سفيرة مصر ورئيس المرصد الإفريقي د. نميرة نجم: نشأتي في بيت سياسي كانت حاسمة في اهتمامي بالعمل الدبلوماسي

سفيرة مصر ورئيس المرصد الإفريقي للاتحاد الإفريقي السفيرة د. نميرة نجم سجلت لها الدبلوماسية أنها أصغر دبلوماسية مصرية إفريقية ترأس المرصد الإفريقي للهجرة في الاتحاد الإفريقي بعد رحلة من العمل الدبلوماسي استمرت 30 عاما من تمثيل مصر في لاهاي، ثم في الأمم المتحدة، ثم سفيرة لمصرة في رواندا؛ لتفوز بمنصب رئيس المرصد الإفريقي للهجرة في الاتحاد الإفريقي لأربعة أعوام متتالية في المغرب.ولكن كيف استطاعت د. نميرة أن تجمع بين تمثيل مصر دبلوماسيا وتمثيل المرأة المصرية دوليا وتتويج خدمتها للدبلوماسية المصرية بالفوز بجائزة جوستيتا بوصفها أبرز القانونيات في القانون الدولي لعام 2023 في فيينا بالنمسا؟
هذا ما كشفته في حوار حصرى لمجلة «نصف الدنيا» في أثناء رحلتها بالطائرة بين المغرب ورواندا.
منذ الثانية عشرة من عمرك كنت تحلمين بالعمل سفيرةً ومع ذلك بدأت دراستك في كلية حقوق عين شمس لماذا لم تلتحقي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية؟
منذ الصغر اعتدت البحث في مراجع القانون لأساعد أبي نبيل نجم ووالدتي نادية دياب، وكلاهما كان يعمل محاميا، وكان حديث المائدة في منزلنا يتمحور حول موضوعات وإشكاليات قانونية مختلفة وهو عامل مؤثر بلا شك.
كنت مغرمة بالسياسة وتحليلاتها، ولكن شدتني فكرة الوقوف على الحقوق والواجبات وهي أساس الدراسات القانونية، وبالتأكيد تصقل الدراسة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الطالب بدراسات متخصصة في المجالين، ولكنني كنت أعلم أن التقدم للعمل في الخارجية المصرية مفتوح لكل التخصصات الجامعية، وإذا تعذر الالتحاق بالخارجية كنت سأستمر في العمل بجانب والدي بالمحاماة وأطور العمل لأدخل به العنصر الدولي، وعلى الرغم من أن مجموعي كان يؤهلني لكلية السياسة والاقتصاد فإننى فضلت كلية الحقوق لمعرفتي القوية بالقانون المصري والدولي، ولرغبتى في معرفة حقوق المرأة في القانون.
• متى وكيف التحقت بالسلك الدبلوماسي وكيف أعددت نفسك للعمل في هذا المجال؟
كان الاستعداد فطريا لنشأتي في بيت سياسي أبا عن جد، فجدي الدكتور محمود دياب كان مغرما بالسياسة، ووالدي نبيل نجم يرحمه الله كان أصغر نائب برلماني في أواخر الستينيات عن دائرة الزيتون، وكان بيتنا مزارا لقيادات العمل السياسي من وزراء وأعضاء مجلس الشعب، وكانت مغرمة بالاستماع للمناقشات السياسية، وبخاصة أن جدي ووالدي كانت لهما آراء سياسية متعارضة، وكانت اللقاءات الأسرية داخل العائلة ومع أصدقائها تعبر عن الاختلافات داخل المجتمع،
هذا بلا شك أصقل قدرتي على الفهم السياسي، وخضت امتحانات وزارة الخارجية بعد تخرجي في كلية الحقوق، جمعت خلال تلك الفترة بعض المراجع السياسية والاقتصادية وعددا من الدوريات المتخصصة للوقوف على المستجدات على الساحة الدولية، وكان أمامي نحو ٤٥ يوما للإعداد للامتحانات، فعدت طالبة مرة ثانية، وعزلت نفسي للمذاكرة ومراجعة متطلبات الاختبار.
لا أخفى عليك أن هناك موادا كانت تعد تحديا لي، فبذلت جهدا أكبر فيها ووفقني الله باجتياز الامتحانات التحريرية ثم بقية الاختبارات حتى أعلن تعييني مع دفعتي عام ١٩٩٣.
• في بداية عملك دبلوماسيةً قررت عمل الماجستير والدكتوراة في بريطانيا لماذا بريطانيا تحديدا وما موضوعات هذه الرسائل؟
الحكايةً لها أصول عائلية فقد كانت جدتي من أوليات المصريات اللاتي شُجِّعَن للسفر إلى بريطانيا؛ حيث شجعها والدها المهندس فتح الله فتحي على السفر والحصول على شهادة جامعية قبل السماح للفتيات المصريات بالالتحاق بالجامعة، وعادت إلى مصر بوصفها أول سيدة تتخصص في علم النبات، وأنا لغتي الأجنبية الأولى هي الإنجليزية، وكان حلمى منذ الصغر أن ألتحق بالعمل الدبلوماسي، حلمت بالحصول على الماجستير والدكتوراة من نظام تعليمي مختلف، وأن تكون الدكتوراة في موضوع جديد يختلف عن الموضوعات البحثية التقليدية، وكذلك لأصقل تجربة العمل السياسي بدراسة القانون الدولي برؤية وتجربة العالم الغربي.
وتقدمت لاختبار لمنحة دراسة الماجستير ببريطانيا التي تقدمها حكومة المملكة المتحدة ونجحت في الحصول عليها، وبعد انتهائي من الماجستير في كنجز كوليدج لندن، قررت إكمال الدكتوراة في جامعة لندن على نفقتي، بعد أن استشرت صديق العائلة الراحل الدكتور فوزي حماد رئيس هيئة الطاقة الذرية المصرية السابق في موضوع الرسالة وشجعني عليها، وكانت أول دراسة في «قواعد القانون الدولي التي تقارن بين تطور ووضعية البرامج النووية لثلاث دول محورية في القانون الدولي النووي وهي إسرائيل والعراق وإيران».
• لاحظت أن مسيرتك المهنية تنقلت بين تمثيل مصر في لاهاي ثم الأمم المتحدة في نيويورك ثم التدريس في الجامعة الأمريكية ثم إدارة مكافحة الفساد في وزارة الخارجية تُرى ما سر النقلة إلى الاهتمام بالشئون الإفريقية؟
العامل المشترك بين كل تلك المناصب هو القانون الدولي والسياسة الدولية، وتحركي الأخير للاتحاد الإفريقي كان من أجل تولى منصب المستشار القانوني للاتحاد، فمسيرتي المهنية داخل وزارة الخارجية قبل أن أتولى منصب سفير كانت في معظمها سياسية وقانونية.
والعمل بالخارجية هو عمل سياسي بالأساس، ولكن هناك بعض التخصصات تحتاج إلى تعمق أكثر في القانون الدولي لخدمة المصالح السياسية، هذا بالإضافة إلى أن العمل بالأمم المتحدة يكسب الدبلوماسي مهارات وخبرات دولية لا تقارن بالخبرات الأخرى على المستوى السياسي أو القانوني، وبالتالي فإن انتقالي للعمل في الاتحاد الإفريقي يحقق فائدة مزدوجة وهي خدمة مصر وخدمة مصالح دول أعضاء الاتحاد كافة، وهو شرف أسعد بأنني نلته على المستويين الوطني والقاري.
• بعد إغلاق رواندا سفارتها 30 عاما في مصر قررت أن تفتحها في القاهرة وتم اختيارك لتصبحي سفيرة مصر لدى رواندا ما أهم الصعوبات التي واجهتك في بلد خرج حديثا من حروب الإبادة العرقية؟
لديَّ اعتقاد بأن الإنسان الذي يوكل إليه مهمة لابد من أن يترك بصمة ما في هذا المكان، وخلال فترة عملي حدثت طفرة في تطوير العلاقة بين مصر رواندا بوصفها إحدى دول حوض النيل، ليس بجهدي منفردة ولكن بدعم من الدولة المصرية وأعضاء السفارة الذين عملوا معي.
وعلى الرغم من أن رواندا دولة صغيرة في شرق إفريقيا فإنها دولة مؤثرة في أفريقيا، فمثلا أمريكا لديها بعثة دبلوماسية في كيجالي تتكون من ١٦٠ دبلوماسيا، ولذلك أفخر بأننى لم أمهد لتوطيد العلاقات مع هذه الدولة فحسب ولكن أسهمت بنقلة نوعية في زيادة الميزان التجاري بين البلدين وفتح آفاق جديدة للتعاون، ومنها فتح مركزين طبيين للصداقة المصرية الرواندية للغسيل الكلوي والطب عن بعد.
وقد ساعدني في هذا الاستثمار الأمثل لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي كأول رئيس مصري يزور رواندا مرتين في أثناء القمة الإفريقية سنة ٢٠١٦، ثم في زيارة ثانية ثنائية في ٢٠١٧، ومن أبسط الأشياء التي أسعد بها على سبيل المثال اليوم أنني أستطيع أن أسافر من القاهرة إلى رواندا اليوم مباشرة عن طريق طائرات مصر للطيران، لقد تحقق ذلك بعد أن تركت عملي سفيرة لرواندا، ولكن استغرق مني عملا شاقا لمدة ثلاث سنوات، ومن الشواهد أن أرى نتاج جهدي في بناء الملحقية العسكرية المصرية في كيجالي اليوم، والجدير بالشكر هو اللواء الراحل محمد العصار وزير الإنتاج الحربي السابق، والدكتور اللواء محمد الكشكى مساعد وزير الدفاع للشئون الخارجية السابق اللذان دعما هذا العمل، ذلك فضلا عن الترويج لجذب المستثمرين المصريين للعمل في رواندا وبدء توطيد العلاقات الأمنية والتجارية والصحية بين البلدين.
• تسجل الدبلوماسية المصرية لك أنك أصغر دبلوماسية مصرية إفريقية تتولى منصب المستشار القانوني للاتحاد الإفريقي لمدة 4 سنوات تواليا تُرى ما أهم إنجازاتك لصالح إفريقيا في هذه الفترة؟
أهم الإنجازات هو الإسهام في صياغة قوانين إصلاح المنظمة، وإصدار اتفاقية المنطقة التجارة الإفريقية الحرة، وإدماج وكالة النيباد للتنمية في إفريقيا بوصفها إحدى المؤسسات التابعة مباشرة للمنظمة، والحصول على توقيعات الدول على الاتفاقيات لتفعيلها.
وبالتأكيد يظل العمل الأبرز والملحمي الذي أعتز به هو الدور الذي قمت به مع زملائي في الوفد الذي شكلته للدفاع عن حق موريشيوس في استرداد مجموعة جزر تشاجوس باسم المنظمة خلال طلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية، وكان شرفا كبيرا لي أن يشكرني قادة الدول الإفريقية جميعا في اجتماعين للقمة عن مذكرات الدفاع التي تقدمت بها والمرافعات أمام محكمة العدل الدولية.
ثم مرة أخرى مع صدور الحكم لصالح دولة موريشيوس بضرورة إنهاء استعمار المملكة المتحدة للجزر، ومنح موريشيوس السيادة عليها، إنها أيام يسجلها التاريخ بأحرف من نور في القانون الدولي وفي التضامن الإفريقي وإنهاء آخر استعمار بريطاني لجزء من أراضي القارة، لقد كانت معركة قانون دولي كبرى تبارى فيها نخبة كبار المحامين الدوليين في العالم أمام أكبر محكمة قانون في العالم، لقد وفقنا الله وانتصرنا فيها.
• ما دورك في تشجيع عدد من دول إفريقيا في الانضمام إلى إعلان كمبالا للمناخ والتنقل البشرى؟ ما طبيعة هذا الإعلان وما أهميته للقارة الإفريقية؟
منذ أن توليت منصبي الجديد مديرةً للمرصد الإفريقي للهجرة، تابعت عن كثب موضوع الهجرة المناخية، فالتغيرات المناخية وتأثيراتها هو موضوع الساعة، ولكن للأسف لا يعي العديد من الأفارقة أن الأضرار الاقتصادية الواقعة عليهم سببها التغيرات المناخية، ومن هنا أوكل لي دور كبير مقرري المؤتمر الذي عقد لمناقشة توسيع الإعلان على المستوى القاري.
وكان دوري هو معاونة الدول الأعضاء في التفاوض والخروج بوثيقة يمكن الاستناد إليها في مواجهة تبعات تغيرات المناخ المسببة للهجرة، وهذا هو مرجع أهميته كأول أعلان إفريقي يتناول باستفاضة أسباب الهجرة المناخية، ويطرح توصيات يمكن لنا الاستناد إليها في وضع برامج تنظم انتقال البشر المتضررين من تغير المناخ، وكذلك كيفية مواءمة الأوضاع الراهنة لتتمكن المجتمعات من البقاء في أراضيها والتخطيط المسبق لهذا النوع من الهجرة للحد من ضحايا الهجرة غير النظامية.
• باعتبار مصر بوابة إفريقيا كيف كانت إسهماتك في الدعوة لتحقيق حلم إقامة «منطقة تجارة حرة إفريقية» تضم مصر و36 دولة إفريقية، تُرى إلى أين وصلت المبادرة وما المعوقات أمامها؟
عملت مستشارا قانونيا للمنظمة عن كثب مع إدارة التجارة في إخراج المنتج النهائي للاتفاقية، وتوليت جمع توقيعات القادة الأفارقة عليها، ثم علمت عدة ورش عمل حول آليات المنطقة القانونية وسبل حل المنازعات في إطارها.
والآن تعمل سكرتارية المنطقة على تفعيل الاتفاقية وبروتوكولاتها ليتم تنفيذها على أرض الواقع، إلا أن الأمر ليس سهلا لأنه يقتضي توحيد وتغيير قوانين داخلية تمنح الإعفاءات الواردة في الاتفاقية، وكذلك نشر المعلومات الأساسية بشأنها، وإنشاء مكاتب وطنية لتسجيل الصادرات والواردات وفقا لقواعدها، وأعتقد أن التحديات كثيرة ولكن المهم أن نبدأ وقد بدأنا وعلينا تكملة المسيرة.
• «البحار أصبحت مقابر جماعية للهجرة من إفريقيا إلى أوروبا» هذا وصفك للحالة التي وصلت إليها القارة الإفريقية بسبب الهجرة غير النظامية ما سبب ذلك؟
للأسف نحن علينا أن نعترف بأن مجموعة من العوامل تتضافر من الظروف الاقتصادية والسياسية والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية وغياب الحكم الرشيد وضمان التنقل الآمن للسلطة في أغلب الدول الإفريقية، إضافة إلى عوامل مستجدة وضاغطة لا ذنب لأحد في إفريقيا فيها، بينما علي العكس تعد القارة ضحية لأنشطة الدول الصناعية الكبرى التي تسبب التلوث المناخي الذي يؤثر على إفريقيا بظواهر مناخية مستحدثة تؤدي إلى كوارث بيئية ناتجة عن التغير المناخي، كلها عوامل تؤدى إلى بروز فكرة الهجرة الإنسان من إفريقيا هروبا من الفقر والعجز والجهل والمرض والقتل والصراعات الدموية والكوارث الطبيعية.
وهذا الوضع يشجع مافيا العصابات الدولية على تهريب المهاجرين غير الشرعيين والاتجار في البشر، واستغلال هذه الظروف المأساوية لنقلهم عبر البحار في سفن مكتظة وغير آمنة دون أي تنظيم مع الدول المستقبلة لهم، ومع زيادة هذه الهجرة غير النظامية أصبح من المعتاد أن يصبح المهاجر غير النظامي معرضا لأنواع التنكيل كافة سواء من أعباء تكاليف المغامرة غير المأمونة والقتل والاغتصاب والعبودية والنصب من عصابات التهريب ومن سلطات بعض الدول المستقبلة للهجرة، وهو ما ذكرته عدة تقارير عن شبهات انخراط بعض السلطات بإغراقهم.
ومن هنا أصبحت البحار مقابر جماعية، وهو ما يتطلب منا وقفة لخلق إرادة سياسية واعية تسهم في حماية الدول المستقبلة لحدودها إلى جانب حماية توفير الحد الأدنى من حقوق الإنسان للمهاجرين غير النظاميين، والتنسيق الأمني الإفريقي الأوروبي ومع القارات الأخرى المستقبلة لهذه الهجرة لضبط عصابات الاتجار الإجرامية الدولية ومعاقبتها قبل أي شيء لوقف تكرار العمل، ونحن لا نريد أن يصبح أمرا معتادا وروتينا يوميا أن نسمع أخبارا عن مئات الجثامين التي تفقد في أعماق البحر المتوسط أو خليج غينيا وغيرهما فلابد من وقفة توقظ الضمائر لإيجاد حل ناجع ومستدام لهذه الظاهرة ومعالجة جذورها دون أن ننكر على الإنسان حقه في الهجرة والتنقل وفقا للمواثيق القانونية الدولية.
وكيف تواجه إفريقيا هذا التحدي بعد توليك منصب رئيس المرصد الإفريقي للهجرة في الرباط؟
أولا نحن في المرصد الإفريقي للهجرة نهتم بتحليل تلك الظاهرة ولا نرحب بأي مبادرة تحد من حق الإنسان في الهجرة والتنقل، أو أي مبادرة لا تحافظ على حق الانسان أيا كان في طلب اللجوء والحماية، فأي مبادرة تتعارض مع قواعد القانون الدولي صراحة ومواثيق حقوق الإنسان التي تتعامل مع المهاجر غير النظامي بصفته مجرما، أمر نرفضه، وبخاصة أن أغلب المهاجرين ينتقلون من أجل العمل وكسب العيش والقلة تنخرط في عمليات إجرامية، لذلك يعكف الاتحاد الإفريقي على دعم الدول الأعضاء برصد الظاهرة وتحليلها واقتراح سياسات لمواجهتها، كما يقوم بمشاورات سياسية وأمنية مع الدول الأوروبية للوصول إلى حل، ونحن في المرصد نسهم في هذا الجهد ونرفض فكرة إعادة اللاجئين من بلد المهجر الأوروبي إلى الاحتجاز في دولة ثالثة في إفريقيا وفي معسكرات أشبه باعتقال جماعي.
فعلى سبيل المثال، نتشاور مع منظمة الهجرة الدولية والاتحاد الأوروبي لدراسة إعادة تأهيل المهاجرين النظاميين للتكيُّف مع الدول المهاجر إليها حتى يصبحوا قوة إضافية لسوق العمل لا علة على هذه الدول.
كما نبحث أسباب الهجرة والعوامل المؤدية لها وطرق علاجها والحد منها، وتوفير البيئة الآمنة للاستثمار والعمل داخل الدول الإفريقية، وندخل في شراكات لإعداد برامج لجمع المعلومات والإحصاءات وتقنينها في الدول الإفريقية؛ حتى تصبح لدينا المعلومات الموثقة التي على ضوئها يمكن للقادة وضع السياسيات لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية والحد منها والسلامة من آثارها التي تهدد البشر بالموت والمعاملة غير الآدمية، ونطرح حلولا لكيفية تفعيل الأدوات والأجهزة القائمة، أو إيجاد آليات جديدة لحماية حقوق المهاجرين واللاجئين والنازحين، ونبحث كيفية مواجهة عصابات مافيا التهريب والاتجار بالمهاجرين غير النظاميين.
• تعد مصر سرة الالتقاء بين إفريقيا والعالم الخارجي كما أن النيل يجمع بين مصالحها ومصالح إفريقية متعددة تُرى لماذا لم تستفد مصر حتى الآن من خيرات القارة الإفريقية؟
تبذل وزارة الخارجية المصرية جهودا هائلة من خلال السادة السفراء والدبلوماسيين في جميع الدول الأفريقية سواء سياسية واقتصادية، وتقوم وزارة التجارة بأدوار أخرى عبر الملحقين التجاريين والتوسع في إنشاء مكاتب ملاحق تجارية في هذه الدول، لكن التجربة ما زالت تحتاج إلى مراجعة خطة الانتشار الاقتصادي المصري في إفريقيا، والمعوقات التي تحول دون تحقيق زيادة مستهدفة لأرقام التعاملات التبادل التجاري، وإقامة شبكة المعلومات الاستثمارية، وتفعيل الاتفاقات التجارية والتوسع في نشرها والإعلان عن مزاياها، والتأكد من الاستعانة بكفاءات على المستوى الإداري الفني لعمليات التسويق للمنتجات، مع التركيز على أهمية تقديم المساعدة اللوجستية إلى المستثمر الصغير والمتوسط وكفالة تأمين الاستثمار في إفريقيا عبر مؤسسات التمويل.
ونحتاج إلى دراسة التجربة الصينية الرائدة الأكثر نجاحا في الاستحواذ على أغلب المشروعات والاستثمارات والحركة التجارية مع إفريقيا، كما أنه من الأفضل في رأيي تعيين وزير خاص بإفريقيا يكون منسقا لدراسة وتسهيل وتركيز حركة الاقتصادية والتجارة والاستثمار بالقارة والعمل على حل المشكلات وإزالة المعوقات بين الجهات المعنية، فإفريقيا سوق ضخمة لها مزاياه التي يجب أن نعمل عليها.
• تعد إفريقيا بالنسبة لمصر كنزا وتحديا في الوقت ذاته، فهي تريد تحقيق مصالح سياسية وتجارية ثابتة مع القارة، لكنها في الوقت نفسه محاطة بدول عديدة غير مستقرة سياسيا، كما هي الحال في السودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، ما مدى تأثر مصر بهذه الاضطرابات وكيف تواجه هذه التحديات؟
الوضع في السودان ومنطقة الساحل متردٍّ أمنيا واقتصاديا ويزيد من عدم الاستقرار المحيط بمصر، ولكن ككل التحديات الأمنية والسياسية، يمكن مواجهتها مع استمرار الإدارة الحكيمة للبلاد، ووضع خطط من جانب تنموي لخدمة المصريين كأولوية، مع توازن ما يمكن توفيره من مساعدات لهذه البلاد ومواطنيها للحد من نزوحهم واستقبال من يمكن لنا استقباله وفقا لإمكاناتنا وتعهداتنا الدولية.
وفي مقدمة ذلك ضمان تأمين حدود البلاد حتى لا نقع ضحية عمليات إرهابية بسبب صراعات داخلية في دول أخرى، ومتابعة حركة الأموال الواردة من الخارج لضمان عدم استغلالها في أنشطة غير مشروعة يمكن أن تؤثر سلبا على اقتصاد مصر..، كل ذلك لا يعنى توقف المنهج الداعم للتجارة والاستثمار في إفريقيا؛ فهناك دول أكثر استقرارا يمكن الاستثمار معها وحتى الدول الواقعة في النزاعات التجارة لا تتوقف معها لاحتياج شعوبها إلى المواد الأساسية لمتطلبات الحياة.
وقبل كل ذلك، علينا استثمار قدراتنا الدبلوماسية في الخروج بمبادرات لمحاولة تسوية تلك النزاعات؛ لأن في ذلك تحقيق مصالح أساسية وفي مقدمتها الحفاظ على أمن واستقرار البلاد.
*تُرى ما حيثيات حصولك على جائزة جوستيتا بوصفك أبرز النساء القانونيات في العالم في القانون الدولي والقادة القانونيين مدى الحياة عام 2023 في فيينا بالنمسا؟ وماذا يعنى ذلك بالنسبة تمثيل المرأة المصرية في الخارج؟
هذه الجائزة تمثل تقديرا لجهود النساء في القانون ومدى تأثيرهن على المستويين الوطني والعالمي، وبالنسبة للمرأة المصرية، تمثل هذه الجائزة نجاحا لسياسة مصر بدعم وتمكين المرأة المصرية، ففي حال التضييق على النساء لن تتاح لهن الفرص لإثبات قدراتهن، وحصول مصرية على هذه الجائزة يؤكد عراقة مصر واستمرارها في إخراج عناصر قادرة على المنافسة دوليا، وإثبات أن المرأة المصرية قادرة على أن تحقق إنجازا بوصفها إنسانا بغض النظر عن النوع متى أتيح لها المجال وفرصة العمل والمناخ لإثبات الذات مثلها مثل الرجل تماما.
والجائزة شهادة ليست لي فقط ولكن لجموع النساء في مصر والعالم العربي بل العالم، إذ تثبت عمليا كفاءة المرأة، والأهم أنها تدفع الشابات إلى أن يتخذن المرأة الفائزة قدوة وأملا في المستقبل لتحقيق آمالهن في التقدم والعطاء وإفادة الإنسانية في مجالهن، وبخاصة القانون.
كما أن الجائزة بلا شك قد تشجع القادة في عالمنا الثالث على مزيد من دعم تمكين النساء ودفعهن للمشاركة وإبراز مواهبهن وتميزهن لأنه من دون تأهيل كوادر شابة محلية تحقق إنجازات فارقة وتجربة على مستوى مجتمعهن المحلي والإقليمي في مجالهن، فلن تنافس امرأة على المستوى الدولي بالتأكيد من فراغ، وذلك في ظل اتجاه عالمي لتمكين المرأة في أرفع المناصب على مستوى المنظمات العالمية، بل العالم أصبح متهيئا لأن يكون الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة امرأة.
• في لقاء جمع بين وزير الخارجية المخضرم د. عمرو موسى مع خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية سأله أحد الخريجين ما أهم نصيحة تقدمها لي قبل العمل في السلك الدبلوماسي قال له: (اختر زوجتك بعناية فهي سر نجاحك أو فشلك) هل تنطبق هذه النصيحة على السفيرة نميرة نجم وكيف اخترت شريك حياتك؟
بالتأكيد ما قاله وزيرنا المخضرم عمرو موسى من نصيحة تحمل خبرة وتجارب وحكمة السنين وهي حكمة صحيحة بنسبة مليار في المئة، وكان اختيار شريك حياتي الكاتب والصحفي خالد طاهر، بالإضافة إلى الرومانسية التي بلا شك كانت عاملا أساسيا في تلاقينا، فهو شخص مصري، وطني، وفوق ذلك ليبرالي ومؤمن ومنحاز لدور المرأة كشريك متساو في الحياة، ويسعد لتقدمي ونجاحاتي بل يساعدني بشكل كبير، فهو المستشار الإعلامي الخاص بي، واختيار زوجة للدبلوماسي صعب، فما «بالك» بالدبلوماسية، التي تسافر كثيرا ويشغل العمل وقتا كبيرا من حياتها، إلا أننى أحمد الله أنه وفقني في اختيار زوجي كشريك للحياة قبل أي شيء؛ نظرا لتفهمه طبيعة عملي، وتحليه بالصبر في أوقات الضغط الشديد، وهى جميعها صفات حميدة ساعدت في استمرار حياتنا معا ودعمنا لبعض.
وأعتقد أن سر نجاحنا هو التوافق الفكري بيننا في حب مصر والسياسة، فأتذكر أننا في أحد اللقاءات في مكان صاخب، كنا نناقش قضية سياسية مهمة، وبعدها ضحكنا لأن الجميع سيتخيل أننا في حديث رومانسي، لدينا العديد من الاهتمامات المشتركة، لذلك كما قلت: إننى اخترت شريكا للحياة وليس زوجا فحسب.
• في معظم الحالات يضطر الدبلوماسيون في ترحالهم المتكرر إلى اتخاذ قرارات صعبة وتحمل تضحيات أسرية كبيرة لخدمة الوطن ما أهم القرارات الصعبة التي اتخذتها في هذا المجال وهل شعرت بالندم؟
لا أندم على شيء، أتخذ القرارات بعد تفكير كاف، وأتحمل تداعيات ومسؤولية قراراتي، وهنا أوكد لك أنني وأي دبلوماسي مصري على ما أعتقد يرى خدمة وطنه في أي مكان واجبا مقدسا، ووبوصفي دبلوماسيا محترفا أرى أن عدم الاستقرار والتنقل المستمر هما من مستلزمات وضريبة اختيار نوع العمل، والمشكلة لا تكمن في الدبلوماسي نفسه المحترف المجهز والمُهيأ تلقائيا لممارسة مهامه في تمثيل بلاده في أي مكان، ولكن تأتي دائما من أسرته التي ربما ترتبط بالمكان فيما يعرف بـ(نستولوجيا) أو حنين التعلق بالمكان.
أعتقد أول قرار صعب هو الالتحاق بالوزارة مع درايتي بتحديات العمل بها، والقرار الأصعب كان الالتحاق بالاتحاد الإفريقي بسبب تحديات المكان والزمان وتداعياته الأسرية، ولكن كما أشرت لم أندم على أى من هذه القرارات، وأحمد الله على تمكني من إنجاز ما أنجزته للآن، أنا على دراية بأننا لا يمكن أن نحصل على كل شيء في الحياة والتنازل عن شيء في مقابل آخر أمر واقعي، وعلينا أن نختار ما نراه الأفضل لنا دون النظر للوراء.