منذ أن وَطِئَت أولى اقدام المستوطنين اليهود أرض الشمال الأمريكي بعد أن طردهم الملك البريطاني (ادوارد) من الاراضي البريطانية عام 1620 ونفاهم إلى (الأرض الجديدة – أمريكا الشمالية) هناك ، قررت حكماؤهم (الحاخامات) الالتزام بتطبيق وصايا (التلمود) بحرفيتها ليجعلوا من نفيهم عن الأراضي البريطانية فرصة لبناء امبراطورية جديدة تعيد أمجاد (مملكة داود) ، وسلكوا دروب الحرب للوصول إلى الهيمنة الاقتصادية العالمية بعد مايسمونه (حرب الاستقلال) وطرد المستعمر البريطاني من الشمال الأمريكي الذي بات خالياً من سكانه الأصليين (الهنود الحمر) بعد إبادتهم تماماً . وكانت المشاركة الأمريكية في الحربين العالميتين الأولى والثانية الجسر الأمثل لتحقيق الهيمنة الأمريكية العالمية (عسكرياً واقتصادياً) .
وبعد (فورة الذهب) التي استقطبت المهاجرين الأوربيين نحو الشمال الأمريكي ، والاستحواذ على (ذهب) كل من ألمانيا واليابان المهزومتين في الحرب العالمية الثانية كانت الفرصة ليتحوّل الدولار الأمريكي (العملة الخضراء) إلى مرجع عملات العالم في عقود قليلة منذ “بريتون وودز” وهي المحطة الفاصلة من هيمنة الدولار الأمريكي على سلة العملات العالمية كلها .
وتأتي أهمية الدولار الأمريكي (العملة الخضراء) وفق التوصيف الاقتصادي الشائع ، وقصته التي وُلدت من رحم الحروب بدءاً من (حرب الاستقلال) وطرد الاستعمار الأوروبي ، ثم الحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب التي أنتجت دولة (الولايات المتحدة الأمريكية) ، حتى تحوّل الدولار الأمريكي الأخضر عبر الأزمنة إلى عملة استثنائية في أهميتها مع هيمنتها على غالبية المعاملات التجارية وبما يتجاوز ما نسبته 83% في المائة من دول العالم .
وفي هذه المرحلة التاريخية اليوم تحاول القوى العظمى التخلّص من هيمنة الدولار الأخضر واعتماد تعاملاتها التجارية على العملات المحلية عبر تحالفات اقتصادية (منظمة بريكس) في محاولة إنهاء
“عصر الدولار” في ظلّ الاضطرابات الاقتصادية التي تهزّ العالم ، ومحاولات منافسة القوى الاقتصادية الناشئة (الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا) لها ، وهو الدافع الخفي والأكبر للولايات المتحدة الامريكية على تعزيز مكانة (الدولار الامريكي) ودعمه بوجود الاحتياطي الكبير من الذهب ، الذي تم الاستيلاء عليه من العراق بعد احتلاله ، والعمل على استصدار موافقة هيئة الأمم المتحدة لتطبيق البند السابع من ميثاقها للدخول (الإنساني) إلى السودان بذريعة وقف الحرب بين الجيش السوداني وقوات التدخل السريع
ليتم من خلال ذلك يتم الاستيلاء على الكميات الهائلة من الذهب السوداني لأن السودان من أوائل الدول في انتاج الذهب عالمياً .
ووفق ما هو موثّق في التاريخ الأميركي وعلى موقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لم يكن ظهور الدولار كعملة رسمية بين ليلة وضحاها ، إذ مرّت عملية اعتماده ، برحلة طويلة على مدار أكثر من الحروب عبر عقود من الزمن وعلى امتداد مساحات الدول المتواجدة على ظهر الكرة الأرضية ونهب ثرواتها ومُقدَّرات شعوبها .
وتاريخياً فقد استطاعت وزارة الخزانة الأميركية طبع أوراق الدولار منذ منتصف الحرب الأهلية عام 1862 ، وظهرت العملة بشكلها الأخضر الحالي ، ومنذ ذلك الوقت ظهر الدولارالأمريكي (عالمياً) وبدأت عملية الطباعة التي لاتتوقف ، إذ قدّر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كمية ما طُبع في نهاية الحرب الأهلية الأميركية بنحو461 مليون دولاراً ، وشرَّع الكونغرس تجريم كل من يرفض التعامل به .
وبقدر صعوبة ظهور الدولار إلى العلن ، كانت رحلة صعوده على رأس النظام الاقتصادي العالمي على مدار العقود الأولى للقرن العشرين . إذ لم يكن الدولار عملة مغطّاة بالذهب (ما يعني عدم القدرة على استبدال العملة الورقية بالذهب) ، وشهد الاقتصاد الأميركي موجة كبيرة من التضخم عام 1879 ، خسر خلالها الدولار جزءاً كبيراً من قيمته ، ليأتي قرار تغطيته بالذهب عاملاً أساسياً في خفّض التضخّم وإنعاش الاقتصاد . وتلت أزمة التضخم الأمريكي بعد
خمسة عقود موجة كساد لم يشهدها الاقتصاد الأميركي من قبل وسُمّيت بـ”الكساد العظيم” عام 1929 التي استمرت لسنوات ، دفعت معها الرئيس الأميركي (فرانكلين روزفلت) إلى إلغاء تغطية الدولار بالذهب عام 1933، قبل أن يعود عن قراره في العام اللاحق مع تعديل نسبي لسعر الدولار ، واستمرت هذه الحال إلى أن قادت الولايات المتحدة الأمريكية الجهود الدولية لتوقيع اتفاقية مؤتمر “بريتون وودز” عام 1944 الذي عُقد في ولاية نيو هامبشير وحضرته 44 دولة من حول العالم ، واستمر لأكثر من 22 يوماً ، وكانت تلك النقطة هي المحطة الفاصلة في الاقتصاد الدولي والأميركي وإنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، ونشأت المؤسسات المالية الدولية لدعم هيمنة الدولار الأمريكي ، وعلى رأسها “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” ، لتكون تلك المحطة “البداية الفعلية لهيمنة الدولار الأمريكي عالمياً على مجمل الاقتصادات الدولية ، وتحوّله من عملة محلية إلى عملة عالمية تربّعت على عرش المعاملات التجارية بين الدول في النظام العالمي الجديد ما بعد “بريتون وودز” ، جاءت فيه الولايات المتحدة وعملتها الخضراء على رأسه .
ووفقاً لمخرجات “بريتون وودز” ، نُظّمَت التجارة العالمية الدولية واتُّفِق على تطبيق بعض الشروط والقيود عليها ، كان أبرزها اعتماد الدولار الأميركي كمرجع رئيس في تحديد سعر عملات الدول الأخرى على مستوى العالم كله ، وتم تأسيس مَصدَرين ماليين رئيسين بأموال يهود أمريكيين (روكفلر وروتشيلد ومورغان) وهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (للتطوير والتعمير) كذراع أمريكية مهيمنة على اقتصادات الدول ، وعليه صارت الدول الـ44 تستند إلى الدولار الأميركي في تحديد قيمة عملاتها دولياً .
في هذه الأثناء أيضاً كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك 75% من ذهب العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد استيلائها على الذهب الألماني والياباني ، وصار الدولار العملة الوحيدة على مستوى العالم المغطّاة بالذهب لأن بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضخّمات في اقتصاداتها نتيجة خطط المضاربات الأمريكية في الأسواق العالمية ، ما دفع عدداً كبيراً من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأميركية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلاً كاحتياطي اقتصادي مهم ، وصارت بلدان عدّة تستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي ، إذ وافقت الدول الأعضاء بين عامَيْ 1945 و1971 على المحافظة على أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار في وقت كانت أوقية الذهب حينها تساوي 32 دولاراً فقط . وذلك حسب نظام “بريتون وودز” . وقد استمر حتى العام 1971 عندما قرّرت الحكومة الأميركية وقف تحويل الدولار واحتياطيات الدول الأخرى من الدولار إلى ذهب . ومنذ ذلك الحين ظلّت الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي حرة في اختيار أي نظام لتسعير عملتها مقابل العملات الأخرى ، عدا اللجوء إلى الذهب وبات الدولار الأميركي يستمدّ قوته من حجم الإقبال على شرائه لاستخدامه كعملة احتياطية أو لتسديد أثمان التجارة الدولية وباتت أسعار البضائع تُسعّر بالدولار الأمريكي حصراً . وبسبب كبر حجم السوق الأميركية كشريك تجاري باتت دول كثيرة تشتري الدولار أو تحتفظ به لتسديد ديونها للولايات المتحدة كما أن دولاً عدّة تحتفظ به احتياطياً إضافياً إلى الذهب الموجود في خزائنها .
وفي ظلّ التململ الدولي والعالمي من الهيمنة الاقتصادية الأميركية وبزوغ قوى اقتصادية أخرى اليوم ، كالصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب افريقيا مع دول أوروبية تسعى للتحرر من الدولار كالمملكة المتحدة ، فضلاً عن استمرار الاضطرابات والتقلّبات الاقتصادية التي يشهدها العالم (مثل الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 والأزمة المالية العالمية 2008) ، مع انتشار مفاهيم “حرب العملات و الحروب التجارية” و”حروب الطاقة” وصولاً إلى عالم ما بعد نشر الوباء العالمي (كورونا) بهدف إحداث أعنف الأزمات الاقتصادية شدّة في العصر الحديث . وبحسب توصيف التقارير الدولية ، باتت تتباين آراء المعنيين والمتخصّصين بشأن قدرة الدولار الأميركي على استمرار هيمنته على الاقتصاد العالمي ، وما إذا كانت رحلة صعوده قد أوشكت على الانتهاء رغم لهاث الولايات المتحدة الأمريكية على إشعال الحروب المُدمِّرة (اوكرانيا – السودان – غزّة) والدفع إلى عدم إيقافها كي تحصد المزيد من مبيعات السلاح بالدولار الأمريكي والاستحواذ على الذهب العالمي عبر الاستيلاء عليه دعماً لهيمنة عملتها العالمية .
موسوعة سياسية بالغة الأهمية .. الغرب منذ الأزل في تخبط مستمر..