انثروبولوجيا الحروب الحديثة فرج احمد فرج

انثروبولوجيا الحروب الحديثة

فرج احمد فرج

باحث انثروبولوجيا

قال الفيلسوف

المثلث الأنثروبولوجي: العنف، الحرب، الإرهاب

المصطلح في ظاهره يُفسَّر على كونه أساليب حربية جديدة، ولكن بالتمعن نجده يتعدى كونه متعلقاً بفن إدارة الحرب وقيادتها إلى كونه يهدف إلى فن إدارة ما قبل الحرب.

وأهم نماذج هذه الأجيال هي الجيل الرابع الذي شهدناه في بلادنا العربية والجيل الخامس والسادس والتي ظهر من خلالها أهمية علم الأنثروبولوجيا ودوره في نجاح الحرب وفشلها و مواجهتها.

فعلم الانثروبولوجيا الذي يعتبر الأساس العلمي للحروب الحديثة منذ سنوات طويلة وذلك من خلال دراساته لمجتمعات بشرية معينه والتوصل الي سماتها مما يسهل السيطرة على عقول أفرادها وتوجيههم الي ما يخدم مصالح العدو

الذي يهدف إلى إنهاك قوة الدولة المعادية والتآكل البطيء في إرادتها من أجل إجبارها على تنفيذ ما يريد عن طريق هذا النوع من الحروب كاثارة الفوضى والمظاهرات والتمرد على الدولة لاسقاط هيبة مؤسساتها وزعزعة الأمن لتصبح دولة هشة سهلة الاختراق والهزيمة بدلا من استخدام الاسلحة او القوة العسكرية وتكبد الخسائرتعتبر الأنثروبولوجيا دراسة علمية للثقافات والتنوع الثقافي حول العالم، وبالتالي فهي تنظر إلى العنف والحرب وفقًا للسياق الثقافي للبشر. ومن ناحية أخرى، فإن الأنثروبولوجيا تعتبر أن تجارب الحرب والعنف تختلف كثيرًا بين المجتمعات والثقافات المختلفة، حيث أنها مرتبطة بعدد من العوامل المختلفة، مثل الإيديولوجيات والسياسات والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية. ومن هذا المنطلق، فإن الأنثروبولوجيا تأكد على الاستماع إلى صوت وتجارب الناس والمجتمعات المتضررة من الاعتداءات العنيفة من أجل فهمها بشكل أفضل، وتتعقب الجذور والمسببات الثقافية للحرب والعنف، لكي تعمل على وضع حلول من خلال الحوار والتفاعل المشترك. .

تسعى هذه الدراسة إلى التفكير فلسفيا في ظاهرة العنف والحرب والإرهاب بكونها ظواهر صارت تؤرق المجتمعات المعاصرة، بهدف الوقوف على الأطروحات الفلسفية وكيفية تفكيكها لهذه الظواهر، وكشف علائقها بالقوة والسلطة والهيمنة والتقنية، لهذا استدعينا بعض الفلاسفة بهدف التأسيس لخطاب فلسفي عقلاني حول ظاهرة العنف، خطاب يجمع بين الصرامة العقلية والرؤية السوسيولوجية، والانثروبولوجية، بكون العنف ظاهرة عرفتها كل المجتمعات عبر التاريخ، لكن اليوم نشهد عنفا يفوق كل التصورات لأنه يوظف الدين والسياسة والتقنية والشرعية الدولية، عنف تمارسه القوى الكبرى باسم حقوق الإنسان، وتمارسه الحركات المتطرفة الأصولية باسم المقدس. والخطاب الفلسفي حول العنف خطاب يسعى إلى إعادة بناء الوعي على أسس عقلانية.

 

الحرب: أزمة قيم أم أنثروبولوجيا؟

تعتمل في عالمنا المعاصر عاطفة ضاغطة و لكنها غريبة فهي تتجرّد من كل لون عاطفي. إنّك تسأل و بصورة جد دراماتيكية : كيف تلحق بي الهزيمة فتكون السيطرة دائمة لك؟

إن هذا الوحش الرّابض في دهاليز التجربة الإنسانية يرتسم في حالة استنفار كونية تكرّر ذاتها باستمرار في دافعية إيذاء ذاك اللائذ بالصمت ، القابع في العتمة، الحاضر الغائب : أنا الذي ليس أنا ، الآخر الثقافي. إن الجنوح الهستيري للتنكيل و القتل و التدمير تتجلى من خلال انقسامية الذات الإنسانية التي تعلن حبها لذاتها و للسبب ذاته تشعل حربا ضد الإنسان ليتحوّل فهمنا لأنفسنا ككائنات ذات جوهر أنثروبولوجي يتحرّك ضمن المتقابلات: الخير و الشر، الحب و الكراهيّة ، الحميمية و الجفاوة…” ففي زمن الحرب هذا ندور في دوّامة الحرب ، معلوماتنا أحاديّة الجانب و نفوسنا قريبة قربا شديدا إلى نقطة المركز للتحوّلات الهائلة التي تمّت بالفعل … و لا نعرف القيمة التي نعلّقها على الأحكام التي نكوّنها ” و نحن نتوخّى تمجيد العلم و ننسى أنه” حياديّته المبرّأة من الهوى و خدّامه يسعون ــ وهم يعمّقون مشاعر المرارة لديهم ــ إلى الحصول منه على أسلحة يسهمون بها في إلحاق الهزيمة بالعدوّ

سيكولوجيا الحرب.. لماذا يصعب على البشر أن يعيشوا في سلام؟

في أجواء الحرب، عادةً ما تظهر العديد من الأسئلة، ليست فقط الأسئلة المتعلقة بحرب بعينها، مثل الحرب القائمة الآن بين روسيا وأوكرانيا، أو تلك الحروب التي عايشناها على مدار العقدين الماضيين في منطقتنا العربية، بل عن طبيعة الحرب نفسها: لِمَ تحدث أصلا؟ ولم يَصعُب على البشر أن يعيشوا في سلام؟ وهل هناك ما يمكن أن يفسر كل هذا العنف الذي يكون غير مبرر في كثير من الأحيان؟ في هذا التقرير يحاول “ستيف تايلور”، أستاذ علم النفس والمحاضر في جامعة “ليدز بيكيت”، أن يستعرض مجموعة من الأسباب التي يتوقع أن لها دورا في نشأة الحروب بين البشر.

عند قراءة أي كتاب عن تاريخ العالم، سينتهي بك المطاف على الأرجح وأنت تحمل انطباعا عاما بأنه من المستحيل على البشر أن يعيشوا في سلام، وأقرب مثال على ذلك هو الصراع الذي نشهده الآن بين روسيا وأوكرانيا، لذا نعتقد أن الوقت قد حان للتفكير في سيكولوجيا الحرب والسبب وراء حدوث كل ذلك.

عادة ما تبدأ الكتب المهتمة بتاريخ العالم بالاستشهاد بحضارتَي سومر ومصر اللتين بدأ فجر تاريخهما قبل 3000 عام من الميلاد. ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، لم يكن التاريخ أكثر من مجرد سلسلة من الحروب التي لا تنتهي، ففي الفترة التي بين عامي 1740 و1897، شهدت أوروبا وحدها قرابة 230 حربا وثورة على أراضيها، لدرجة أن الدول كادت تُعلِن إفلاسها بسبب نفقاتها العسكرية.

ثم أصبحت الحرب في الواقع أقل انتشارا خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين نتيجة لظهور عنصر جديد يعلن عن نفسه في ساحة الحرب، وهو القوة التكنولوجية الهائلة التي استغلتها الدول في إنهاء الحروب سريعا. حينما ننظر إلى تاريخ الحروب، سنجد أنه كلما مر الوقت ازداد عدد القتلى بجنون، فمثلا تسببت الحروب التي نشبت بين عامي 1740 و1897 في قتل 30 مليون شخص، في حين تتراوح نسبة القتلى في الحرب العالمية الأولى ما بين 5 ملايين إلى 13 مليون شخص، أما الحرب العالمية الثانية فتجاوزت كل هذه الأرقام لتحصد أرواح 50 مليون شخص (ومنذ ذلك الحين، انخفض عدد الوفيات الناجمة عن الحروب انخفاضا كبيرا لأسباب سنشرحها لاحقا)

نظريات الحرب

لتفسير تلك السلوكيات المَرَضية، يرى علماء النفس التطوري أنه من الطبيعي أن يخوض البشر حروبا لأننا مخلوقون في الأصل من جينات أنانية تتطلب استنساخها أو تكرارها. لذا من الطبيعي أن نحاول الحصول على الموارد التي تساعدنا على البقاء والقتال من أجلها، وبمجرد أن يشكِّل الآخرون تهديدا لبقائنا، فإننا لا نتردد لحظة في إعلان الحرب عليهم.

على الجانب الآخر، ثمة محاولات بيولوجية لتفسير الحروب، وهي ترى أن الرجال مهيؤون بيولوجيّا لخوض الحروب لأنهم يتمتعون بكميات كبيرة من هرمون التستوستيرون المرتبط بسلوكيات عدوانية، ويعانون من انخفاض هرمون السيروتونين (المسؤول عن تنظيم الحالة المزاجية)، وقد وجدت تجارب بحثية بالفعل أن حقن الحيوانات بالسيروتونين يجعلها أقل عدوانية

تُعد الحرب نشاطًا مخططا ومنظمًا للغاية يتطلب بعض الدهاء والمكر لأن التخطيط له – على عكس ما نعتقد- يبدأ في الأوقات المستقرة التي لا تتضمن قدرا كبيرا من القتال الفعلي.

غير أن هذه التفسيرات تثير العديد من المشكلات وتحمل قصورا في بعض جوانبها الأساسية، مثل عدم قدرتها على تفسير الغياب الواضح للحروب في الوقت المبكر من التاريخ البشري، كما أنها تعجز عن تفسير قلة الصراعات في أغلب المجتمعات البدائية. وكما نرى فإن هذه المسألة شائكة ومثيرة للجدل، لكن في الوقت ذاته يزعم بعض العلماء والباحثين أن الحرب في الأساس كانت موجودة دائما في تاريخ البشرية.

في المقابل، نرى العديد من علماء الآثار والأنثروبولوجيا يعارضون هذا، وأعتقد أن الأدلة تدعمهم بشدة، فعلى سبيل المثال، نشر عالمَا الأنثروبولوجيا “دوغلاس فراي” و”باتريك سودربيرغ” في العام الماضي دراسة عن العنف شملت 21 مجتمعا بدائيا (من الصيادين وجامعي الثمار)، وخلصت الدراسة إلى أنه على مدار الـ200 عام الماضية، كانت الهجمات القاتلة بين المجموعات نادرة للغاية، وخلال تلك الفترة رُصدت نحو 148 حالة وفاة، لكنها كانت بسبب صراعات فردية أو نزاعاتٍ عائلية.

وبالمثل، جمع عالم الأنثروبولوجيا “آر. برايان فيرغسون” أدلة مقنعة تثبت أن الحرب لا يتجاوز عمرها 10 آلاف عام، كما أنها باتت متكررة منذ حوالي 6 آلاف عام فقط. صحيح أن النظريات البيولوجية عن الحروب قادرة على تفسير السبب وراء اندلاع صراعات معينة، إلا أنها غالبا ما تسهو عن حقيقة أن الحرب تتضمن أبعادا أعمق من ذلك بكثير. وفي جوهرها، تُعد الحرب نشاطا مخططا ومنظما للغاية يتطلب بعض الدهاء والمكر، لأن التخطيط له -على عكس ما نعتقد- يبدأ في الأوقات المستقرة التي لا تتضمن قدرا كبيرا من القتال الفعلي.

التفسيرات النفسية للحروب

كان “ويليام جيمس” أول عالم نفسي يحقق في الأسباب النفسية وراء اندلاع الحروب، فكتب مقالا مهمّا بعنوان “المعادل الأخلاقي للحرب” في عام 1910 يقول فيه إن الحروب كانت منتشرة جدا بسبب آثارها النفسية الإيجابية سواء على الفرد أو المجتمع. رأى جيمس أن الآثار الإيجابية للحرب على المستوى الاجتماعي تتمثل في خلق شعور بالتكاتف والوحدة الوطنية في وجه التهديد الجماعي بتوحيدها لصفوف الناس معا، حيث إن الانخراط في المعارك لا يقتصر على الجيش فقط، بل يشاركه أفراد المجتمع كافة، فضلا عن أنها تجلب إحساسا بالانضباط والامتثال واحترام الأهداف المشتركة، بجانب إلهام المواطنين (وليس الجنود فحسب) بالتصرف بشرف والتخلي عن الأنانية من أجل خدمة الصالح العام.

أما على المستوى الفردي، فيرى جيمس أن الحرب تبعث في نفوس الناس شعورا بأنهم على قيد الحياة وعلى أهبة الاستعداد، كما أنها تمنحهم هدفا ومعنى لتجاوز رتابة الحياة اليومية والتحرر من سطحيتها. تتيح الحرب أيضا الفرصة للتعبير عن القيم الإنسانية مثل الانضباط والشجاعة والتضحية بالذات، والتي غالبا ما تكون متخفية في قلب دوامة الحياة العادية.

في كتاب “العودة إلى التعقل”، أشرت إلى عاملين مهمين آخرين في إثارة الحروب، أحدهما السبب الواضح الذي نعلمه جميعا وهو الرغبة المؤججة في زيادة الثروة والمكانة والسلطة، وغالبا ما تكون رغبة مجموعة واحدة من البشر -عادة ما تكون الحكومات، وأحيانا القبائل أو مجموعات عرقية- في زيادة قوتها وثروتها عن طريق غزو الأطراف الأخرى وإخضاعها والاستيلاء على أراضيها ومواردها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى