حرب 48 كانت ملهمة.. فلسطين فى السينما المصرية
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهزيمة دول المحور بقيادة ألمانيا النازية، أقام النظام العالمى الجديد هيئة دولية بعنوان الأمم المتحدة، مهمتها إدارة الصراعات وحل النزاعات بين الدول المتحاربة، لكن سرعان ما أصدرت قرار تقسيم فلسطين، الذى أجحف حق الشعب الفلسطينى، حيث أعطى لدولة إسرائيل 56 % من أراضى فلسطين التى لا حق لهم فيها من الأساس، وهو ما رفضه القادة العرب فى ذلك الوقت، وأسفر عن اندلاع حرب عام 1948 بين العرب والكيان الصهيوني، واستمر الصراع حتى وقتنا هذا مروراً بالعدوان الثلاثى على مصر ثم حرب 1967 وبعدها انتصار أكتوبر التاريخى عام 1973 الذى قضى على أسطورة الجيش الذى لا يقهر، التى تغنى بها الإسرائيليون كثيرا، إلى أن وصلنا لحرب غزة الحالية، خلال تلك الفترة الطويلة لم تكن السينما المصرية بعيدة عن القضية الفلسطينية، بل ناقشتها بأشكال مختلفة فى أفلام عديدة، سنعرضها فى التقرير التالي.
عقب اندلاع الحرب فى شهر مايو 1948، كان المجتمع المصرى بأكمله يتابع الأخبار التى تأتى من الجبهة فى الأراضى الفلسطينية، وكانت السينما فى ذلك الوقت فى أوج نشاطها، لذلك لم تكن بعيدة عن الأحداث، وحاولت أن تصنع أفلاماً تشحن بها الهمم، وتظهر القضية الفلسطينية على الساحة، وتركز على أنها قضية كل العرب، وخلال النصف الأخير من عام 1948 قدم المخرج محمود ذو الفقار فيلماً من بطولته، بعنوان «فتاة من فلسطين» شاركته البطولة المطربة سعاد محمد وحسن فايق وصلاح نظمي، زينب صدقى ، الفيلم من تأليف يوسف جوهر.
يحكى الفيلم قصة ضابط طيار مصرى، يستبسل فى الدفاع عن الأرض الفلسطينية ضد العدو الإسرائيلي، وتحدث غارة جوية فتسقط طائرته فى قرية فلسطينية، وتعثر عليه سلمى الفلسطينية مصابًا فى قدمه، فتستضيفه فى منزلها وتعمل على علاج جراحه، ثم نكتشف أن منزل سلمى، هو فى الأصل مركز للسلاح الذى تزود به الفدائيين، ويعجب الطيار المصرى بالفتاة سلمى وشجاعتها حتى يتبادلا الحب.
أرض الأبطال
خلال فترة الخمسينيات قدمت السينما المصرية العديد من الأعمال عن حرب فلسطين، ففى عام 1953 كتب الصحفى الشاب فى ذلك الوقت، إحسان عبد القدوس سلسلة مقالات عن الأسلحة الفاسدة، التى أضرت بالجيش المصرى فى حرب فلسطين، هذه المقالات ألهمت المخرج نيازى مصطفى الذى نسج منها قصة وأخرجها بعنوان «أرض الأبطال»، لعب بطولته جمال فارس وكوكا ولولا صدقى وصلاح نظمى وعباس فارس وعمر الجيزاوي.
يحكى الفيلم قصة أحد الشباب، الذى يصدم عندما يعرف أن والده الثرى، قرر أن يتزوج الفتاة التى يحبها هو، فيقرر التطوع فى الجيش ويشترك فى حرب فلسطين، وفى مدينة غزة يلتقى بفتاةٍ فلسطينية، ويقع فى غرامها ويقرران الزواج، فيقوم الأب بتوريد أسلحة فاسدة إلى الجيش، وتكون هذه الصفقة سبباً فى فقدان الابن لبصره من خلال إحدى العمليات الفدائية التى يشارك بها.
الله معنا
ومن أوائل الأفلام التى رصدت الصراع العربى – الإسرائيلى كان فيلم «الله معنا»، الذى يحكى عن الضابط عماد، الذى يتم استدعاؤه للمشاركة فى حرب فلسطين بعد أن يودع خطيبته «ابنة عمه» التاجر الثرى، ويصاب عماد أثناء الحرب وتبتر ذراعه، ويعود مع عدد من الجرحى والمشوهين، وهو ما يؤدى إلى حركة تذمر بين رجال الجيش، ويتردد كلام أن هناك أشخاصا وراء توريد الأسلحة الفاسدة للجيش منهم عمه والد خطيبته، وعقب انتهاء الحرب تتكون مجموعة من الضابط الأحرار الذين أخذوا عهداً على أنفسهم بالانتقام لوطنهم وكذلك تصفية الخونة فى الداخل.
الفيلم بطولة عماد حمدى وفاتن حمامة ومحمود المليجى، سيناريو وحوار وإخراج أحمد بدرخان.
أرض السلام
من الأفلام التى ناقشت القضية الفلسطينية خلال فترة الخمسينيات، هو فيلم «أرض السلام» بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف وفايدة كامل وعبد السلام النابلسى وعبد الوارث عسر، تأليف حلمى حليم وسيناريو وحوار على الزرقانى، ومن إخراج كمال الشيخ.
ويحكى الفيلم عن فدائى مصرى يختفى أثناء إحدى العمليات داخل قرية فلسطينية تتعاون معه سلمى، إحدى فتيات القرية، يصور الفيلم معارك وبطولات الفدائيين من أجل تحرير فلسطين، والصعوبات العديدة التى يلاقونها من نسف خزانات الوقود، وبعد انتهاء أى عملية يعود أحمد مع سلمى دون أن يتمكن الإسرائيليون منهما،وتنمو بين أحمد الفدائى المصرى وسلمى الفتاة الفلسطينية علاقة صداقة ثم حب.
رد قلبي
فى منتصف الخمسينيات، قدم المخرج عز الدين ذو الفقار فيلماً بعنوان «رد قلبي» عن قصة يوسف السباعى، وبطولة شكرى سرحان وأحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ومريم فخر الدين، وحسين رياض وكمال يس ورشدى أباظة، الفيلم يحكى عن حال المجتمع المصرى خلال فترة الثلاثينيات والأربعينيات مع بداية دخول الطبقة الوسطى للكلية الحربية، ثم حرب فلسطين، التى كانت النواة الأولى عند العودة، لتكوين تنظيم الضباط الأحرار الذى قام بعد ذلك بثورة 23 يوليو 1952، وأحدثت تأثيراً كبيراً فى المنطقة العربية.
القدس عربية
مع مطلع الستينيات من القرن الماضى، قدم المخرج العالمى يوسف شاهين فيلماً بعنوان «الناصر صلاح الدين» لعب بطولته النجم الكبير أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ونادية لطفى وحمدى غيث، وليلى فوزى وليلى طاهر وأحمد لكسر.. الفيلم شارك فى تأليفه يوسف السباعى وعبد الرحمن الشرقاوى ونجيب محفوظ.
الفيلم يحكى قصة الصراع بين العرب والغرب على أرض فلسطين من قديم الزمن، خصوصا على مدينة القدس، لكن بعد الانتصار التاريخى، يؤكد صلاح الدين لـلملك ريتشارد قلب الأسد أن القدس عربية، وستظل عربية, فى إشارة واضحة أن أرض فلسطين هى القضية الأساسية لكل العالم العربى ولن يتم التنازل عنها مطلقاً.
انتصار أكتوبر
خلال الفترة من عام 67 حتى نهاية الثمانينيات، قدمت السينما المصرية العديد من الأفلام عن حرب الاستنزاف وانتصار أكتوبر العظيم ، ولم تنس تلك الأفلام الإشارة إلى القضية الفلسطينية، وأن فلسطين هى قضية العرب وليست قضية لاجئين، كما حاولت إسرائيل أن تصورهم.
ناجى العلي
خلال مطلع التسعينيات تحمس النجم نور الشريف، لتجسيد شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطينى «ناجى العلي» وبالفعل أنتج نور الشريف الفيلم، ولعب بطولته مع ليلى جبر ومحمود الجندى وأحمد الزين وتقلا شمعون، سيناريو وحوار بشير الديك، ومن إخراج عاطف الطيب.
ويأخذنا الفيلم من بداية تهجير الفلسطينيين عن أرضهم عام 48، وخروجهم من ديارهم واستيطانهم فى المخيمات داخل بعض الدول العربية المجاورة، ويرصد الأحداث من خلال عيون الطفل ناجى العلى، الذى أصبح بعد ذلك أحد أشهر رسامى الكاريكاتير السياسي، الذى هزت رسوماته الحكومات الإسرائيلية المتتالية، التى طالبت برأسه، وقد اختار ناجى العلى شخصية، حنظلة الذى يطل بظهره من خلال الصور لكن الكلمات التى تكتب تحت الصورة، كانت لاذعة وتحكى قصة الصعوبات التى تواجه الشعب الفلسطينى داخلياً وخارجياً.
مهمة فى تل أبيب
قدمت الفنانة نادية الجندى فى بداية التسعينيات فيلماً بعنوان «مهمة فى تل أبيب»، تأليف بشير الديك ومن إخراج نادر جلال، شاركها البطولة كمال الشناوى وسعيد عبد الغنى ومحمد مختار ويوسف فوزى وحسن حسين.
الفيلم يحكى عن قصة جاسوسة تعمل لصالح الموساد، لكنها فى لحظة تأنيب ضمير تقرر الذهاب للمخابرات المصرية، وتعترف بما فعلته فتطلب منها المخابرات المصرية العمل معها كعميل مزدوج وتكلفها بالحصول على بعض المستندات، وتصوير شريط عليه أنواع السلاح والخطط الإستراتيجية الإسرائيلية، لتساعدها فى التحضير للحرب، وبرغم أن القصة تركز على الصراع والحرب بين مصر وإسرائيل، فإن السيناريو تطرق فى جزء منه لحياة الفلسطينيين داخل الأراضى المحتلة والمأساة التى يعيشونها.
الطريق إلى إيلات
عام 94 أنتج التليفزيون المصرى أضخم فيلم حربى فى ذلك الوقت، وجاء بعنوان «الطريق إلى إيلات» الفيلم بطولة عزت العلايلى ونبيل الحلفاوى، وصلاح ذو الفقار ومادلين طبر ومحمد سعد ومحمد عبد الجواد وعلاء مرسى وطارق النهري.
الفيلم مأخوذ عن ملحمة حقيقية للضفادع البشرية المصرية، الذين استطاعوا تدمير مدمرتين إسرائيليتين»بيت شيفع وبيت يم» داخل ميناء إيلات الذى تسيطر عليه قوات الاحتلال الإسرائيلى داخل الأراضى المحتلة، وقد أحدثت تلك العملية دوياً هائلاً فى ذلك الوقت، ورغم أن الفيلم يبرز بطولات الضفادع البشرية المصرية، فإنه قدم نموذجاً للمرأة الفلسطينية المناضلة من خلال الشخصية التى جسدتها الفنانة مادلين طبر، وجهود تلك الشخصية فى التعرف على وجود الشباك التى يضعها الكيان الصهيونى تحت سطح مياه الميناء، لمنع دخول أى شخص فى هذه المنطقة، وبرغم ذلك استطاع أبطال البحرية المصرية دخول الميناء أكثر من مرة وقاموا بالعملية على أكمل وجه.
صعيدى فى الجامعة الأمريكية
خلال النصف الأخير من التسعينيات ظهرت على الساحة السينمائية موجة جديدة أطلق عليها «المضحكين الجدد»، تزعم تلك الموجة شباب جديد على رأسهم محمد هنيدى وعلاء ولى الدين، وكريم عبد العزيز وأحمد حلمى وغيرهم، ومن خلال بطولته الأولى قدم محمد هنيدى فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، الذى ناقش فى جزء منه تضامن الشباب المصرى مع القضية الفلسطينية، وإحراق العلم الإسرائيلى داخل الأحداث.
الصراع الأزلي
فى مطلع الألفية الجديدة قدم الفنان محمد هنيدى مع أحمد السقا والمخرج سعيد حامد فيلماً بعنوان «همام فى أمستردام» ورغم أن الفيلم يحكى قصة شاب مصرى يذهب إلى أوروبا لطلب الرزق، فإن السيناريو لم ينس الصراع العربى – الإسرائيلى على أرض فلسطين، من خلال شخصية «يودا» الشخص الصهيونى الذى يحاول أن يحارب همام بكل الأشكال، لكن مشهد النهاية جاء رمزاً للاتحاد العربى ضد ممثل هذا الكيان الصهيونى والانتصار عليه.
أصحاب ولا بيزنس؟
مع وجود الموجة الجديدة فى السينما المصرية، قدم المخرج على إدريس مع المؤلف مدحت العدل فيلماً بعنوان «أصحاب ولا بيزنس» بطولة مصطفى قمر وهانى سلامة ونور وموناليزا وطارق عبد العزيز وعمرو واكد.
الفيلم يناقش قصة التنافس فى العمل بين اثنين من المذيعين الشباب اللذين يعملان فى مجال البرامج الترفيهية وتضطرهما ظروف التنافس على الإعلانات والسبق الإعلامى إلى الذهاب للأراضى الفلسطينية للتصوير هناك، وعندما يصلان تندلع الانتفاضة الفلسطينية ويجدان أنفسهما جزءا من هذا الصراع، الفيلم أظهر للجمهور الصعوبات التى يواجهها أهل فلسطين من جراء الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك العمليات الفدائية التى يقوم بها أبناء الشعب والوقوف على أسبابها، الفيلم صور بعض المشاهد داخل الأراضى الفلسطينية وحتى المظاهرات كانت حقيقية وليست مصنوعة.
باب الشمس
عن رواية الكاتب الكبير إلياس خورى، قدم المخرج يسرى نصر الله تحفته السينمائية «باب الشمس» على جزأين الرحيل والعودة، حيث ناقش الفيلم مأساة الشعب الفلسطينى منذ التهجير عام 48 وحتى بعد اتفاقية أوسلو 93 ، وخلال 45 سنة هى مدة الزمن الذى تغطيه الرواية، استطاع الفيلم أن يقترب جداً من حياة أبناء الشعب الفلسطينى والمأساة التى يعيشها والنضال والثمن اللذين يدفعانه من جراء الاحتلال الصهيونى للأراضى الفلسطينية، والتغيرات التى ألمت بالقضية، خصوصا فى العشرين سنة الأخيرة قبل أوسلو.
ولاد العم
عن قصة الصراع العربى – الإسرائيلى قدم المخرج شريف عرفة فيلماً بعنوان «ولاد العم» بطولة كريم عبد العزيز ومنى زكى وشريف منير وانتصار وكندة علوش، الفيلم من تأليف عمرو سمير عاطف.
الفيلم قدم طرحا جديدا لقضية الصراع العربى – الإسرائيلى بشكل عصرى على الصعيدين الإنسانى والسياسى، من خلال الدراما المطروحة، التى تركزت أحداثها حول شخصياته الثلاث الرئيسية، فوضعت الشخصيات المصرية فى مواجهة إنسانية وسياسية وعقائدية ومعيشية مع مجتمع إسرائيلى يعرض بالكامل بكل أنماطه سواء فى المعيشة الداخلية أم الخارجية مع المجتمع الصهيوني، ومن خلال هذه الشخصيات تطورت الأحداث وتشكل الصراع, كما تطرق السيناريو إلى القضية الفلسطينية من خلال شخصية «كندة علوش» الفدائية الفلسطينية التى تريد الأخذ بثأر أسرتها، وكذلك لفت السيناريو النظر إلى أوضاع الفلسطينيين فى ظل بناء الجدار الفاصل.