكمية هائلة من المعلومات والتعابير والمصطلحات .
وهو غذاء العقل الذي يساعدنا على فهم الحياة ، ويساعدنا على حل المشكلات
، ويحسن قدرة المخ ، وزيادة الذكاء ، كما يحمي من الالزهايمر ، فقد ثبت
أن القراءة المستمرة تحمي من الاصابة بالالزهايمر .
والكتاب هو الصديق الوفي وخير جليس ، فقد قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ :
( الكتاب هو الجليس الذي لايطريك ، والصديق الذي لايغريك ، والرفيق الذي
لايملك ، والمستميح الذي لا يستريثك ، والجار الذي لا يستبطيك ، والصاحب
الذي لايريد إستخراج ماعندك بالملق ، ولا يعاملك بالمكر ، ولا يخدعك
بالنفاق ، ولايحتال لك بالكذب ) .
وقد قال القدماء عن الكتاب :
( الكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار ، ويطيعك في السفر كطاعته
في الحضر ، ولايعتل بنوم ، ولايعتريه كلال السفر ) .
والكتاب هو أحد أهم مصادر المعرفة ووسيلة التعليم والتعلم .
ولأهمية الكتاب كان لابد من وجود وعاء جامعا ومتجدد لكل أنواع المعرفة
والعلوم والبحث العلمي ، والذي يعمل على تقديم وتسهيل الحصول على الخدمات
المعلوماتية اللازمة لأغراض التعليم والبحث العلمي ، والمعروف بالمكتبات
.
وللمكتبات وظائف هامة منها الوظيفة التثقيفية ، التعليمية ، والاعلامية .
ولكن من أول من اخترع المكتبة ؟
الملك العراقي آشور بانيبال ، مؤسس أول مكتبة في العالم القديم في مدينة
نينوي ، وقد سماه المؤرخون بالملك المثقف لأنه تفرد من بين الملوك برغبته
الشديدة في المعرفة والتعلم والاطلاع .
دائما وعلى مدى العصور نجد الاستعمار عدوا للمعرفة والعلوم ، ولذلك نجد
التاريخ يقف شاهدا على تدمير العديد من المكتبات للقضاء على التراث
الانساني في المعرفة والثقافة ومن أمثلة ذلك :
حريق مكتبة الاسكندرية :
كانت مكتبة الاسكندرية الملكية أول مكتبة حكومية عامة عرفت في التاريخ ،
أنشأت مكتبة الاسكندرية على يد خلفاء الاسكندر الأكبر منذ أكثر من ألفي
عام ، وتضم أكبر مجموعة من الكتب في العالم القديم والتي وصل عددها آنذاك
إلى 700 ألف مجلد بما في ذلك أعمال هوميروس وأرسطو .
وترجع أهمية مكتبة الاسكندرية في كونها ميدانا للبحث العلمي ، ومركزا
حضاريا أثرى الحياة العلمية والحضارية والثقافية في العصور القديمة ،
ومنها خرج العديد من العلماء على مدار 7 قرون من الزمان .
حرق مدينة الاسكندرية :
إن حرق وتدمير مكتبة الاسكندرية تعتبر من أكبر الخسائر الفادحة في العالم
القديم ، وذلك لأنها كانت تحوي مايقرب من مليون وثيقة من جميع أنحاء
العالم ومن الثقافات المختلفة منها الآشورية واليونانية ومصر والهند
وبلاد فارس وغيرها من الحضارات القوية الأخرى .
لايزال العلماء غير متفقين على كيفية تدمير مكتبة الاسكندرية ولكن هناك
ثلاث نظريات :
النظرية الأولى يوليوس قيصر :
تعتقد النظرية أنه قد تم تدمير مكتبة الاسكندرية بطريق الخطأ من قبل
يوليوس قيصر أثناء حصار الاسكندرية في عام 48 ق.م .
عندما حاول العدو تدمير أسطول يوليوس قيصر ، أجبر قيصر على سد الخطر
باستخدام قاذفات النار ، وانتشرت النار في أحواض بناء السفن ودمرت
المكتبة العظيمة .
النظرية الثانية : المسيحيون
الجاني الثاني المحتمل هم مسيحيو القرن الرابع الميلادي في عام 391
ميلادي ، حيث أصدر الامبراطور ثيودوسيوس مرسوما يحظر الممارسات الوثنية
رسميا ، وهكذا تم تدمير معبد سيرابيس في الاسكندرية وتحويله إلى كنيسة
مسيحية ، ويعتقد أن العديد من الوثائق قد دمرت في هذه العملية .
النظرية الثالثة : إتهامات المستشرقين للمسلمين
يستند هؤلاء المستشرقون إلى ما كتبه جراماتيكوس في العصور الوسطى من أن
الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمر واليه على مصر عمرو بن
العاص بإتلاف جميع الكتب والمخطوطات التي لاتتوافق مع الدين الاسلامي .
ولكن حتى الآن يبقى حريق مكتبة الاسكندرية لغزا لم يتم حله .
حرق مكتبة بغداد أو بيت الحكمة :
بيت الحكمة :
هي أول مكتبة أكاديمية وعامة تقام في البلاد الاسلامية ، وتم تأسيسها على
يد الخليفة هارون الرشيد الذي أمر بانشاء ذلك الصرح الكبير الذي احتوى
على كتب فاقت ال 300 ألف كتاب ومركز ترجمة وتأليف وتدريس .
وقد تم حرق وتدمير مكتبة بغداد من قبل الغزو المغولي لبغداد عام 1258 م ،
قام المغول بحرق المكتبة ورمي الكتب في نهر دجلة ، وذلك نتيجة للهرج
والمرج الذي شهدته بغداد أثناء الغزو ، فقد عاث بها الغزاة سرقة ونهبا ،
وكانت الكتب أكثر عرضة للحرق والاتلاف .
وأيضا كانت عوامل الحقد والجهل والتعصب من أسباب تدمير المكتبة .
ولم تتعرض مكتبة بغداد للحرق والتدمير من قبل المغول فقط ، بل الأمريكان
أحرقوا المكتبة المركزية في بغداد وهربوا ما فيها من من كتب أثرية إلى
أمريكا .
وأيضا قام الإرهابيون بتفحير شارع المتنبي في بغداد وأيضا احترقت الكتب
والمكتبات في هذا الشارع .
إن المكتبات تمثل العنصر الأساسي في ثقافة المجتمع وبناء الانسان الواعي
المثقف الذي يستطيع فهم الحياة ، وادراك المخاطر وحل المشكلات ، وتجعله
ملم بكافة قضايا مجتمعة ، والمجتمعات المحيطة به ، وهوما يكرهه الاستعمار
ويهابه .
لأن الانسان كلما كان واعيا مثقفا لايستطيع الاستعمار التحكم فيه والسيطرة عليه .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى