الذكرى الخمسون لرحيله .. (بابلو نيرودا)  شاعر القرن العشرين

وكالة أنباء آسيا

الذكرى الخمسون لرحيله ..

(بابلو نيرودا)

شاعر القرن العشرين ..

 

د.علي أحمد جديد

 

بابلو نيرودا من أفضل شعراء القرن العشرين ..

 

تعيش الأوساط الأدبية الشيلية والعالمية ، هذه الأيام الذكرى الخمسين لرحيل الكاتب والشاعر والدبلوماسي (بابلو نيرودا) .

كان نيرودا ، من أبرز النشطاء السياسيين في تشيلي ، كان عضوا بمجلس الشيوخ وباللجنة المركزية للحزب الشيوعي ، كما ترشح في الانتخابات الرئاسية في بلاده .

نال العديد من الجوائز التقديرية أبرزها كانت (جائزة نوبل) في الآداب عام 1971 ، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة أوكسفورد .

كتب عنه الناقد الأدبي (هارولد بلووم) يقول

: “لا يمكن مقارنة أي من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذي سبق عصره” .

وقال عنه الروائي “غابريل غارسيا ماركيز :

” بابلو نيرودا من أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم” .

ولد “بابلو نيرودا” بقرية (بارال) بوسط تشيلي يوم 12 يوليو- تموز عام 1904. وبرز نبوغه منذ الصغر عندما كتب قصائد وهو في العشرين من عمره ، التي انتشرت في أنحاء تشيلي ، لتنتقل بعدها إلى كافة أنحاء العالم وجعلت منه الشاعر الأكثر شهرة في القرن العشرين .

كان آخر ما قاله (نيرودا) :

“، عندما اقتحم جنود بينوشيه بيته، وقالوا له “جئنا نبحث عن السلاح في بيتك”.

” إن الشعر هو سلاحي الوحيد ” .

وبعدها بأيام توفي نيرودا في‏ 23‏ سبتمبر- أيلول ‏1973 ، وكانت آخر جملة في كتبها ، وتُرجمت إلى العربية هي :

“أعترف أنني قد عشت ، ولقد عادوا ليخونوا تشيلي مرة أخرى” .

تتميز قصائده بشعور الإحساس باليأس وشعور الإنسان بالوحدة والحب .

وكانت أجمل قصائده وأشهرها في ديوانه ..

“عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة” ..

وهو الديوان الذي أوصله إلى المحافل العالمية والدولية وأعطاه شهرة واسعة استحق عليها نيل (جائزة نوبل) عام 1971 بعد أن حصل من قبلها على الجائزة الوطنية للآدب بتشيلي عام 1945.

للشاعر (بابلو نيرودا) رأيه الخاص والمميز عن الموت ، حيث يقول :

“ميتٌ هو من يتخلى عن مشروع قبل أن يهمّ به ، ميتٌ من يخشى أن يطرح الأسئلة حول المواضيع التي يجهلها ، ومن لا يجيب عندما يُسأل عن أمر يعرفه . ميت من يجتنب الشغف ولا يجازف باليقين في سبيل اللايقين من أجل أن يطارد أحد أحلامه” .

تطرق (نيرودا) في شعره على امتداد رحلته الإبداعية إلى مختلف المواضيع ، فمن قصائده العاطفية المفعمة بأرقّ الأحاسيس وفائض المشاعر بالحب ّ، وبالصّبابة ، والجوى .. إلى المواضيع السياسية والتاريخية .. والاجتماعية ، وقد بلغت هذه الأشعار عنده أعلى درجات البلاغة وجمالية التعبير الشعري الرقيق . ففي القصيدة التاسعة من ديوانه “عشرين قصيدة حب وأغنية يائسة” يقول :

 

وداعاً .. إني عائد إلى دياري

وفي أحلامي أعود إلى الباتاغوني

حيث الريح تصفع الحظائر

والمحيط يذيب الصقيع .

 

أنا لست إلا شاعر

وأحبكم جميعاً

سأمضي متسكعاً في العالم الذي أحب :

في وطني نسجن عمال المناجم

والجندي يأمر القاضي .

ولكني أحب حتى الجذور بلدي الصغيرالبارد .

وإن كان لي أن أموت مائة مرة ،

فهناك أريد أن أموت ..

وإن كان لي أن أولد مائة مرة

فهناك أيضاً حيث أريد أن أولد

بقرب الصنوبر البري ،

والريح التي تعصف من الجنوب

والأجراس حديثة العهد .

 

لا تفكروا فيّ ..

فكروا بالأحرى في الأرض كلها ،

ولندق بحب على الطاولة .

لا أريد أن يعود الدم ثانيةً

ليخضِّبَ الخبزَ والفاصولياء السوداء والموسيقا :

أريد أن يأتي معي

عامل المنجم والصبية الصغيرة

والمحامي والبحارة

وصانع العرائس

وأن نذهب جميعاً إلى السينما

وأن نذهب لاحتساء أكثر النبيذ حُمرَة .

 

لم أحضر لحل أية مسألة .

 

أتيتُ هنا لأغنّي

وأتيتُ هنا لتُغنّوا ..

أنتمْ معي .

 

كان تأثير الشاعر الإسباني (فيديريكو غارثيا لوركا) في شخصية (نيرودا) إيجابياً عميقاً جداً ، كما هو تأثيره في حياة (نيرودا) وفي مسيرته الشعرية ، ولا يستطيع الباحثون ، بعد ما كتبه (لوركا) ، ألا أن يشيروا إلى هذا التأثير في دراستهم لقصائد الكفاح التي وقّعها شاعر التشيلي الكبير ، بعد ديوانه “الإقامة في الأرض” الذي نظمه في جنوب غرب آسيا ، أي في المستعرة البريطانية التي كان فيها شاهداً على أبشع صور استغلال الإنسان للإنسان ، وأوحت له هذه التجربة بقصائد أليمة أشبه بالمونولوج الذي عاش فيه حتى آخر أيامه ، تنزف أبياتها في سجن الواقع ، وفي الوحدة الجارحة كحدّ السكين ، كما تنزف يأساً وضياعاً .

وقد تغيّر (نيرودا) بفعل الصداقة العميقة بينه وبين (لوركا) في مدريد . وظهر الهمّ الاجتماعي في شعره لأول مرة ، وخاصة في قصيدة طويلة تألفت من 125 بيتاً ، تحمل اسمه كشاعر الإنسانية العظيم ، وتتداخل في مقاطعها ، أبيات أثيرية وبعضها سوريالي يصف فيها الشاعر بتأثر وبحب كبيرين ، شخصية صديقه الرائع العبقري ، والمتعدد المواهب الذي تنقل ضحكته لأرز عاصف عدوى الفرح بالحياة لكل مَن يعيشون حوله ، والذي جعله بكاؤه لرؤية المتألمين يلتفت صوب الآخر المعذب لمواساته ، وليكتشف أن هدف الشعر الأسمى ، هو الدفاع عن الحرية وعن العدالة ، وعن كرامة الإنسان .

كان تأثير (فيديريكو غارثيا لوركا) عميقاً في حياة (نيرودا) وفي مسيرته الشعرية ، فقد كان يوم 13 نوفمبر العام 1933 الذي التقى فيه ملاكا الشعر لأول مرة في بوينوس أيريس ، كان موعداً نجمياً صاغته عرائس الشعر السماوية ، وهو يوم رائع ومميز في تاريخ الآداب والإنسانية على حدٍّ سواء ، لأن الصداقة استمرت بين الشاعرين في مدريد حتى جاء وجع جرح الغياب باغتيال (لوركا) ، ليُحَلِّق (نيرودا) عالياً إلى فضاءات الشعر مدافعاً عن الإنسان المستضعف ، وليجَسِّدَ في قصائده رمزاً من أجمل رموز الحرية والعدالة ، والكرامة الإنسانية في القرن العشرين .

في 23ايلول/سبتمبر 1973 توفي الشاعر (بابلو نيرودا) عن عمر يناهز الـ 69 اثر اصابته بمرض سرطان البروستاتا ، ولكن سائقه السابق قال في عام 2011 إن (نيرودا) قد مات مسموماً وطلب من القضاء أن يحقق في الأمر .

وردد السائق ما قيل من أن (نيرودا) قد حقن بمادة ما في صدره ، وإنه توفي قبل ساعات فقط من توجهه الى المكسيك لتعبئة المعارضة الشيلية هناك ضد نظام حكم الجنرال (أوغستو بينوشيت) انتقاماً لمقتل صديقه الرئيس التشيلي (سلفادور الليندي)

وأسدل الستار الأسود على حياة الشاعر الكبير (بابلو نيرودا) الذي قدم للانسانية في قصائده أسمى معاني النضال والدفاع عن إنسانية الإنسان .. وعن الحب .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى