إنه الليل بقلم: محمد كمال قريش

إنه الليل

 

بقلم: محمد كمال قريش

 

كثيرًا ما أسمع الأشياء الجامدة تتحدث عني، وذلك مِن فرط انصاتي لها وإمعاني في تفاصيل تفاصيلها، ومِن فرط أيضًا، إهمالي متعمدًا الانتباه لأبناء جنسي وما يسببوه غالبًا من فوضى تضر بمصالحي الشخصية طوال الوقت، فهم بارعون في تبديد الهدوء، شرود التركيز، هروب الإلهام، ضياع الوئام والتأقلم مع الروح، نسيان ما يسعد وتذكر ما يؤلم.. وازدياد الوعي والإدراك بما صار ويصير..

وفي هذا المساء، وعندما بدأ المساء ذاته يزحف لركني الهادئ، سمعته يحدث الشمس قائلًا: “أيتها الشمس الجميلة المعطائة دونما انتظار مقابل، يا فاتنة ويا هادية ويا منيرة الدروب، يا أمل الذين يرتعشون من البرد في الشتاء، ويا حلم الراجون في زوالي كي تهدأ نفوسهم المضطربة، ويا مانحتي الوجود بفناءك.. يا سيدتي ومعشوقتي، أتضرع إليكِ الآن بكل كلمات الضراعة وأناشدك بكل كلمات الرجاء، وأستحلفكِ بكل غالٍ وذو قيمة لديكِ، يا متوهجة يا معطاءة؛ أن تجنبينني مزاحمة هذا الشاب في غرفته، تمنعين عنه رؤيتي، أنا الليل بكل عتمتي أخشى عتمته، أنا المساء بكامل هدوئي يقلقني هدوءه، أنا الظلام بمعناه المخيف، أخاف! أخاف من ظلامه وصمته وضبابه وسكونه، أنا الوَحشة لدى الوحيدين، أتلاشى وأضمحل في حضرة وَحشته وغربته. جنبيني أيتها الشمس رؤيته وجنبيه رؤيتي، فإنني لا أستطيع مجاراته في ظلامه وإنه ليس راحمي من ظلامه، أيتها الشمس لا تغربي وتتركيني له”

إنه الليل.. أنا الآن أتحدث لكم أيها السادة، إنه الليل، ليته يعلم أنه مَن علمني الهدوء، السكون، الصمت. ليته يعلم أن منه اقتبست الظلام، استنسخت العتمة، سرقت بعض ضبابه لأخفف عنه، ونهبت بحرقة وشراسة بعضًا مِن وَحشته قاصدًا إراحته وإزاحته عنه. لكن مالي أسمعه يتعوذ مني ويستنجد بالشمس؟! حُق له أن يشكرني.. غريب أمر الليل، غريب أمر الليل..!

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى