عارف من القرن الثامن الهجري سليل الخطباء الإمام (ابن عباد النفري)

عارف من القرن الثامن الهجري سليل الخطباء الإمام (ابن عباد النفري)
إعداد/ د. محمد أحمد محمود غالي
سليل الخطباء ابن عباد النفري الرندي هو : (أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن مالك بن إبراهيم بن يحيى بن عبّاد النفزي الحميري المعروف بـ “ابن عباد”)، ولد برندة جنوب الأندلس عام ٧٣٣ﮪ الموافق لعام ١٣٣م. هو أحد علماء أهل السنة، ومن أعلام التصوف في القرن الثامن الهجري. يعتبره كثير من الدارسين الناشر الفعلي والمنظّر الأساسي للمدرسة الصوفية الشاذلية بالمغرب الأقصى. نشأ في أسرة اشتهرت بالصلاح والزهد والاشتغال بالعلوم الدينية، كما حفظ القرآن وعمره لم يتجاوز السبعة أعوام. اشتغل بطلب العلوم النحوية، والأدبية، والأصولية، والفروعية. أخذ عن والده وأبي الحسن الرندي وأبي عمران العبدوسي والشريف التلمساني والإمام المقري وعبد العزيز القوري والإبلي وانتفع بجماعة منهم المجاصي وعيسى المصمودي وعبد الله الفشتالي والوانغيلي، وأخذ علم الباطن عن أبي العباس بن عاشر لازمه وانتفع به وهو من أكابر أصحابه، وعنه جماعة منهم لسان الدين ابن الخطيب وأبو زكريا السراج وأبو يحيي بن السكاك. أخذ في طريق الصوفية، وتكلم في علوم الأحوال، والمقامات، والعلل، والآفات، وألف فيه تآليف وتصانيف عجيبة، وله أجوبة كثيرة في مسائل العلوم، نحو مجلدين، جامعا بذلك بين علمي الشريعة والحقيقة. تنقل إبن عباد بين فارس وتلمسان ومراكش وسلا وطنجة، واستقر خطيبًا للقرويين بفاس، وتوفي بها. يعتبر من كبار الشيوخ والأولياء، والزهاد الأتقياء، شيخ عصره، وسراج زمانه، ذو مشرب شاذلي، تميز بتواضعه وحيائه وكرمه، وبعلمه وحُسن خِلْقَته وخُلُقه. نهج ابن عباد الرندي، منهج الصوفية في السلوك والاعتقاد، فسلك طريقهم، وشرب من مشربهم، وجاد بعلمه الذي نال منه التصوف الحظ الوفير، حيث لقي كبار الصوفية والمشايخ، الذين سقَوه من علمهم، وأحوالهم، ومقاماتهم، ومما ساعده على ذلك، زهده وصلاحه، وحماسته واستعداده، لاستيعاب العلوم والمعارف، والأذواق والحقائق.
يقول أحمد القسنطيني الشهير بابن قنفذ في كتابه أنس الفقير : ” ولأبي عبد الله هذا عقل وسكون، وزهد بالصلاح مقرون، كان يحضر معنا مجلس شيخنا الفقيه أبي عمران موسى العبدوسي، وله كلام عجيب في التصوف، وصنف فيه مما هو الآن يقرأ على الناس مع كتب التذكير”.
ويضيف ابن الخطيب القسنطيني قائلا: “الخطيب الشهير العالم الكبير، من أكابر أصحاب ابن عاشر وخيارهم، له كلام عجيب في التصوف، وله فيه قلم انفرد به، وسُلم له فيه بسببه، وكان يحضر السماع ليلة المولد”.
ويقول الشيخ أحمد زروق: “كان ذا سمت وصمت، وزهد وعفاف، وتجمل، متبرئا من الدعاوي”.
ويقول تلميذه أبو يحيى ابن السكاك: “أما شيخي وبركتي أبو عبد الله ابن عباد رضي الله عنه، فإنه شرح الحكم، وعقد درر منثورها في نظم بديع، وجمعت من إنشائه مدارُها على الإرشاد إلى البراءة من الحول والقوّة، فيها نبذ كأنفاس الأكابر، مع حسن التصرف في طريق الشاذلي، فقرب بها حقائق الشاذلية تقريبا لم يسبق إليه”.
كان ابن عباد الرندي رحمة الله عليه، يحب طلب العلم، حيث حطَّ بمدينتي تلمسان وفاس، قرأ بهما الفقه والعربية والأصول، فتولى بهذه الأخيرة، والتي حظي بمحبة أهلها وبتقديرهم واحترامهم له، منصِبيْ الإمامة والخطابة بجامع القرويين، لمدة خمسة عشر عاما، حتى اعتبر بمثابة الإمام الشافعي بمصر، مؤكدا بذلك أنه لم يكن متجردا ومنقطعا إلى العبادة والزهد، وإنما كان ممارسا لحياة اتخذت من مبدأ عدم التعارض بين الاشتغال بالأسباب الدنيوية، وسلوك طريق الصوفية منهجا علميا مقتديا في ذلك بالمدرسة الشاذلية.
لإبن عباد النفري مؤلفات عديدة منها : (الرسائل الكبرى في التوحيد والتصوف ومتشابه الآيات، كفاية المحتاج، بغية المريد، نظم به الحكم العطائية، فتح الطرفة، الرسائل الصغرى، شرح أسماء الله الحسنى، فتح التحفة، غيث المواهب العلية بشرح الحكم العطائية، إضافة إلى بعض المخطوطات، ومجموعة من الخطب التي ألقاها بجامع القرويين، ما زالت تدرس حتى الآن في جوامع ومدارس بلاد المغرب).
ومن أقوال الشيخ ابن عباد الرندي رحمه الله:
“معرفة الله تعالى هي غاية المطالب، ونهاية الآمال والمآرب، فإذا واجه الله عبدا ببعض أسبابها، وفتح له باب التعرف له منه، وأوجد له سكينة، وطمأنينة فيها، فذلك من النعم الجزيلة عليه”.
وقال أيضا:
” مداواة أمراض القلب واجبة على المريد، إنما تكون من غلبة أحكام الطبع عليه من صحبته للأضداد، ووقوفه مع المعتاد، وانقياده إلى هوى النفس، وأنسه بعالم الحس”.
ومن أقواله يرحمه الله :
‘إخلاص كل عبد في أعماله على حسب رتبته ومقامه”.
وبعد عطاء كريم فى حياة كريمة حافله بالعلم والمعرفة والتقوى والزهد والإيمان، توفي ابن عباد رحمة الله عليه في رجب عام ٧٩٢ﮪ الموافق لعام ١٣٨٩م، بكدية البراطل من داخل باب فتوح بمدينة فاس المغربية. كانت جنازته في غاية الاحتفال حضرها الأمير فمن دونه ورثاه الناس بقصائد كثيرة وبالجملة فإنه جم الفضائل واسع الترجمة. رحم الله الشيخ ابن عباد الرندي ورضي عنه وأرضاه، واجزل له العطاء.