محمد كمال قريش يكتب/ البحر يتحدث

محمد كمال قريش يكتب/ البحر يتحدث.

“لقد اعتدت على الإنصات لجميع زواري، ها أنا ذا أطوي بين ثنايا موجاتي أسرارًا وأسرار. ها ذي أعباء ضخمة تستقر في أعماقي، اعتدت أن أستمع وأبتلع دون تزمر، لا أدري.. ربما لأن هذه طبيعتي. إلّا أن هذه المرة الأمر اختلف، فأمام هذا الشاب جاد الملامح هش الروح لا أحتمل. وجدتني حالما رأيته أحاقت بي أطنان من الهموم. الوحيد الذي أرجوه الآن بصمت أن يغادر محيطي، الوحيد الذي أشعر بعظيم صدقه وعذابات قلبه. أنا البحر الذي يظنونني لا أشعر ولا أشتكي؛ ها ذي جميع أحزان العالم تستقر في مواجهة ناظري، وها هي ذي الأسرار والكلمات والأوجاع التي أودعوها الزوار لديّ تثقل كاهلي وتضنيني، وما كنت لأشتكي، وما كنت لأتألم؛ لو لم يفجعني هذا الشاب بزيارته”

الشاب يقول بين نفسه:

“ليتني مثلك أيها البحر” صمت، ثم قام بمصمصة لسانه في ثقف فاه وأردف:

“مجرد مياه، نعم مياه لا تعرف الشقاء”

عندئذ تحدث البحر:

“الآن فقط أشعر بالكم الهائل من المظلومين، أنا الآن مثلهم، تعاستهم تعاستي، لقد أرهقني الشاب بمآسيه وآلامه حتى أشقاني ثم زاد من شقائي، يحسبني مطمئن البال هادئ النفس، آهٍ آه.. ليت بإمكاني إخبارك بأنني الآن أفقد وظيفتي كمستمع وأراني بت منذ هذا المساء واحدًا من ملايين المتذمرين المشتكين. ولكن مَن سيشعر بشقاء بحر ومَن له سيأبه؟!”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى