الشاعر السوري المتمرد

الشاعر السوري المتمرد 

محمد الماغوط ..

“سأخون وطني”

                        د.علي أحمد جديد

(محمد الماغوط) شاعر سوري أبدع في كتابة قصيدة النثر ، وله عدة دواوين شعرية إضافة إلى تأليفه المسرحيات السياسية الساخرة .

ويُعَدُّ (محمد الماغوط) من أبرز شعراء قصيدة النثر في الوطن العربي . 

ولد الماغوط في مدينة (السلمية) الواقعة في محافظة حماة السورية ، وتلقى تعليمه الثانوي في إحدى مدارس ريف دمشق .

 انتسب إلى (الحزب القومي السوري الاجتماعي) منذ شبابه وهو ما تسبب في اعتقاله عدة مرات .

عاش الماغوط في بيروت فترة طويلة من حياته ، وهناك تعرف على زوجته سنية صالح .

عمل الماغوط في عدد من الصحف السورية والعربية ، وكتب عدة دواوين شعرية ، ومسرحيات سياسية ساخرة انتقد فيها الأوضاع في سورية والوطن العربي .

توفي الماغوط في دمشق عام 2006 عم عمر ناهز 72 عاماً .

 ينحدر الشاعر (محمد الماغوط) من أسرة فقيرة ، وكان والده ( أحمد عيسى) ، قد أمضى حياته وهو يعمل فلاحاً بالأجرة في أراضي الآخرين . و كان قاسياً في معاملة ابنه محمد الذي قال عنه :

 ” كان أبي لا يحبني كثيراً .. يضربني على قفاي كالجارية … ويشتمني في السوق ” .

كانت روح التمرد مغروسة في نفس الشاعر (محمد الماغوط) منذ صغره ، إذ بدأ التدخين وهو في التاسعة من عمره واقتصر التعليم الذي ناله الماغوط في طفولته على الدروس التي كان يتلقاها مع أبناء الفلاحين الآخرين في “الكُتّاب” ، والتي شملت القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم . وعندما أنهى الماغوط دراسته في “الكُتّاب” انتقل إلى الدراسة في المدرسة الزراعية الموجودة في المدينة . وفي تلك الفترة تعرف على الأستاذ والشاعر (سليمان عواد) ، الذي كان ينشر كتاباته في دوريتي “الآداب” و”الأديب”، ومنه اطلع على الشعر الحديث ، ولاسيما مؤلفات الشاعر (رامبو) .

انتقل الماغوط إلى دمشق لمتابعة دراسته الثانوية ، فقصد ثانوية “خرابو” الزراعية في غوطة دمشق . ولم يكن في الحقيقة يهوى الزراعة أو العمل في الأرض ولكن الظروف المادية ، وتقديم المدرسة للطعام والشراب مجاناً دفعاه للانتساب إليها و الدراسة فيها . ولم يكمل دراسته ، حيث خرج من المدرسة قاصداً مدينة دمشق ، ومنها عاد إلى السلمية وقرر الانتساب إلى (الحزب السوري القومي الاجتماعي) وكان في السلمية حزبان فقط هما (حزب البعث) و( الحزب القومي السوري الإجتماعي ) ، واختار الماغوط الحزب الثاني نظراً لوجود مدفأة في مقره ، وهو أمر لم يكن شائعاً آنذاك في منازل الأسر الفقيرة .

بدأ الماغوط كتابة قصيدته الأولى “غادة يافا” التي نشرت في مجلة الآداب اللبنانية . وبعدها اضطر للذهاب إلى اداء الخدمة الإلزامية في الجيش السوري ، ولم ينقطع عن كتابة الشعر ، إذ كتب قصيدة “لاجئة بين الرمال” التي نشرت في مجلة (الجندي) الأدبية .

 تعرّض (الماغوط) للاعتقال بعد اغتيال (عدنان المالكي) ، واتهام (الحزب السوري القومي الإجتماعي) والشهيد (غسان جديد) بالوقوف وراء العملية ، فتعرض أفراد الحزب للملاحقة والاعتقال ، ومن ضمنهم كان الشاعر (محمد الماغوط) فأمضى في السجن بضعة شهور .

تزوج محمد الماغوط من (سنية صالح) ، وأنجب منها طفلتيه (شام) التي أصبحت طبيبة وتزوجت لتستقر في الولايات المتحدة الأمريكية ، و(سلافة) التي تزوجت وعاشت في دمشق .  

لم يكن (الماغوط) راضياً عن مسرحياته التي عرضت على خشب المسرح ، وقال أنها قد تعرضت للتحريف .

ومن أقوال (محمد الماغوط) :

“لو كانت الحرية ثلجًا لنمت في العراء” .

“بدأت وحيداً ، وانتهيت وحيداً ، وكتبت كإنسان جريح وليس كصاحب تيار أو مدرسة” .

نشر محمد الماغوط خلال سنوات حياته الأخيرة عدداً من الدواوين الشعرية أهمها :

* – سيّاف الزهور2001 

* – “شرق عدن غرب الله” 2005 

* – “البدوي الأحمر” 2006 .

توفي الماغوط في دمشق بتاريخ 3 أبريل/نيسان عام 2006 ، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان ، ودفن في بلدته (السلمية).

وكان بعد خروجه من السجن في المرة الأولى قد عزم على السفر إلى بيروت ، وهناك التقى (يوسف الخال ، وأدونيس) وغيرهم .

عمل الشاعر (محمد الماغوط) في الصحافة وكان من مؤسّسي (جريدة تشرين) ، كما عمل رئيساً لتحرير (مجلة الشرطة) وكان أديباً ساخراً من الواقع السياسي ، وقد ألَّف أعماله وهو يدور في فلك السخرية الهادفة من كل شيء . ومن أبرز أعماله : 

= مسرحية ضيعة تشرين . 

= مسرحية كاسك يا وطن . 

= مسرحية المهرج .

 كما أصدر كتابه (سأخون وطني) عن (دار المدى للنشر والتوزيع) عام 2001 ، وهو الكتاب الذي يكشف شخصية (الماغوط) الذي ينذر بالخيانة قبل أن يقومَ بها ، فهو ينذر وطنه بخيانته له في زمن لا تكون الخيانة فيه إلَّا سرّاً ، ويرى (الماغوط) بأنَّ الأوطان نوعان : 

1 – أوطان مزورة للطغاة .. 

2 – أوطان حقيقية للأحرار البسطاء ..

 وأوطان الطغاة لا تُعطي إلَّا القهر والكبتَ والذلَّ والفقر والحاجة لأنها سجون وقبور ، والانتماء إليها خيانة للإنسان بحدِّ ذاته ، والثورة عليها خلاص وأمانة وإخلاص ، لأن الوطن هو من يمنح الإنسان الحرية والعدالة ، وليس الوطن هو الأرض التي يولد فيها الإنسان وترجع إليها أصولُهُ .

كما يرى نفسه خاسراً في كلِّ القضايا إلَّا في وقوفه مع الناس ، لأن الوقوف إلى جانب الشعب لم يأخذِ الإنسان يومًا إلى الخسران ، وهو الطريق الأكثر أماناً للأديب في زمن الطغاة ، وإنَّ للحرية ثمنها الباهظ الذي ينبغي على الإنسان دفعه في سبيل الحصول على الحرية والتي تُعدَّ سبباً أساسياً للوجود والاستمرار ، وفي غياب الحرية وجه آخر للموت . وقد رصد (الماغوط) حالة الإحباط التي تتلبس المواطن العربي نتيجة سياسات الحكام والحكومات العربية في كتابه (سأخون وطني) وسجّل تجربته القاسية في أقطار الوطن العربي ، وعكَسَ معاناة جيل كامل يعيش حياة الزيف والخداع المتمثلة بالنياشين المزيفة وبالشعارات السياسية الساقطة ، وحاول أن يقصِّر الطريق أمام الجيل القادم بكشف المستور أمامه قبل أن يشعر ويرى الأمر بعد فوات الأوان .

َكانت لغة الماغوط في كتابه (سأخون وطني) لغةً شعبية استطاع من خلالها النفاذ إلى قلوب الناس ، واستطاع الوصول إلى عقول البسطاء التي يحاول فتحها وحشوها بالوعي السياسي الذي قد يؤدي إلى ثورة هائلة على الظلم والطغيان .

 

ومن الكتاب (سأخون وطني) نقتطع :

“يا إلهي ، كل الأوطان تنام وتنامُ ، وفي اللحظة الحاسمة تستيقظ ، إلا الوطن العربي فيستيقظ ويستيقظ ، وفي اللحظة الحاسمة ينام” . 

“ما الفائدةُ من أن تكون قادراً على كتابةِ أيِّ شيءٍ في العالم ، ولستَ قادراً على تغيير أيِّ شيءٍ في هذا العالم” . 

“إنَّ الذي سيقضي على العرب في المستقبل ليس البراكين والفيضانات ، بل المزايدات” . 

“إذا ما أقدمتُ على الانتحار قريباً فما هذا إلا لكي ترتفعَ روحي المعنوية إلى السَّماء” . 

“إذا لم نستطعْ تدريبَ إنسانٍ عربي واحدٍ على صعود الباص من الخلف والنزول من الأمام ، فكيفَ نبغي تدريبَهُ على الثَّورة” .

“إن شعوباً جريحة برمتها يُساوم عليها أمام قدحي خمر” .   

الوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هي وحدة الألم والدموع.              

“جميع الحقوق محفوظة ويكفلها القانون . قانون الطوارئ طبعا” .

يا إلهي..امنحني قوة الفولاذ ، و رقّة الفراشة” .

“الوحدة الحقيقية القائمة بين العرب هي وحدة الألم والدموع” .  

“الطغاة كالأرقام القياسيةلابد من أن تتحطم في يوم من الأيام” . 

“الفرح مؤجل كالثأر من جيل إلى جيل، وعلينا قبل أن نُعَلِّم الناس الفرح، أن نعرف أولا كيف نتهجأ الحزن” .

“كل يوم أكتشف في وطني مجداً جديداً ، وعاراً جديداً ، وأخباراً ترفع الرأس .. وأخرى ترفع الضغط” .    

“يا رب امنحني أرجل العنكبوت لأتعلق أنا وكل أطفال الشرق بسقف الوطن حتى تمر هذه المرحلة” .

“هذا القلم سيقودني إلى حتفي .. لم يترك سجناً إلا وقادني إليه ولا رصيفاً إلا ومرّغني عليه” .

“إذا كتبت أموت من الخوف .. وإذا لم أكتب أموت من الجوع” !.

“الدولة لا تسأل المواطن عما يفعله من وراء ظهرها ، إذا لم يسألها ماذا تفعل من وراء ظهره” .

“صار فم الإنسان العربي مجرد قنّ لايواء اللسان والاسنان لا أكثر” .

“لقد أصبح البشر كصناديق البريد المُقفلةمتجاورين ولكن لا أحد يعرف ما في داخل الآخر” .

“ما أن قلت لهم أن الامبريالية تنحسر ، وأن الثورة العالمية على الابواب ، حتى جاء كبش ونطحني على فمي” .

“ما جدوى أن يكون النظام من حديد والمواطن من زجاج” ؟!.

“ما من جريمة كاملة في هذا العصر سوى أن يولد الإنسان عربياً” .

“هناك الكثير من الأشياء تستحق الركل أكثر من تلك الكرة المطاطية البائسة” .

“إنني في رعاية دائمة لا بأس بها ، الشمس تحميني من المطر ، والمطر من التجول ، والتجول من اللصوص ، واللصوص من التبذير ، أزمة المواصلات تحميني من المسرح” .

“أحاولُ أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها ، لأن الشعر موقفٌ من الحياة ، وإحساسٌ ينسابُ في سلوكنا” .

“في ظروف الطغيان ليست البطولة أن تجلس على ظهور الدبابات بل أن تقف أمامها” .

“كلنا ، عصافير حدباء . تدعي المبادئ ، وتنفر من رائحة الفقراء” .

“كيف يعود الإنسان العربي الى تراثه قبل ألفي عام وهو لا يستطيع العودة الى حدود ال 67” ؟.

“لا أجهزة تنصت في الوطن العربي في أي مكان .. لأنه في الأصل لا أحد يتكلم” .

“من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي إلى فلسطين صارت القضية في حاجة إلى إدارة مرور” !.

“الخمرة تعبث في رأسي ، وزوجتي تعبث في جيوبي ، والبقال يعبث في حساباتي ، وأكثر من سياسي يعبث في مصيري” .

” لا يهزني نصر ، ولا تذلني هزيمة . ولا يربكني احتلال ، ولا يسعدني استقلال . لا تشغلني مفاوضات ، ولا يؤرقني حصار ، ولا يشدني مسلسل ، ولا تمتعني رواية ، ولا تضحكني مسرحية ، ولا تطربني أغنية ولا يزعجني مواء أو عواء . لا يعنيني تراث ، أو حضارة ، أو موقعاً استرتيجياً ، أو ثروات طبيعية ، أو نهضة عمرانية أو فنية ، ولا أوابد أثرية ، ولا ملاحم عربية .

لا أتذمر من شيء ، ولا أطمح لشيء !..

أي طعام آكل ..

وأي لباس أرتدي ..

وأي حذاء أنتعل ..

ولأي طائفة أنتمي ..

بأية شروط أقبل ..

على أية ورقة أوقع ..

وحيث يدركني النعاس أنام كالحيوان !!..

لا أخجل من شيء ، لا أحن إلى شيء ، ولا أبالي بشيء” .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى