حرب البقاء بقلم : اللواء / حسام سمير

ألقت نتائج حرب أكتوبر بأساسيات الاستراتيجية الإسرائيلية فى عرض البحر ..وكان الإبهار والقدرة والإعجاب موضع مثار للعدو ..فقد غير ذلك من الفكر الإسرائيلى كثيرا ..وأيقنت الدولة العبرية أنها أمام معضلة كبيرة لا تتحمل معها المغامرة بمواجهات عسكرية جديدة أمام خصم يملك مقومات فريدة استطاعت أن تقهر فوارق التفوق العسكرى المبهرة وأن تحطم أكبر مانع مائى عرفته البشرية
كل ذلك دعا الاسرائيليون إلى استدعاء إحدى عبارات قادتهم التاريخيين (بن جوريون)..وجلسوا أمامها يتأملوا حروفها ويمعنون فى فهم معناها عندما قال فى عام ١٩٥٥ (اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه ..وعلى نتيجتها يتوقف مصير إسرائيل)
وكان المؤتمر الصهيونى الأول عام ١٨٩٧فى (بال)..يرفع شعار (حدودك يااسرائيل من الفرات إلى النيل)ومن بعدها بدأت جولات (هرتزل)المكوكية بتقديم طلب إلى الحكومتين البريطانية والمصرية لجر مياه نهر النيل إلى سيناء وصحراء النقب عام ١٩٠٣بهدف توطين المهاجرين اليهود بها
وقد وضحت النوايا الإسرائيلية خلال حقبة الستينيات عندما صرحت رئيسةوزرائها (جولدا مائير)قائلة:إن التحالف مع تركيا وأثيوبيا يعنى أنه قد بات فى قبضتنا أكبر نهرين فى المنطقة ..النيل والفرات
وقد زادت المطامع الإسرائيلية فى توصيل مياه النيل لها عندما صرح أحد العلماء الإسرائيليين ويدعى (إكشطابين)ويشغل رئيس قسم الاقتصاد بتل أبيب بأن جلب المياه عبر قطاع غزة أرخص تكلفة لنا فالمسافة لاتزيد عن ٣٠٠كيلو متر
وتطالعنا الذاكرة بطلب إسرائيل الحصول على كمية من المياه لصحراء النقب أثناء توقيع اتفاقية كامب ديفيد مما أدى إلى نشوب حربا باردة مع مصر بعدمااستعادت إسرائيل معظم علاقاتها مع الدول الأفريقية ..الأمر الذى دعا الرئيس السادات إلى أن يدلى بتصريح كان كالطعم الذى بلعته السمكة عندما أشار إلى أننا نقذف إلى البحر أكثر من ستة مليارات متر مكعب من المياه العذبة فكان ذلك دافعا إلى سرعة التبكير بموعد الانسحاب الإسرائيلى من سانت كاترين
وترى إسرائيل أن حصولها على ١٪فقط من مياه النيل أى مجرد ٨٠مليار متر مكعب كاف لحل مشاكل المياه لديها
وقد اتجهت إسرائيل إلى العمق الأفريقى وأحسنت استغلال الجاليات اليهودية بالدول الأفريقية المنتشرة فى ست دول أفريقية وخمس دول عربية أفريقية ويبلغ تعداد إسرائيل من المهاجرين الأفارقة لها ١٥٪ ..بينما يعد ملف يهود الفلاشا بأثيوبيا هو الأكثر تأثيرا فى ترسيخ العلاقات بين البلدين رغم فقر تلك الجاليات اليهودية إلا أن انتمائهم للأيديولوجية الصهيونية قوى للغاية
ولم تتوقف المطامع الإسرائيلية أو تنتهى فهى ضالعة فى سرقة ٩٠٠مليون متر مكعب مياه سنويا من الضفة الغربية بالإضافة إلى ٤٥٠مليون متر مكعب من مياه نهر الأردن
وقد استماتت الدولة المارقة واستمرت فى محاولاتها وسعيها عندما طرحت مع حليفها الدائم والأبدى أمريكا فكرة إنشاء صندوق مشترك يضم حسابا لكل الدول المتشاطئة لمجرى مائى دولى..وبمقتضاه يسجل فيه ثمن الماء الدولى الذى لديها على أساس أن قيمة المتر المكعب تعادل أرخص قيمة ماء بديلة مثل قيمة نظيره المحلى من البحر ..وتدفع كل دولة قيمة المياه التى تستهلكها وتحسب القيمة من حصة الدولة فى الصندوق المشترك ..وكان يعنى نجاح الفكرة التى تم الترويج لها فى ذلك الوقت مطالبة مصر بدفع ٥؛٢٧ مليار دولار أمريكى سنويا وقد نجحت المنظمة العربية للتنمية الزراعية فى إفشال الفكرة باعتبارها مخالفة للأعراف والقوانين الدولية ..ويكمن الشر فى قيام إسرائيل بشراء الماء فى حالة عجز الدولة المشتركة عن السداد
لم تسلم مصر من المخططات الصهيونية التى تهدف إلى تطويقها وطى ذراعيها ومنعها من التحليق..ففى فترة التسعينات رصدت أجهزة المخابرات المصرية أنشطة إسرائيلية فى أثيوبيا على مجرى النيل فى منطقة آبى وبحيرة تاناوقد نفت إسرائيل ذلك بعد التحذير المصرى شديد اللهجة لها
أما اتفاقية عنتيبى فقد استطاعت إسرائيل أن تحشد دول المنبع فى تكتل واحد مستغلة فقر هذه الدول وحاجتها فى الدعوة إلى اقتسام مياه النيل رغم عدم حاجة هذه الدول للمياه وزيادتها عن حاجتها..وكان هذا التحالف الذى ضم ٥دول وهى أوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندى تتزعمه أثيوبيا والتى تتطلع إلى أمال واهية فى التنمية وهى تمضى عابثة بينما تلقى من خلفها مستخلصة من العقد التاريخية المتأصلة والراسخة فى وجدان الإثيوبين تجاه الدولة المصرية
هذا التأصيل التاريخى لمشكلة سد الأزمة تضع أمام أعيننا حقيقة واحدة وهى أن العدو الإسرائيلى لن يتوقف أبدا عن مؤامراته ولن يهدأ له بال إلا إذا تحقق له مراده ومبتغاه بالحصول على حصة من مياه النيل مقابل أن يسمح لنا بمرور المياه وتدفقها لنا من المحبس الأثيوبي الذى يسيطر عليه
تبدو اللعبة هذه المرة خطيرة ومجنونة وعبثية وقد تنتهى بعد أن تحقق خسائر فادحة
فالنمرود الصهيونى يدفع بالكلب الأثيوبى إلى الهاوية..رافعا شعار فليذهب الجميع إلى الجحيم ..ولكن ستكون لنا كلمتنا الأخيرة والحاسمةفى هذا الأمر باذن الله