د.علي أحمد جديد يكتب / فيلسوف التصوف في الفكر الإسلامي ..” السهروردي المقتول”

د.علي أحمد جديد يكتب / فيلسوف التصوف في الفكر الإسلامي ..” السهروردي المقتول”
“السهروردي المقتول” هو أبو الفتوح يحيى بن حبش الحكيم ، وله أكثر من لقب مثل (شهاب الدين السهروردي وشيخ الإشراق والسهروردي المقتول) .
ولدَ في عام 1154م .
ويرجع في أصله إلى بلاد فارس ، وقيل هو يحيى بن حبش بن أميرك ، وقيل أيضاً ان اسمه أحمد ، ورأى آخرون أنَّ اسمه وكنيته هي أبو الفتوح . وقد ذكر (أحمد بن أبي أصيبعة الخزرجي) في كتاب طبقات الأطباء أنَّ اسمه (عمر) وبالتأكيد انه كان يقصد شيخ الصوفية البغدادية ( شهاب الدين أبو حفص عمر السهروردي البغدادي الشافعي) الذي توفي في بغداد ، بينما أنَّ (يحيى بن حبش الحكيم السهروردي) توفي في حلب الشهباء ، وهو مدفون في باب الفرج . وأُطلِقت عليه العديد من الألقاب منها :
(المُؤيَّد بالملكوت ، والشهيد ، والشيخ المقتول .. وخالق البرايا) وغيرها .
كان (السهروردي المقتول) أحد علماء عصره في القرن الثاني عشر الميلادي ، درس أصول الفقه والحكمة على يد الشيخ (مجد الدين الجيلي) في مدينة “مراغة” في أذربيجان ، والشيخ (مجد الدين هو نفسه شيخ الطبيب المعروف فخر الدين الرازي) وقد تخرّج على يديه وانتفع بصحبته ، وجاء في كتاب “طبقات الأطباء” أنَّ أبا الفتوح السهروردي كان من أبرع أهل زمانه في العلوم الحكمية ، أي (الفلسفة) ، كما كان بارعاً في أصول الفقه والحديث ، ومفرط الذكاء ، وفصيح العبارة ، بليغ اللسان .
أُطلِق عليه لقب (السهروردي) لأنَّ أصله من بلدة (سهرورد) التي هي إحدى البلدات القريبة من مدينة (زنجان) في بلاد فارس ، وكانت تسميته (السهروردي المقتول) تمييزاً له عن اثنين من أعلام التصوفية هما : الإمام (شهاب الدين عمر السهروردي البغدادي) صاحب كتاب “عوارف المعارف” وصاحب كتاب (الطريقة السهروردية) ، والثاني هو عمُّ السهروردي الأول (أبو النجيب السهروردي) .
كان (السهروري المقتول) كثير التنقل والسفر بين البلدان ، وقد قُتل وهو في ريعان شبابه وفي قمة عطائه ، لذلك لم تسنح له الفرصة في تأسيس قاعدة عريضة من التلامذة والتابعين ، إلا أنَّه حظيَ بعدد من المحبين والأنصار في حياته ، ومن أبرز تلامذته الفيلسوف والمفكر (شمس الدين محمد الشهرزوري) ، الذي قام بتأليف وشرح كتاب (حكمة الإشراق) للسهروردي .
كان (السهروردي المقتول) عميق المعرفة بالفلسفة الأفلاطونية والأفلاطونية المحدثة ، والمشائية ، وبالحكمة الفارسية وبمذاهب الصابئة المختلفة ، وبالفلسفة الهرمسية . وكان يذكر (هرمس) كثيراً في كتاباته ، ويعدُّه من رؤوس (فكر الإشراقية) . ويرى (كوبان) أنَّ هناك ثلاثة اتجاهات أو وجوه في فلسفة (السهروردي المقتول) الإشراقية هي :
” هرمس ، وأفلاطون ، وزرادشت” لأنَّ فلسفة (السهروردي المقتول) تدل على تقديم فلسفة متكاملة تتضمَّن الأركان الثلاثة :
( الله ، والكون ، والإنسان) .
و(للسهروردي المقتول) أيضاً نظريته الخاصة في الوجود التي يعبِّر عنها بلغته الرمزية ، والقائمة بناء على “نظرية الفيض” ، ولكنها تختلف عن نظرية “وحدة الوجود” التصوفية المعروفة ، لأنه يعدّد العوالم الفائضة من الله تعالى(نور الأنوار) والذي يشبه الشمس دون أن يفقد من نوره شيئاً رغم إشعاعه ، والتي حدَّدها في ثلاثة عوالم هي :
(عالم النفوس ، عالم العقول ، وعالم الأجساد) .
وقد ترك السهروردي العديد من المؤلفات التي تعبِّر عن فلسفته وتعرض أفكاره ومنها :
* – كتاب (حكمة الإشراق)
الذي نُشر عام 1186م ، وهو من أهم كتب (السهروردي المقتول) ، وفيه يضع منهجاً بديلاً للواقع الذي يشكّك بالماورائيات “الميتافيزيقيا” وأُطُرِها ، وبنظرية (ابن سينا) التي كان قد نشأ عليها ، حيثُ يتصوّر أن الاعتماد على البصيرة هو مايؤدي إلى إدراك عالَمٍ منفصل عن الصور المتاحة للأبصار ، عالَمٍ حيوي بإشعاعاتٍ متعددة ، لأن النفس البشرية بحدِّ ذاتها مادة مضيئة .
ويعد اكتشاف “العلم الإشراقي” أحد أهمّ إسهامات (السهروردي المقتول) في تاريخ فلسفة الفكر الإسلامي ، ومن المرجّح انه كان السبب الاساس في مقتله .
* – كتاب (المشارع والمطارحات) :
ويطرح فيه تصوره الفلسفي والصوفي عن العوالم الأخرى ، من خلال العلوم الثلاثية – كما أطلَق عليها – وفيه يشير إلى أنَّ أول الشروع في (الحكمة) هو الانسلاخ عن الدنيا ، وأوسطها (إبصار الأنوار الإلهية) ، أما آخرها فهو (الشروع في الحكمة) وهو ماليس له آخر أبداً .
* – كتاب (هياكل النور) :
حيث يقسِّم (السهروردي المقتول) الكتاب إلى عدة هياكل ، منها ما يتحدث عن الجسم ، ويرى فيه أنَّ كل ما يُشار إليه بالحس هو جسم ، ومشكلة وجود النفس وقوتها وتحررها ، لأن الإنسان لا يمكن أن يغفل عن ذاته (النفس) ، ولكنه قد يغفل عن جسمه أو عن جزء من أجزائه .
* – كتاب (التلويحات اللوحية والعرشية) :
وفيه يجمع بين (الكشف الروحاني الصوفي) وبين (الحكمة العقلية) ، ويحتوي على مزيج غريب من ميتافيزيقا ما وراء الطبيعة ، ومن التصوف الفارسي ، ومعهما العديد من المبادئ المتعلقة بالعلوم الفلسفية بصورة عامة .
كتاب (التنقيحات في أصول الفقه) :
ويتناول فيه العديد من المواضيع الفقهية .
وقد كتبوا عن موت (السهروردي المقتول) أنَّ (فقهاء حلب) حنقوا من (السهروردي المقتول) وحقدوا عليه أيام حكم (صلاح الدين الأيوبي) ، وكان ابنه (الظاهر بن صلاح الدين) والياً على حلب في تلك الفترة . ورغم أنَّ (السهروردي المقتول) كانت له الحظوة العلمية عند (الظاهر بن صلاح الدين) لكنَّ الفقهاء وَشوا به عنده ، واتَّهموه بالزندقة وبانحلال الدين ، وأصدروا كتاباً يفتون فيه بقتله ، وأرسلوا الكتاب إلى (صلاح الدين الأيوبي) ليوقع عليه ، لأنّه قد يؤذي ابنه ويقوده إلى الضلالة ، فأرسل (صلاح الدين) إلى ابنه (الظاهر) يأمره أن يقتله ، وقيلَ أنَّ (الظاهر) قد خَيّرَ (السهروردي) في طريقة الموت ، فاختار أن يموت جوعاً ، فحبسه في قلعة حلب ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات في حلب حسب أرجح الأقوال ، وكان ذلك عام 1192م .
لكن الحقيقة التي لم يذكروها خشية على أنفسهم من غضبة السلطان (صلاح الدين الأيوبي) ، هي أن طبيبه ومستشاره الخاص الفيلسوف اليهودي (موسى بن ميمون) كان قد وضع في ذلك الوقت نظريته (القَبَّالة اليهودية) التي يقول فيها :
“أن الربّ يُصدِرُ عشرة دروب من اشعاعاته الإلهية(سفيروت Sephirots ) والتي هي دروب :
(الازل ، الأبد ، الخير ، الشرّ ، العلوّ ، الهبوط ، الشرق ، الغرب ، الشمال ، ودرب الجنوب) وهي التي تحتوي شعبه اليهودي ليكونوا(شعب الربّ المختار) فتحميه وتحافظ على وجوده ، ويمكن للشخص اليهودي فقط ، ومن خلال علمه لماهية هذه الدروب أن يخترق الهالة المحيطة بالرب (يَهْوَهْ) ليشاركه ربوبيته ويحثه على تنفيذ نبوءاته التلمودية في تحقيق السيطرة اليهودية على العالم وعلى الكون في أرضه وفي فضائه المحيط” (*) .
ولأن (السهروردي) يطرح في نظريته (حكمة الإشراق) بأن :
“النفس البشرية عامةً مضيئةٌ ومشرِقةٌ بذاتها ، وأن الاعتماد على البصيرة يؤدي إلى إدراك عالَمٍ منفصل عن الصور المتاحة للأبصار ، عالَمٍ حيوي بإشعاعات متعددة ، لأن النفس البشرية بحدِّ ذاتها مادة مضيئة . ليكون اكتشاف “العلم الإشراقي” أحد أهمّ إسهامات (السهروردي المقتول) في تاريخ فلسفة الفكر الإسلامي” .
وهو مايدحض طرح (ابن ميمون) بأن الشخص (اليهودي) وحده مَن يتميز بميزة (الإشراق) فقط ، فعمل على أن يوغر صدر السلطان (صلاح الدين الايوبي) على الفيلسوف الإسلامي (ابو الفتوح يحيى بن حبش السهروردي) ويثير فيه التخوف والتوجس على ابنه (الظاهر) حتى اقنعه أن يأمر بقتله وبالتخلص منه .
============
(*) – كتاب (ابادشازكاه – دليل الحائرين) لمؤلفه الفيلسوف اليهودي “موسى بن ميمون” ، وهو مكتوب باللغة العبرية ، وفيه يقترح (ابن ميمون) أن تعمل اليهود على تأسيس مذهب إسلامي متشدِّد يجعل المسلمين ينفرون من الإسلام بتشدّده ، وبذلك يتم القضاء على الإسلام ، ويكون انهياره كما انهار (سدّ مأرب) بفعل الفئران التي لم ينتبه أحد إلى خطورتها وكانوا يستهينون بها ويحتقرونها .