إمامةُ العاشقين و شهيدة العشقِ الإلهي .. بقلم / د.علي أحمد جديد
هي رابعة العدوية أو كما تُكنّى ( أم الخير ) . اسمها (رابعة بنت اسماعيل العدوّي البَصري) ، ولدت في مدينة البصرة عام 100هـ -717 م ، وقد سُمّيَت برابعة لأنها كانت الابنة الرابعة لوالديها .
اشتهرت رابعة العدوية بأشعارها التي نظمتها في حبِّ اللٰه تعالى وكانت عابدةً ناسكةً لرَبِّها طيلة حياتها ، وزاهدةً لا تطلب سوى رضا الله عنها .
كانت رابعة طفلةً في أسرة فقيرة وفقدت والدها وهي لم تبلغ من عمرها العاشرة بعد . ولحقت به والدتها بعد فترة قصيرة .
عاشت بعد وفاة والديها حياة اليتم هي وأخواتها في سن صغيرة ـ كما عِشنَ حياة الفقر الشديد ، حيث لم يترك لهن والدها سوى قارب ينقل فيه الناس عبر النهر مقابل دراهم معدودة ، ولتُعيل نفسهاوأخواتها امتهنت رابعة مهنة والدها وعملت بالقارب ، وذلك ما سهَّل لأحد اللصوص اختطافها وبيعها لأحد التجار بستة دراهم لتُصبح عبدةً عنده ، لتعيش رابعة العدوية حياة قاسية ومليئة بالعبودية في ظل ذلك التاجر الذي كان يأمرها بالعزف على الناي في مجالس المُجون والسُكر ، إلا أنها كانت تكره ذلك ولا تُطيق سوى عبادة ربِّها ومناجاتها له .
وقد سمعها ذلك التاجر ذات ليلة تدعو ربَّها وتناجيه أن يُخلِّصها من عبودية مالكها ومن القسوة التي تعانيها في خدمته ، فكان ذلك سبباً بتحريرها فوراً من قِبَلِ سيدها الذي هداه الله تعالى بعد أن سمعها وتابَ توبةً نصوحاً . وتلك كانت نقطة التحوّل في حياتها حيث نذرت نفسها لعبادة الله ورفضت الزواج والولد وعاشت عذراء طاهرة طيلة حياتها وحتى مماتها .
عُرِفَت رابعةْ بكونها عابدة وزاهدة ، وكانت تحمل الكثير من المشاعر الجارفة لحُبِّ المولى عَزَّ و جَلّ ، لذلك كانت صاحبة مَذهبِ الحبِّ الإلهي ، وكانت تقول :
” علينا أن نُحبَّ من أحبَّنا أولاً ، وهو الله الذي يحبُّ عبادَه ” .
* * *
قالت رابعة : لو كانت الدنيا لرجلٍ ما كان بها غنيّاً !..
قالوا : لماذا ؟
قالت : لأنها تَفنى !..
* * *
وكانت تُمضي ليلَها وهي تصلي وتناجي ربَّها وتقول :
إلهي أنارت النجوم ، ونامت العيون ، وغَلَّقت الملوك أبوابها
وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك ..
إلهي هذا الليل قد أدبرْ ، وهذا النهار قد أسفرْ ..
فليت شِعري أَقبِلتَ مني ليلتي فأهنَأْ .. أم رددتَها على فأُعَزّى ..
فوَعِزَّتكَ ، هذا دأبي ما أحييتَني وأعنتَني ..
وعِزَّتك ، لو طردتَني عن بابِكَ ما برِحتُ عنه لِما وقعَ في قلبي من محبتكْ .
يا ربّْ ، أَتُحرِقُ بالنار قلباً يحبُّك
ولِساناً يَذكُرُك
وعبداً يخشاك ؟!..
ياربّْ ، سوف أتحمّلُ كل ألمٍ وأصبرُ عليه ، ولكن عذاباً أشدُّ من هذا العذاب يُؤلمُ روحي ، ويُفكِّكُ أوصالَ الصبرِ في نفسي ، مَنشَأُهُ رَيبٌ يدورُ في خَلَدي :
(هل أنت راضٍ عنى) ؟..
تلك هي غايتي .
سيدي بكَ تَقرَّبَ المُتقرِّبونَ في الخُلواتْ ..
ولعظمتكَ سَبَّحَ الحيتانُ في البحارِ الزاخِراتْ ..