د / على أحمد جديد يكتب / الوجه الآخر للأديب الإنسان غسان كنفانى

د / على أحمد جديد يكتب / الوجه الآخر للأديب الإنسان غسان كنفانى 
“المناضل الفلسطيني والعاشق” .
في عيون زوجته و ابنه ..
                     
 إن أكثر المعروف عن الروائي والصحفي الفلسطيني “غسان كنفاني” الذى استشهد بانفجار عبوة ناسفة في سيارته يوم السبت الثامن من تموز/يوليو عام 1972 بأنه المناضل الذي دفع عمره ثمناً للقضية التي عاش واستشهد من أجلها ، والعاشق اليائس الذى أحب بكل الحب و من أجل الحب في قصته المعروفة والمثبتة في رسائله للأديبة (غادة السمان) . ولم يلتفت الكثيرون إلى الوجوه الأساسية والإنسانية في حياة وشخصية هذا المناضل العاشق لأسرته ولا للزوج المخلص أو الأب الذى تقول عنه زوجته بأنه “أحب طفليه حتى العبادة” .
وليس هو ذلك الجانب الوحيد الذي تذكره عنه زوجته ، ولكنها تسرد أول ما قاله لها وهو يطلبها للزواج :
“هل تتزوجينني؟.. أنا فلسطيني فقير لا مال عندي ولا هوية . أعمل فى السياسة ولا أمان لك . وأنا مصاب بالسكرى” .
وكان هذا أغرب طلب للزواج ألقاه “غسان كنفانى” على مسامع الدنماركية “آني هوفمن” فقط بعد أسبوعين من لقائهما فى بيروت ، لتبدأ حياتهما معاً منذ العام 1961 وحتى استشهاده عام 1972 والتي أثمرت طفلين اثنين “فايز و ليلى” .
وكانت “آني” قبل لقائها مع “غسان” مُدرِّسَة دانماركية ، وابنة مناضل قديم ضد النازية ، وقد قررت أن تذهب إلى بيروت وفلسطين ودمشق والقاهرة من أجل مساعدة اللاجئين بعد أن قرأت عن القضية الفلسطينية . لتلتقي “غسان” فى بيروت حاملة خطاب توصية من أصدقائه كي يساعدها على دخول المخيمات الفلسطينية . 
وفوجئت بأنه يعرض عليها الزواج بعد أسبوعين من تعارفهما ، فوافقت على الفور وتزوجا في تشرين الثاني/نوفمبر 1961 وأنجبا ابنهما الأول “فايز” فى العام التالي .
وفي حوار صحفي معها قالت “آني” عن حياتهما الزوجية إنها “استندت إلى الثقة ، والاحترام ، وتأسست على الحب ، ولهذا ، كانت حياتهما على الدوام مهمة ، جميلة ، وقوية” .
وعن طبيعة العلاقة بين زوجين من خلفيتين ثقافيتين مختلفتين ، إذ أنه رجل شرقي بكل ماتعنيه الكلمة ، وهى امرأة غربية متحررة وابنة مناضل قديم ومعروف ، قالت :
“كان يقول لي لكِ حريتك بشرط ألا تؤذي مشاعري ولي حريتي شرط ألا أؤذي مشاعرك” .
وكان هذا العهد مقدَّساً عندنا نحن الاثنين والتزمنا به .  
“كان غسان يحب طفليه حتى العبادة وعلى قِصر الزمن الذي قضاه معنا ، فقد كان يلعب معهما مراراً ويعلمهما أشياء كثيرة … ولقلما فقد أعصابه ، ولم يضربهما قط … واتسع سروره برفقتهما ليشمل أصدقاءهما ، وغالباً ما قادهم جميعاً فى سيارته إلى السينما أو شاركهم ألعابهم فى منزلنا” .
وحين اغتيل “غسان” كان طفله الأكبر “فايز” فى العاشرة من عمره ، والذي كتب عنه “فايز” يوماً رسالة منشورة في الموقع الرسمى الذي يحمل اسم أبيه “غسان كنفانى” يرسم فيها بدقة ملامح العلاقة بينهما حيث كتب ابنه “فايز” : 
“حين كنت صغيراً ، كان أبي يأخذني إلى جريدة ( المحرر )، فيجلسني على كرسيه ويطلب مني أن أرسم بعض الصور . وحين انتقل إلى ( الأنوار ) ، كنت أذهب معه كذلك . ثم انتقل إلى ( الهدف ) وأخذنى معه برفقة اختي ليلى ، لنلتقي بزملائه هناك . كان أبى رجلاً طيباً . وكان يشتري لي كل ما أرغب به ، و ما زلت أحبه، رغم أنه قد مات . 
لقد وجدت صعوبة فى تعلّم اللغة العربية ، لكنه علّمني أشياء كثيرة . وهكذا صار بإمكاني قراءة جميع المقالات المكتوبة عنه . أحببته وأفخر أن يكون لي أبٌ مثله ، لأنه كان كثير الذكاء ، ولأن الناس أحبوه ومازالوا يحبونه . 
فى الدانمارك ، كنا أنا و”ليلى” نشتاق إليه كثيراً ، وقد سألنا أمَّنا أن تعيدَنا إليه . وحين عدنا ، كنا نراه يعمل فى (الجنينة) كما كان كل يوم أحد ، يزرع الأزهار بيدين ناعمتين . وكنا أحياناً نعمل معاً فى (الجنينة) . وحين يشتد الحرّ كنا ننزع قمصاننا . وبعد العمل كان غالباً ما يعلّمني كيف أستخدم المسدس الصغير الذى اشتراه لي . ولَكَمْ أحببت مشاهدة التلفزيون معه . 
عندما أكبر أريد أن أكون مثل أبي ، وسأحارب لكي أعود إلى فلسطين وطن أبي ، وإلى الأرض التي حدثني هو عنها وحدثتني “أم سعد” كثيراً عنها . 
من الآن وصاعداً سأساعد أمي وأختي مساعدة عظيمة من أجل ألا تشتاقا إليه كثيراً . لكننا جمعينا لن ننساه أبداً” .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى