الفساد بقلم د.علي أحمد جديد

الفساد ..
د.علي أحمد جديد
الفساد هو أعمال غير نزيهة يقوم بها بعض الأشخاص من الذين يشغلون مناصب هامة في الدولة والمجتمع ، وهناك العديد من المواقف التي يمكن فيها اعتبار الشخص فاسداً ، كإعطاء وقبول الرشاوى والهدايا بدون وجه حق أو بدون مُناسبة ، وتحويل الأموال ، والاحتيال ، وغسيل الأموال .
ويقف وراء تفشي ظاهرة الفساد في المجتمع العديد من العوامل الاقتصاديّة والسياسيّة ، ويمكن اختصارها بعنواين ودلالات واضحة . أولها (غياب أو تغييب الديمقراطية) . إذْ كَشفت العديد من الدراسات أنّ سيادة الديمقراطيّة في المجتمع يحدّ من تفشي ظاهرة الفساد فيه ، والديمقراطية بدورها تجعل اصحاب المناصب في حالة استرضاءٍ دائم للشعب من أجل الحصول على الأصوات الانتخابية الأمر الذي يوسع من دائرة القرار السياسيّ . والجديرٌ بالذكر أن عدم وجود قانون جاد في تطبيق الردع للفساد يُساهم في تفشيه وانتشاره في المجتمعات .
ويمكن القول أيضاً بأنّ السياسيات الاقتصادية التي تتبناها الدولة لها أكبر الأثر البالغ في تفاقم مشكلة الفساد أو الحدّ منها ، لأنّ الدول الفقيرة تظهر فيها معدلاتُ فسادٍ أعلى من غيرها ، وذلك بسبب تدنّي رواتب الموظفين الحكوميين فيها ، الأمر الذي يدفعهم لقبول الرشاوى وممارسة اختلاس الأموال ، بينما يتمتّع موظفو الدول المُرفهة اقتصادياً بأجور جيدة تجعل اللجوء إلى الأساليب غير المشروعة في اكتساب المال مخاطرة كبيرة تنطوي على خسارة المنصب الوظيفي أولاً ، وعلى المحاسبة القاسية في أحكامها .
ويتّخذ الفساد أشكالاً متعدّدة في المجتمعات والتي أبرزها :
* الرشوة :
إذْ تتمثّل الرشوة أول وأخطر خطوات الفساد في قيام حين يقوم الموظّف بأعمال مخالفة لأصول وأخلاقيات المهنة لصالح بعض الأفراد مقابل عائد مادي أو منفعة معيّنة لقاء تأمين نفقات حياته وحياة أبنائه ، حتى يصل إلى قناعة راسخة بأن مايتلقاه من الرشاوى واحد من حقوقه التي لايمكنه الوصول إليها بطرق قانوني أو أخلاقية .
* المحسوبيّة :
وتعد أيضاً من أكثر أشكال الفساد إضراراً على المستويين الاقتصاديّ والاجتماعيّ ، وتتمثّل باستغلال السلطة و النفوذ بشكل غير مشروع قانونياً لخدمة مصالح غير المستحقين .
* النصب والاحتيال :
وهو شكل من أشكال الغش الخارق للقوانين ، والمنطوي على تغيير الوقائع بغرض الخداع والتعويض عن حقوق ضائعة في ظل قوانين وسلوكيات حكومية فاسدة .
* التزوير :
يتمثّل بمحاكاة التواقيع والأختام بالاستعانة بالوسائل والتقنيات التكنولوجيّة الحديثة .
* غسيل الأموال :
وهو إضفاء الصفة الشرعية على الأموال غير مشروعة المصدر ، ويقوم بجريمة غسيل الأموال العديد من المؤسسات الاقتصاديّة والبنوك المحلية و الدوليّة والعالميّة الكبرى .
ويزداد النشاط الإجرامي والجريمة المنظمة في المجتمع نتيجة انتشار الفساد وتغطيته بالقوانين التي تتيح الالتفاف على أي قانون رادع .
ويمكن للعديد من الخطوات أن تساعد في القضاء التدريجي على إدارة الفساد ، وأبرزها الارتقاء بالمؤسسة التربوية و التعليمية ، والنهوض بالسلوكيات الأخلاقية .
من خلال التركيز القوي في المجتمع على التعليم ، ويمكن تحقيق ذلك بتقديم التعليم (الإلزامي) والتشدد بإلزاميته ، وإقامة دورات مكافحة غسيل الأموال (AML) ، ومن خلال ذلك
يتم الحد من الفساد مع وجود آليات صحية وصحيحة للمساءلة القانونية الحاسمة ، وهو مايعزز ثقافة السلوك الأخلاقي القوي في محاسبة الذين ينتهكون الأعراف والقوانين الناظمة للمجتمعات . ويمكن الحد من الفساد بشكل أكبر من خلال تسهيل وتشجيع الإبلاغ عنه سواء من قبل المديرين والموظفين أوالموردين والعملاء وحتى بين المواطنين أبناء المجتمع الواحد دون مساءلة الشخص المُبَلِّغ بلاغاً موثوقاً وموثقاً بالأدلة ، بل ومكافأته .
وتعمل بيئة الرقابة القوية على تقليل مخاطر الفساد كما تُساهم في إجراء عمليات فحص شاملة للخلفية قبل تعيين الموظف أو ترقيته .
ولأن الفساد من أكبر المشاكل التي تعاني منها الدول النامية أو الدول المتاخرة و المتخلفة فإن وجوه الفساد تكون متعددة ومختلفة . ومنها الفساد الأمني والاجتماعي ، الفساد السياسي ، والفساد الإداري ، والفساد الأخلاقي ، وكذلك الفساد الاقتصادي والفساد المالي وفساد المؤسسات .
والفساد ليس ظاهرة محلية فقط ، وإنما هو ظاهرة عالمية ولكن تختلف نسبة مستوياته بين بلد وآخر ، وبالطبع فإن أشد أنواع الفساد ضرراً وانتشاراً يكون في الدول النامية ، وخاصة الدول التي تفتقر إلى وجود المنظمات الرقابية غير الحكومية كمجلس النواب أو مجلس الشعب ، والجمعيات الأهلية وتلك التي لم تنضج فيها بعد مؤسسات المجتمع المدني ، أوتلك التي تكون فيها مثل هذه المؤسسات محظورة ، لأن هذه المنظمات والمؤسسات تساعد على متابعة وكشف الآثار السلبية للفساد كما هو الحال في الدول المتقدمة .
والفساد مصطلح له معانٍ عديدة واقنعةٌ مختلفة ، ويكون بدء التعامل السليم مع هذه المشكلة هو تقسيمها وتحليلها إلى عناصرها الكثيرة ومتعددة الوجوه .
وفي أوسع صورة للفساد يمكن القول بأن الفساد هو سوء استخدام المنصب العام لغايات شخصية ، وتتضمن قائمة الفساد كلاً من الرشوة ، والابتزاز ، و استغلال النفوذ والمحسوبية ، و الاحتيال ، و الاختلاس ، واستغلال
” مال التعجيل ” وهو المال الذي يدفع لموظفي الحكومة لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن نطاق اختصاصهم لقضاء أمر معين .
وعلى الرغم من أن كثير من الناس ينـزعون إلى اعتبار الفساد خطيئة حكومية ، إلا أن الفساد موجود في شرائح المجتمع ككل وفي القطاع الخاص أيضاً ، بل إن القطاع الخاص متورط إلى حدٍّ كبير في معظم أشكال الفساد الحكومي . ويمكن تصوير الفساد أيضاً بأنه استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة مثل الرشوة و الابتزاز ، المنطويان بالضرورة على مشاركة طرفين بأقل تقدير ، ويشمل أيضاً أنواعاً أخرى من ارتكاب الأعمال المحظورة التي يستطيع المسؤول العمومي القيام بها بمفرده ومن بينها الاحتيال والاختلاس ، وذلك عندما يقوم السياسيون وكبار المسؤولين بتخصيص الأصول العامة لاستخدام خاص واختلاس الأموال العامة ويكون لذلك شبكات مرتبطة بهم تترك آثاراً مباشرة على التنمية الاقتصادية والتي لا تحتاج تبعاتها إلى مناقشة ، غير أن الأمر يكون أكثر تعقيداً عندما يتعلق بتقديم بعض الأطراف الخاصة الرشوة إلى المسؤولين العموميين ولا سيما تأثيرها على تنمية القطاع الخاص على حساب القطاع العام ، ومن المفيد في بحث أشكال الرشوة النظر فيما يمكن للقطاع الخاص أن يحصل عليه من السياسي أو الموظف العام :
– العقود الحكومية والامتيازات التي تمنحها الحكومة ..
– الإيرادات الحكومية ..
– توفير الوقت وتجنب الضوابط التنظيمية ..
– التأثير على نتائج العمليات القانونية والتنظيمية ..
والفساد وفقاً لتعريف الأمم المتحدة :
“هو سوء استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص ” .
ويتدرج الفساد من الرشوة إلى عمليات غسيل الأموال وأنشطة الجريمة المنظمة . ويعرِّف البنك الدولي الفساد بأنه استغلال المنصب العام بغرض تحقيق مكاسب شخصية .
” The buse of public offic for private gains ” .
أما المنصب العام وهو كما عرَّفه القانون الدولي بأنه :
“منصب ثقة يتطلب العمل بما يقتضيه الصالح العام” .
ولعل أبرز أنواع الفساد مايمكن تسميته بالفساد العقدي أي “فساد الاعتقاد” إذ يعتبر فساد الاعتقاد بأنه أساس كل فساد ، لأن الإنسان يسعى في الحياة ، سواء الخاصة منها أو العامة ، وفق معتقداته ، فإذا كان معتقده فاسد كان سعيه في الحياة فاسداً ، وإذا كان معتقده صحيحاً يرجو الصلاح والخير لأفراد مجتمعه كان سعيه صالحاً وهو في الطريق الصحيح . وقد قال الله تعالى :
( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) (البقرة: 11، 12) .
أما الفساد الأمني والاجتماعي فيُعتبَر توفر الأمن في مجتمعٍ ما من أساس النعم ، والمجتمعات التي تفتقد الأمن والأمان تسود فيها أنواع كثيرة من جرائم الفساد ، أولها عدم توفر الأمن الذي يُسوِّل للنفوس المريضة سلوك طرق الفساد من غشٍ وخداعٍ ومحسوبيات ، وفقدان الأمن . والشعور بالأمان قد لا يُشعِرُ ببقية النعم ، ويوجز لسان الحكمة معنى وجود الأمان في المجتمع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
(من أصبح منكم آمِناً في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا) .
أما الفساد السياسي والذي يُعرَّف بأنه “إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق المكاسب الخاصة”، أي قيام بعض السياسيين المتنفذين باستعمال منصبهم كأداة في الفساد لتحقيق مكاسبهم الشخصية وزيادة ثرواتهم على حساب بقية أفراد المجتمع ورفاهيته .
وكذلك الفساد الإداري والذي يعرَّف بأنه
“سلوك بيروقراطي يهدف لتحقيق منافع شخصية بطرق غير شرعية”
والبيروقراطية هي سلطة المكاتب والموظفين ، وتتميز بالروتين المُبالَغ فيه وبالبطء والتمسك بحرفية القواعد والجمود ، وبالتالي تعطيل سير المصالح العامة وكذلك قيام كبار الموظفين في السلطة بتعيين الموظفين وفق ما يتناسب مع مصالحهم الشخصية ، واستغلال المنصب من أجل القيام بعمل ما وخدماتٍ لأشخاصٍ مقابل الحصول على مكاسبٍ مادية أو عينية ، كما يشمل هذا النوع من الفساد الاستخدام السيء للوظيفة وعدم تطبيقها بالأسلوب المطلوب وعدم احترام القوانين والأنظمة .