اليقين والبشرى ورؤية الرسول الكريم ﷺ ، إضاءات مع سيف الدين قطز والعز بن عبدالسلام، الجزء الثاني؛ بعد ان قص سيف الدين قطز علي شيخه العز بن عبد السلام رؤياه للرسول الكريم سيدنا محمد
ﷺ مبشرا له انه سيصير ملكا علي مصر ويهزم التتر. دعا له شيخه بهذا الدعاء “اللهم حقق رؤيا عبدك قطز كما حققتها لنبيك يوسف عليه السلام “. نظر قطز الي شيخه و تمني منه ان يدعو له ان يلتقي بابنه عمه وحبيبته كي يتزوجها فتقر عينه. حينها دعا له شيخه بدعاء رائع قال فيه : “اللهم إن في قلب هذه العبد الصالح مضغة تهفو إلي إلفها في غير معصية لك فأتم عليه نعمتك واجمع شمله بأمتك التي يحبها “.
نهض قطز وقبل شيخه وصار يهتف الحمد لله سالقاها سأتزوجها
ويرد شيخه مبتسما ” إن شاء الله “
وصار قطز من بعدها يكرر دعاء شيخه في كل سجدة له غير انه كان يحذف منه كلمه ” الصالح ” ويكتفي ب ” العبد “.
وقد حقق الله تعالى لعبده قطز رجائه وأمنيته، بحسن يقينه وصدق إيمانه وتوكله على الله. فقد لقي ابنة عمه جلنار وتزوجها، وأصبح ملكا لمصر ، وحارب التتار فى معركة عين جالوت التى جرت أحداثها في ٢٥ رمضان عام ٦٥٨ هـ، الموافق ٣ سبتمبر ١٢٦٠ م. نصر الله عبده قطز وجيش المسلمين فى هذه المعركة نصراً عزيزاً مؤزَّراً، ورزقهم فتحاً مُبيناً، ويقيناً بأنه لا فعَّال ولا ناصر في الأرض إلا الله مصداقا لقوله عز وجل :
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لقوي عزيز﴾ (الحج: ٤٠). إن أثر قطز والمجاهدين معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا، وحين اطمأن قطز إلى نصر الله ترجل عن فرسه، ومرغ وجهه في التراب تواضعًا، وسجد لله شكرًا على نصره، وحمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا. لقد كان انتصار المسلمين في “عين جالوت” على التتار انتصار عقيدة وحسن ظن ويقين فى الله لا مراء. أنقذ الله تعالى بهذا النصر المبين الإسلام من الفناء، وأنقذ البشرية والحضارة من الإبادة والضياع. كانت هذه المعركة من أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، وهي الأولى التي خسر فيها التتار، وبهذه الخسارة الفادحة تم ضم وتوحيد العالم الإسلامي تحت حكم المماليك لأكثر من ٢٧٠ عاما. كان لمعركة عين جالوت أيضا أثر عظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى المتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة التتار في المعركة من تحجيم قوتهم، فلم يستطع القائد التتاري هولاكو الذي كان مستقرا في تبريز من التفكير في إعادة احتلال الشام مرة أخرى، وكان أقصى ما فعله ردا على هزيمة قائده كتبغا هو إرسال حملة انتقامية أغارت على حلب. ووقف زحف التمدد المغولي في غرب العالم سواء في شمال أفريقيا والمغرب أو في أوروبا، وحمى العالم الأوروبي أيضًا من شر لم يكن لأحد من ملوك أوروبا وقتئذ أن يدفعه، وهذا ما أقرته بعض المصادر الغربية. لقد كان النصر والفتح بحسن اليقين والثقة بالله وصدق التوكل عليه، فلما كان الأمر كذلك وجب اليقين بحسن صنعه، فيما أحبَّ الإنسانُ وكَرِه، وأُعطيَ ومُنِع. فالخير كلُّه بيد الله، والأمر أجمعه إليه، فما أحسنَ اليقين بجميل فعله، وحسنِ صنعه جل جلاله. ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ (الشورى: ٣٦).