د.علي أحمد جديد يكتب عن / الحسد

د.علي أحمد جديد يكتب عن / الحسد
” لله دَرُّ الحَسَدِ ما أَعدَلَهْ ، بدأَ بصاحبِهِ فقَتَلَهْ ” .
(الحسد) شعورٌ عاطفي بتمني زوال قوةٍ أو إنجازٍ أو ميزةٍ عن شخص آخر والحصول عليها .
و قد يكتفي الشخص الحاسد بالرغبة في زوالها عن الآخرين في حال عجزه عن الحصول عليها .
ويكون الحسد بخلاف الغبطة التي هي تمنّي مثلها من غير حبِّ زوالها عن المغبوط .
وقد قال الفيلسوف الشهير (بيرتراند راسل) :
“إن الحسد أحد أقوى أسباب التعاسة ، ولا تقتصر التعاسة على الشخص الحاسد بسبب حسده . بل قد تصل إلى الرغبة في إلحاق المصائب بالآخرين” .
وعلى الرغم بأن الحسد صفة سلبية ، إلا أن (بيرتراند راسل) كان يؤمن أن الحسد قد يكون صفة إيجابية و القوة الدافعة نحو تطبيق مفهوم الديموقراطية لتحقيق نظام اجتماعي أكثر عدالةً ومساواة . وقد توصل علماء النفس مؤخراً إلى أن الحسد بشكل عام يُقسَم إلى قسمين اثنين :
* حسد سلبي ضار
* حسد إيجابي نافع وهو الذي يشكل قوة محفزة إيجابية للتغيير .
وينتشر الاعتقاد بالحسد في ثقافات مجتمعات عدة خصوصاً في المجتمعات القديمة . وعلى الرغم من دخول البشرية القرن الواحد والعشرين ، والتطور التقني الهائل ، إلا أن الاعتقاد بضرر الحسد لا يزال منتشرا في مجتمعات عمدت إلى اتباع تعاليم خاصة بحثاً عن طرق لتفادي الإصابة بآثار الحسد .
وفي حين أن الحسد في حقيقته لدى البعض مجرد وَهْم ، إلا أن ذِكره في القرآن الكريم يؤكد بأنه طاقة سلبية تؤثر في الإنسان وحتى في الأشياء ، بينما يعتبره آخرون حالة نفسية ضارة . وقديماً استخدم الإنسان تعاويذَ ورِقىً وأحجبةً كان يعتقد أنها تقيه شرور الحاسد .
وعلمياً تم تصنيف الحسد في حقيقته كحالةٍ نفسية سلبية تدفع الحاسد إلى التفكير بطريقة المقارنة الكارهة للواقع الذي يعيشه ، فهو يرى أن ما يحصل عليه الآخرون لا يستحقونه بقدر ما يستحقه هو نفسه . وعليه فإن ما يصيبه من خير فهو الأفضل ، ولا يرضى بذلك الخير لغيره أبداً . وهذا التفكير ضار جداً في تأثيره الكبير في النفس ، ومساهمته في نمو مشاعر القلق والحقد على الواقع الذي يعيشه الشخص الحاسد ، ويدفع به إلى الغضب وإلى الأنانية والكراهية .
وتؤكد الدراسات النفسية أن من لديه درجة أعلى من المتوسط في حسد الآخرين فإنه يقع في دوّامة التعرّض للأمراض النفسية والاضطرابات الذهنية ، لأنه يستثير في داخله المشاعر السلبية والقلق الدائم ، ومع مرور الوقت يفقد الحاسد التفاعل في المساهمة ببناء المجتمع فلا يتجه نحو تحقيق أهدافه ، وينشغل بحل مشكلاته الداخلية وبالصراع مع مشاعره السلبية المتولدة في داخله نتيجة طغيان الحسد فيها .
وللحاسد صفات تشير للتعرف عليه أهمها النرجسية العالية وحبُّ الذات محبةً زائدة عن المعقول ، والقناعة المبالغ فيها بالنفس ، والثقة غير المبررة بالقدرات رغم القصور في المهارات الاجتماعية والفنية ، فهو لا يستطيع أن ينجح لجهده ولا من خلال أفكاره الذاتية .
وقد بدأت الدراسات تبيّن أن الحاسد يبقى بعيداً – عاطفياً – عن الآخرين ، وينتابه الشعور الدائم بالغربة الاجتماعية والنفسية ، ويكون لديه ميول عدوانية خَفية وسلبية لإيذاء الغير أو رغبة الإيذاء للغير في حال عجزه عن تنفيذ ذلك ، حيث يفرح بما يصيب المنافس له بالفشل ، ويحزن لنجاحه . وفي بعض الأحيان يتجه إلى الخداع لتحقيق التفوق و النجاح ولا يرى في ذلك بأساً أو نقيصة أخلاقية أبداً .
ويمكن التعرف إلى الحاسد من خلال سلوكه أو ردود أفعاله نحو نجاحات الغير ، كفلتات اللسان مثلاً ، أو النظرات و الإشارات و الحركات العفوية غير المقصودة والتي يمكن من خلالها التعرف على الشخص الحاسد أو الشخص المحب الذي يتمنى الخير للآخرين .
وهناك محاولات في علاج الحسد كعلاج نفسي وعلمي ، وهو يشمل طرفي الحسد . فالحاسد إذا ما أدرك حقيقته ، يتم علاجه عن طريق مساعدته في تغيير مسارات التفكير الخاطئة التي لديه ، ويكون ذلك من خلال جلسات علاجية ، أما الشخص المحسود فيتم علاجه بما وراء علم النفس (الباراسيكولوجي) أي العلاج بالطاقة .
وأما (الغبطة) فهي شعور عاطفي ايجابي بعكس الحسد ، ويتمنى صاحبها أن يكون له من النعمة ما عند الآخرين ، إلا أنه لا يتمنى زوالها عنهم . بينما الحاسد يسعى لتجريد المحسود ممالديه برويةٍ وهدوء ، وأحياناً بصخبٍ يرافقه عدوان بصور مختلفة .
في حين أن الحسد والغيرة هما دائرتان متقاطعتان بينهما مساحة مشتركة ، وبنفس الوقت تكون لكل دائرة منهما مساحتها المستقلة عن الدائرة الأخرى . إذْ أن الحسد هو تمني زوال مالدى المحسود عنه من النعم أو الميزات وانتقالها إلى الشخص الحاسد أو الاكتفاء بزوالها فقط عن الشخص المحسود . بينما الغيرة تكون صورة خفيفة من صور الحسد تتجلى بتمني زوال النعمة عن شخص يكون أفضل حالاً أو ميزة من الشخص الحاسد الذي يعجز عن مجاراة المحسود . وبذلك يكون الوصف النفسي لكلٍ من الحسد والغيرة هو تمني زوال مالدى الآخر واستئثار الحاسد أو الغيور بتملّكها .
وعملياً يكون الحسد غيظاً وضِيقاً وفي بعض الأحيان يصل إلى العدوانية المكتومة نحو الشخص المحسود . بينما تكون العدوانية في الغيرة واضحة وبارزة ومتقدمة على غيرها من المشاعر السلبية .
ومما تقدم نرى أن الحسد والغيرة ليسا أكثر من آلية نفسية لاشعورية تغطي مشاعر العجز أو النقص بمشاعر معاكسة ومضادة تنشأ في اللاوعي الذاتي وتتأصل في السلوكيات العدائية ، لأن الدراسات النفسية تصف الحسد بأنه تقدير الذات لدى الحاسد من خلال المقارنة السلبية بالآخر ، وهو مايولّد الاستياء ويسمّم القدرة على استمتاع الشخص الحاسد بامتيازاته الجيدة التي يمتلكها في ذاته . كما يقضي على شعوره بكيانه وعلى شعوره بالامتنان للعديد مما لديه ، لأنه يبقى أسير مقارنة ذاته بالآخرين مقارنة غير طبيعية وتُظهِر له دونيته تجاه الآخرين بكل مرارة ، فتتأثر صحة الحاسد البدنية والنفسية ولا يكون تعافيه إلا من خلال تركيزه على نفسه وامتنانه الدائم لميزاته وإمكانياته التي يمتلكها والتي يستطيع ، بالمثابرة ، أن يطوّرها ويتفوق بها حتى على من يغار من نجاحاته ويحسده .