قراءة أدبية فى الحياة الأبدية بقلم الأديب المصري د. طارق رضوان جمعة

قراءة أدبية فى الحياة الأبدية
بقلم الأديب المصري
د. طارق رضوان جمعة
هل سبق وسمعت عن شخص تم دفنه بالخطأ حين أصابته غيبوبة فظن من حوله أنه مات فدفنوه حيا؟ هكذا استيقظت لأجد نفسي وحيدا, وفوق وجهي قطعة من قماش, لم أكن أدرى ما هي, فتحسست ثوبي لأجد أنه خالٍ من الخيوط. عجبا! ما هذا؟ وأين أنا؟ ولما هذه الظلمة؟ وحاولت أن أنادى على أحد أبنائي أو جميعهم يا علاء, يا يوسف, يا يا سمين , فلم يجيبني أحد, فهممت من فزع بكشف ما بوجهي من غطاء, فإذا بى بمكان يضيق تارة ويتسع تارة، ورأيت شيئا عجبا وأنا بين رهبة وطمأنينة حيث كان مخلوق يفزعني بشكله المخيف وكأنه ثعبان ضخم, وبين رجل صالح طيب يدافع عنى, لكن كل هذا كأنه طيف لا يمكنني تحديد ملامحه، ولاحظت أن هذا الرجل يقوى ويضعف, لم أكن أعلم السر, حتى رأيت وجها مليحا وصوتا يطمئن القلب المشتاق للرحمة بعد الترقب والحيرة، فسألته وأنا في حيرة من أمري بين أن أحادثه أو ألتزم الصمت فأنا لا أعرفه, لكن رائحته وهيئته تنم عن طيبته.
فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا بن أدم
فرددت: وعليك وعلى الحبيب محمد الصلاة والسلام … من أنت … أتعرفني؟
قال: أنا عبد صالح من عباد الله أحمل لك بشرة ورسالة
فقلت: أين أنا؟ وأين أبنائي وأحبابي؟ أين منزلي وثيابي وسيارتي؟
فقال: أنت في القبر… في دار الحق
فرددت منزعجا: لكنني حي … ولماذا يضيق القبر هذا ويتسع؟ ومن الرجل الصالح الذي يدافع عنى ويدفع عنى الثعبان المخيف؟ ولماذا يضعف الرجل ويقوى؟
قال: هذا عملك وعزيمتك في الدنيا تقوى وتضعف
فقلت: إلى أين مصيري؟
فقال: لا تعجل , أراد ربك أن يجعلك للعباد أية
فقلت: تلك أمانة لا أبتغيها
فقال: قضى الأمر, وليس لك من الأمر شيئا
فقلت: أنا عبد الله وإن شاء ربى أعانني ولا أعصى له أمرا… فبماذا يأمرني الله؟
فقال: ستعود لدنياك مرة أخرى وسيراك من أحبك بصدق بنفس وجهك المألوف, لكنك ستدرك أن الغالبية سيرونك بوجه مختلف, ولن يتمكنوا من معرفتك رغم أنه سيكون لك نفس الصوت ونبرته.
فقلت: وما الهدف من هذا؟ وماذا سأجنى من هذا العناء؟
فقال: هذه حكمة لا يعلمها إلا من أمر… فلا تسألني ما ليس لي به علما
فقلت: لا بأس.. لكن كيف سأتدبر أمري؟
قال: لا تحزن
فقلت: كيف سأعود عاريا لبيتي؟
قال: لا تحزن
وانصرف الرجل وبدا باب القبر أن يفتح رويدا رويدا دون جهد منى، وكان مؤذن صلاة الفجر ينادى الله أكبر… الله أكبر. فخرجت من قبري أجر أذيال كفني وقدمي المعاقة, وجلست على أطراف المقابر علّى أجد من يساعدني أو يرفق بى فأنا أشعر ببرد وجوع لم أشعر بهما من قبل. أريد أن أستحم من هذا التراب. ولم يطل انتظاري حتى مر بى الواحد تلو الأخر لكن بالطبع جلستي وهيئتي أفزعتهم ففروا منى . فناديت يا ناس أنا حى … أنا لست عفريتا وأريد العون منكم كي أعود لبيتي, وما استمع لى أحد سوى رجل فقير منحنى جلباب ورغيف خبز وقليل من المال.؟ وكأن ملخص الدنيا كله وسر السعادة فى هذه الأشياء الثلاثة البسيطة.
فلما رجعت لبيتي ومكاني بين أهلي وجيراني, لم يعرفني إلا عدد لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة, أما الباقي فأكدوا أن وجهي هذا ليس وجه الطارق المعروف لهم. فى هذا الوقت أدركت أن الآخرة هي موطني الأصلي وأنى بالدنيا وبين الأهل والخلان كنت غريبا. وربما هذا ما أراد الله أن يراه العباد فى عودتي للحياة, فقد أخبرتهم وسردت لهم ما مررت به فى قبري، الغريب أنني لم استطع أن أتذكر كل ما حدث لي… ولكن الله لا يهدى إليه إلا من يشاء. وها أنا أنفذ إرادة ربى فلا حياة مستمرة فأحياها ولا موت يغيثني من بلاء الدنيا فأنساها.
يا ربى ماذا أصنع؟ جلست أتدبر واسأل نفسي أين كنا قبل أن نولد كأطفال؟ فوجدت فى سورة البقرة الآية (28( يقول الله عز وجل: ” كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”
فمن الحياة إثنتين ومن الموت اثنتين وبهذا حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله:”أمتَّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين”، قال: كنتم تُرابًا قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم، فهذه إحياءة. ثم يمينكم فترجعون إلى القبور، فهذه ميتة أخرى. ثم يبعثكم يوم القيامة، فهذه إحياءة. فهما ميتتان وحياتان. إذا فهناك حياة لنا قبل مولدنا للدنيا؟ لكن أيهما سبق الأخر الروح أم الجسد. معروف لنا جميعا أن الجسد فانٍ ولكن أمر الروح أمر غريب لا يتقن علمه إلا الله. هناك اعتقاد بأن الروح التي لم تولد بعد وهى فى عالم يسمى عالم الفناء, تتواصل مع أحد ما على الأرض حتى يأذن الله لها فتولد فى حياتها الأرضية
الأمر أغرى العلماء بالبحث فقاموا بعمل تجربة أطلقوا عليها (تجربة الموت الوشيك) NDE , تلك التجربة التى أعلن فيها عن موت الأشخاص ثم عودتهم للحياة مجددا ليخبرونا فى بعض الأحيان عن تواجدهم فى مستوى أخر من الوجود التقوا فيه مع أقاربهم المتوفين وكائنات الضؤ.
وهناك مؤلفات وأبحاث كثيرة عن موضوع مقالنا هذا مثل ” القدوم من النور” من إعداد سارة هينزى (Coming From The Light) , كما كتب رويال تشايلد تجربة ما قبل الولادة (The Prebirth Experience) يوضح الكتاب أن الروح تتطور عبر مراحل الحياة الثلاثة وهى حياة ما قبل الحياة والحياة الأرضية والحياة ما بعد الموت.
وحتى الأدباء كان لهم وجهة نظر ومنظور خاص فى الحياة والموت كما فعل الكاتب الايطالي دانتى فى الكوميديا الإلهية: يتناول دانتي في هذه القصيدة الملحمية موضوعات فلسفية ودينية عميقة الغور ، مثل حالة الأرواح بعد الموت ، والجحيم والعذاب والجنة ، والهدف من وراء الحياة، والحياة الأخرى وكيفية الإعداد لها ، والغاية من الوجود.
هدف دانتي من وراء كتابة الملحمة إلى تحقيق فهم أفضل لمكانة الإنسان في الكون ، وتهيئته للحياة الأخرى التي تبدأ بعد الموت . وكما هو واضح فإن القصة تتناول قضايا أزلية ، لا يقتصر الإهتمام بها على العصر الذي كتبت فيه ؛ بل هي موضوعات شغلت الناس على مر العصور.
ختاما تذكر أن الله أخذ العهد على أدم