مع اختتام المبعوث الفرنسى زيارته الثانية.. خارطة طريق لحل الأزمة اللبنانية

الأزمة اللبنانية تزداد تعقيدا، فمن فراغ رئاسى إلى انهيار مفزع للعملة اللبنانية (الليرة)، وأزمة اقتصادية خانقة تضاعف من حجم الفقر، فضلا عن الأزمة السياسية الحادة، ويزيد الأزمة تعقيدا تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين فى الساحة اللبنانية، ويبدو أن المثل اللبنانى “اشتدى أزمة تنفرجي” حاضرا دوما فى أزمات لبنان، فبينما تتعقد الأزمة، تبدو فى الأفق بوادر انفراجة بعد الزيارة الثانية للمبعوث الفرنسى، والذى كان واضحا وحاسما مع المسئولين اللبنانيين، خاصة وإنه مدعوما من اللجنة الخماسية.كان المبعوث الرئاسى الفرنسى، جان إيف لودريان، الذى تم تكليفه بالمهمة الشهر المنصرم، قد اختتم زيارته الثانية للبنان، التى استغرقت ثلاثة أيام، عقد خلالها سلسلة من اللقاءات مع كل الأطراف المعنية بملف انتخاب رئيس جديد للبلاد، سعيا لإنهاء الفراغ المستمر، منذ الأول من نوفمبر الماضى.

الموفد الرئاسى الفرنسى جان ايف لودريان، ذهب إلى لبنان فى جولته الثانية مدعوما من اللجنة الخماسية (التى تضم ممثلين عن أمريكا وفرنسا وقطر ومصر والسعودية)، التى انعقدت فى العاصمة القطرية، وطبقا لمراقبين فقد تحدث لودريان بصراحة تامة مع المسئولين اللبنانيين من سياسيين ونواب، داعيا إياهم إلى البدء فى عقد جلسات حوارية ثنائية وثلاثية ورباعية، بدءا من الآن حتى سبتمبر تاريخ جولته الثالثة إلى بيروت، ودعا لودريان إلى أن ينعقد المجلس النيابى بجلسات متتالية حتى انتخاب رئيس جديد للبنان.

وأكدت مصادر مطلعة، أن لودريان قدم مقترحا للفرقاء اللبنانيين، يتضمن عقد لقاء يجمع الأطراف المعنية، بانتخاب رئيس جديد للبلاد فى شهر سبتمبر المقبل، بغية الوصول إلى توافق على القضايا والمشاريع ذات الأولوية، التى ينبغى على الرئيس المقبل أن يتولاها، وذلك بهدف خلق مناخ من الثقة، يتيح للبرلمان الاجتماع فى ظل ظروف مواتية لانتخاب رئيس جديد، بعدما تعثر على مدار 12 جلسة فى التوافق المؤدى لإنهاء الفراغ الرئاسي.

وكان لودريان، قد التقى كلا من نبيه برى رئيس مجلس النواب، والنائب سامى الجميل رئيس حزب الكتائب، وسمير جعجع رئيس القوات اللبنانية والنائب جبران باسيل، رئيس التيار الوطنى الحر، والنائب ميشيل معوض رئيس حزب الاستقلال، وكذلك رؤساء الكتل النيابية وممثل عن النواب المستقلين.

وكشفت مصادر متعددة، عن أن حديث لودريان مع المسئولين اللبنانيين اتسم بالصراحة، وأكد أن مأزق لبنان كبير، ما يتطلب سرعة العمل على الخروج منه، كاشفا عن أنه ( لودريان) أمام خيارين، إما أن يترك الملف اللبناني، لكن الدول الخمس تعمل على مساعدة لبنان، وعدم تركه لمصيره. والخيار الثانى يتمثل فى البحث عن أفكار، عسى أن يتم الوصول إلى نتيجة.

واقترح لودريان عقد جلسات عمل على شاكلة لقاءات فى قصر الصنوبر، تكون بمثابة استشارات مع الكتل النيابية، بهدف الوصول إلى لائحة أسماء، يتم التوافق على اسم أو اسمين لرئاسة الجمهورية.

وأبلغ لودريان، المسئولين أن مقررات اللجنة الخماسية، كانت حاسمة حيال من سيعطل الانتخابات الرئاسية فى لبنان، إذ سيتم اتخاذ عقوبات ضد المعطلين، خصوصا أن فرنسا يمكنها تحريك الاتحاد الأوروبي، أما الولايات المتحدة فستفرض عقوبات مباشرة على من يعطل.

أعرب رئيس مجلس النواب نبيه برى، عقب اجتماعه لمرتين مع لودريان، عن تفاؤله فى مسار الملف الرئاسى، وصرح بأن نافذة فتحت على الحل، معتبرا أن مفاوضات حزب الله مع جبران باسيل رئيس التيار الوطنى الحر قد تؤدى إلى تأمين 65 صوتا لفرنجية، وتأكد ذلك من طلب باسيل من حزب الله “أعطونا سلفا اللا مركزية الموسعة والصندوق الائتماني، وخذوا منا أكبر تضحية على ست سنوات”، وهذا ما اعتبر موقفا مشجعا وبداية محفزة للحوار، للوصول إلى اتفاق بين الوطنى الحر والثنائى الشيعى حول رئيس الجمهورية، كما أن كلام باسيل يشير إلى أنه عاد عن شرطه المسبق، الرافض لترشيح سليمان فرنجية، مقابل ضمانات يريدها.

واعتبر المراقبون، أن باسيل اقترب من موقف حزب الله فيما يتعلق بالملف الرئاسى إنما فى الوقت ذاته، لفت المصدر إلى أن إقرار اللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني، لا يمكن أن يتحقق فقط، إذا وافق عليهما حزب الله والتيار الوطنى الحر وصوتا لهذه القوانين فى المجلس النيابي، بل تحتاج هذه القوانين إلى إجماع وطني، ناهيك بأن بعض الكتل النيابية، تعتبر أن مجلس النواب حاليا يجب فقط أن ينعقد لانتخاب رئيس جمهورية وليس للتشريع.

وعلى ما يبدو، فإن النائب جبران باسيل، وجد نفسه غير قادر على التقدم مع المعارضة، ولن يتوصل إلى مكاسب ترضيه، كما اقتنع أن حزب الله ليس بصدد التراجع عن ترشيح سليمان فرنجية، وعلى هذا الأساس رأى باسيل، ألا إمكان غير عقد صفقة مع حزب الله، وبالتالى طرح المقايضة التى تقضى بحصوله على اللا مركزية الواسعة والصندوق الائتمانى، مقابل تضحيته فى الملف الرئاسى لست سنوات.

ولفتت الأوساط أن باسيل تحدث أيضا، ووعد أنه سيحصل على مكاسب، بعد ست سنوات، وهذا يشير إلى أن هناك من قال له إن رئاسة الجمهورية، ستكون من نصيب جبران باسيل بعد ست سنوات. وعليه، يحاول باسيل عبر الكلام الذى قاله، أن يعطى مبررات لبيئته ولمناصريه، أنه فى حال تراجع عن موقفه الرافض لفرنجية، فذلك أتى بعد حصوله على خطوات تصب فى مصلحة فريقه، بينما يرى البعض أن باسيل طرح اللا مركزية الإدارية والمالية الموسعة، لكسب المزيد من الوقت وإطالة أمد الشغور الرئاسي، لعلمه بأن «الثنائى الشيعي» مستحيل أن يسير باللا مركزية المالية، وبالتالى فهو بذلك يحرّف الأنظار عن الملف الرئاسي، ويفتح النقاش بملف آخر سجالى من دون أفق.

خلاصة القول، إن المعطيات والمعلومات المتوافرة تشير إلى أن المبعوث الفرنسى جان إيف لودريان، حمل معه فى زيارته الثانية للبنان، خارطة طريق واضحة وحاسمة مدعومة من المجموعة الخماسية، التى اجتمعت أخيرا فى الدوحة، وطبقا للمعلومات، فإن الحوار أو جلسة التشاور، باتت محسومة كجزء من خارطة الطريق المتفق عليها فى الدوحة، وهذه الخارطة لها عنوانان: أن تنعقد جلسة الحوار أو جلسة التشاور، لأكثر من يوم، ويتم البحث خلالها عن إجماع بين القوى المشاركة حول مواصفات رئيس الجمهورية المقبل.

بعد حصيلة الإجماع يتم البحث بالأسماء، ومن يحظى بالموافقة الجماعية، ضمن المواصفات المتفق عليها يتم انتخابه رئيسا، وقد يكون هناك أكثر من اسم ينال الإجماع، وبناء عليه تجرى المنافسة الانتخابية فى مجلس النواب، وبمعنى آخر أن يصبح انتخاب الرئيس على مرحلتين، واحدة عبر الإجماع أولا، وأخرى عبر مجلس النواب ثانيا.

وأما الفرصة الممتدة إلى شهر سبتمبر، فهدفها إعطاء القوى السياسية اللبنانية فترة زمنية، لدرس خياراتها والوصول إلى شبه نتيجة قبل عودة لودريان المرتقبة، ويمكن القول إن المسافة الفاصلة حتى سبتمبر، هى فرصة للقوى المحلية، لأن تجد مساحة لقاء بينها، وكذلك فرصة للقوى الخارجية المعنية بلبنان، لأن تجد هى الأخرى مساحة تعاون مشتركة حول لبنان، خصوصا فى مرحلة ما بعد سبتمبر، وكيف يمكن أن تتصرف هذه الدول، فى حال نجحت فى إنتاج رئيس لبنانى أو أخفقت فى مساعيها الحالية‪.‬

وللاطلاع أكثر عن الوضع فى لبنان، تفتح «الأهرام العربى» صفحاتها لاثنين من الكتاب اللبنانيين خليل القاضى وعلى نقر، خلال السطور المقبلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى