شعر و أدب

الرحيل معاً قصة قصيرة … بقلم – ناصر درويش

الرحيل معاً قصة قصيرة … بقلم – ناصر درويش

حبلى في شهرها الأخير .! قالوا لها ستنجبين طفلا جميلا .. بكت بحرارة .. نظرت اليها الطبيبة والدموع تكاد ان تنزف من مقلتيها ..! سيدتي لا تبكي .. امسحي الدمع فان الأم في فلسطين .. تحمل ولدها مرتين .. في الحمل .. وحين يستشهد .. فابتسمت ثم قالت .. بكيت لانه سيسبقني إلى جنة الفردوس وتمنيت أن نكون سوياً..

أنجبت الأم وليدها خالد .. وحين كبر قليلا ..! لا عفوا حين اقترب من آخر الرضعات .. حدّق في وجه أمه كأنه يريد ان يقول لها .. لقد استجاب الله منك ذاك الرجاء .. أن تكوني معي فلا أسبقك إلى جنة الله .. فان الأرض ما عادت تتسع لنا .. وبين تلك النظرة الأخيرة .. وابتسامة أمه الحرة .. أسرعت لتضع على رأسها حجابها وتغطي جسدها .. فقد علمت بأن موعد الرحلة اقرب من الانتظار .. احتضنته طويلا .. قالت لا تخف يا روح أمك .. سيعرفون اسمك ومن تكون .. كتبت حكايتنا على فخذك وكف يدك .. وبعد اقل من لحظة .. يبدأ البحث تحت ركام المنزل المتواضع .. يبكي خالد لآخر مرة .. لا من وجعه الذي فتك بجسده الصغير … بل لأن حجرا سقط على رأس امه فحرك حجابها .. فبانت خصلة من شعر رأسها 

توقف البكاء .. سكت خالد .. ابتسم خالد .. فقد همس في أذنيه صوت لا يشبه صوت اهل الارض .. قال له اهدأ .. شعر امك شرف يشبه فلسطين .. وجسدها الممزق يعيد بناء تاريخ عقيم .. لتصنع قطرات المسك النازفة من جسدها الطاهر تاريخاً مشرفاً .. صنعته الحرائر وسواعد الأبطال الذين رغم غدر الجميع بهم .. ما باعوا كرامتهم وما وهنت عزائمهم 

نم قرير العين يا خالد .. فأمك ستكمل إرضاعك في جنات وعيون .. ونعيم مقيم ….!

عن وجع وطن ينزف أتحدث 

عن طفولة ظلمتها جدران الغدر 

عن أوجاع الرجال المقهورين 

وعن الصمت الرهيب خارج تلك الحدود 

عن سقوط كل شيء 

البشر 

الشجر 

الحجر 

والكرامة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى